سلام حازم
يراد بالدعوة إلى الله إرشاد الناس وهدايتهم لمحبة الله سبحانه ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم وطاعته فتأخذهم الرحمة والعناية الإلهية وتغمرهم محبتهُ سبحانه إسترشاداً بكتاب الله وهدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فخير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وعندها تفتح لهم بركات السماء والأرض وتعمر الأرض ويعم السلام وتنتشر الفضيلة وتنحسر الرذيلة: {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ } ( إبراهيم 20 ) ، :{ . . . لَّوْ يَشَاءُ اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً . . .} ( الرعد 31 ) ، وتعتمد الدعوة إلى الله على دعائم لا بد منها أولها صدق الداعي وأهليته وثانيها تأييد الله ونصرته : {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } ( التوبة 33 ) ، وهذه دلالة واضحة على صدق الداعي وأهليته لحمل الرسالة ولا بد أن يكون الداعي قد اجتباه ربه واختصه برحمته لهداية الخلق وجعله مبلغاً عنه سبحانه : { إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ . . . } ( يس 14 ) ، ومن أول صفات الداعي بعد انتقال حضرة سيدنا محمد المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم أن يكون مقتدياً بحضرته صلى الله تعالى عليه وسلم ورد بالحديث الشريف : { إنما أصحابي كالنجوم ، فبأيهم اقتديتم اهتديتم }(1) ، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك : {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } ( النحل 16 ) ، وأن يكون الإقتداء نيةً وقولاً وعملاً ورد بالحديث الشريف : { علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل }(2) ، وهذا الحديث الشريف يشير بوضوح إلى مقام الداعي إلى الله سبحانه فعلمه رباني ( لدني ) وصاحب تمكين رباني سوى مقام النبوة .
قال حضرة المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم : { يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي} (3) ، وهذا ما يشير بوضوح إلى وجود الوارث المحمدي : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا . . . } ( الأنبياء 73 ) ، وقال الإمام علي كرم الله وجهه : {لا تخلوا الأرض من قائم لله } (4) ، فالإمام هو الولي المرشد والإقتداء به وطاعته ومحبته أوجبها الله سبحانه على كل من أراد وجه الله سبحانه فطلب الهداية لأن الوارث المحمدي لا بد أن يكون طاهراً عقلاً وقلباً وبدناً وهذا ما نصت عليه الآية الكريمة : { . . . إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }( الأحزاب 33 ) ، قال حضرة السيد الشيخ السلطان الخليفة محمد المحمد الكسنزان قدس الله سره : {لا بد للشيخ المرشد إلى طريق الحق من شروط يصلح معها أن يكون نائباً للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وهي أن يكون تابعاً لشيخ بصير أجازه بالإرشاد بعده وأن يتسلسل نسبه إلى سيد الكونين صلى الله تعالى عليه وسلم وأن يكون عالماً ومعرضاً عن حب الدنيا وحب الجاه ومحسناً لرياضة نفسه من قلة الأكل والنوم والقول وكثرة الصلاة والصدقة ومتصفاً بمحاسن الأخلاق كالصبر والشكر واليقين والتوكل والسخاوة والقناعة والحلم والتواضع والصدق والحياء والوقار والسكون وأمثالها ومثل هذا الشيخ نور من أنوار النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يصلح للإقتداء به } (5) .
والصفة الأخرى بالداعي إلى الله سبحانه أن يكون مجاب الدعوى : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ . . . }( البقرة 186 ) ، وهذا يلزم كل من أراد وجه الله سبحانه أن يستجيب إلى الداعي ويؤمن أنه امتداد لحضرة سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم لذلك أطلق الرعيل الأول صفة الخوارج على كل من خالف الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم فمن كذب الداعي فإنه كذب حضرة سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وكذب الحق عز وجل :{ وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }( الزمر 33 ) ، ومن صفات الداعي أن يكون صاحب علم رباني عارف بالله سبحانه :{ فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً }( الكهف 65 ) ، وكذلك من صفاته أن يكون صاحب تمكين رباني وهي الكرامة لأن كرامته امتداد لمعجزة حضرة سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وجاءت لإثبات استمرار الرسالة المحمدية واستمرار نزول الرحمة لأن حضرة المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم هو النور الذي أرسل لكل العالمين ومعجزاته هي إثبات لوجود الحق عز وجل وإخراج الناس من الظلمات إلى النور : { قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ }( المائدة 15 ) ، فحضرة سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم نور اكتسب نور : { . . . نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ . . . } ( النور 35 ) ، ومن صفات الداعي إلى الله أنه صاحب الإذن الإلهي أي مأذون بالدعوة : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً . . . وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً }( الأحزاب 45 ، 46 ) ، قال السيد الشيخ الغوث عبد القادر الكيلاني قدس الله سره : { إن الأولياء في بداياتهم لا يتحركون ولا يسكنون إلا بالإذن الإلهي الصريح في قلوبهم حتى إذا وصلوا إلى مرتبة الأمناء التي يتفرد فيها كل واحد منهم بحاله أعطوا التمكين في أمورهم } (6) ، فكرامات آل بيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وكرامات الصحابة رضوان الله عليهم كثيرة لا تحصى لأنها تمكين رباني وكذلك المشايخ الكاملين تقدست أسرارهم لأنهم الوارث المحمدي فهم العارفون بالله ومع الله ويتحركون ويسكنون بالله لأن وجودهم لله سبحانه بتبليغ الرسالة المحمدية وتخليص الناس من ظلمة النفس ولإرواء عطشهم الذي سبب لهم فراغ روحي ليحصلوا على النور في الدنيا والآخرة وهذا ما يوصلنا إليه صدق الداعي وصدق دعوته والشرط الثاني في الدعوة إلى الله جل وعلا هو تأييد الله سبحانه ونصرته :{ . . . وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ }( الروم 47 ) ، لأن المؤمن هو من انتصر على نفسه وطهر قلبه من أمراضه التي هي نجاسات معنوية وطهر عقله من النجاسات الفكرية وزكى نفسه وأنقذها من رعوناتها وطبعه وهواه من الرذيلة لأن الحق عز وجل غني عن العالمين وهو القاهر فوق العباد وبيده ملكوت كل شيء سبحانه وتعالى عما يصفون فلذلك من لا يستطيع أن يصلح نفسه لا يستطيع أن يصلح الآخرين والعلم بالشيء لا يكفي ولكن الأساس هو المعرفة والتحقق بالعلم .
قال الإمام الصادق عليه السلام : { من لم ينسلخ عن هواجسه ولم يتخلص من آفات نفسه وشهواتها ولم يهزم الشيطان ولم يدخل في كنف الله وأمان عصمته لا يصلح له الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر } (7) ، فهل يأمر الإنسان الناس بالصدق وهو غير ذلك أو يأمر بالفضيلة وهو غير ذلك ومثالنا على ذلك أنه كل من قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ودخل الإسلام لا بد أن يعرف أركان الإسلام ومنها الصلاة ورغم ذلك نشاهد الكثير من المسلمين لا يؤدون فريضة الصلاة وهو يعلم بأن الصلاة فرض ويعلم أركانها : { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ . . . }( البقرة 44 ) ، إن من يأمر الناس بالبر لا بد أن يكون من الأبرار لأن الدين هو نية وأقوال وأفعال ومن لم يلتزم بذلك فهو ممقوت عند الله : {كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } ( الصف 3 ) ، والإشكال الآخر أن كل المسلمين يعلمون بوجوب تغيير ما بأنفسهم أي التخلي من الصفات المذمومة والتحلي بالصفات المحمودة عند الله : { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ }( الرعد 11 ) ، ولكن وألف لكن .
يتبين مما تقدم أن الدعوة إلى الله سبحانه لا ترتكز على الرأي أو الظن بل أساسها رحمة الله سبحانه بعباده فيختص برحمته من يشاء ليكون مبلغاً عنه جل وعلا وعن حضرة سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فتهوى إليه القلوب ويكون ملجأً لطالبي طريق الحق والفقراء ومن أتعبتهم الدنيا وضيعهم الفراغ الروحي فيجدون عنده المحبة والسلام والعيش الكريم بعد أن يجاهدوا أنفسهم وطبعهم وظواهرهم وتطهر قلوبهم فيكونوا مع الله ويكون الله معهم وفي ذلك ذكرى :{ . . . لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْــعَ وَهُوَ شَــهِيدٌ } ( ق 37 ) ، نسأل الله الهداية لنا ولكل الناس وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصل اللهم على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
____________
الهوامش :
(1) – الإبانة الكبرى لابن بطة ج 2 ص 220 . (2) – المقاصد الحسنة ج 1 ص 154 .
(3) – كشف الخفاء ج 2 ص 384 .
(4) – كنز العمال ج 10 ص 263 .
(5) – كتاب الطريقة الكسنزانية ص 178 .
(6) – موسوعة الكسنزان فيما اصطلح عليــه أهل التصــوف والعرفــان – ج1 ص226 .
(7) المصدر نفسه – ج1 ص 357 .
المصدر :- مشاركة من الكاتب .