خليفة مشتاق هيلان
قد صح أن سائلاً سأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم متى وجبت لك النبوة ؟ فقال : وآدم بين الروح والجسد والذي نستشفّه من هذا الحديث الشريف هو أن حقيقته صلى الله تعالى عليه وسلم والتي هي مجلاها النبوة تعد البرزخ بين عالم الغيب وهو روح آدم وعالم الشهادة وهو جسد آدم ولا يختلف المعنى في الرواية الثانية للحديث عندما قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كنت نبياً وآدم بين الماء والطين فالماء هو عالم الغيب لأنه رمز الحياة بل عنصر الحياة الأساسي الذي منه جعل الله تعالى كل شيء كما في الآية الكريمة وجعلنا من الماء كل شيء حي وإن الطين هو عالم الشهادة وعالم الحس والمادة وأن الرابط بين هذين العالمين ( الظاهر والباطن ) هو الحقيقة المحمدية وهي نبوة المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم الذي هو رحمةً للعالمين . كما أن ما بين روح آدم وجسده كانت النبوة والتي هي الأس الثاني للحياة ما بين الروح والجسد للإنسان الكامل والمتمثل بآدم عليه السلام . فلولا هذا الرابط لما صح للروح حكم على الجسد ولا للجسد على الروح كما هو الحال في النور الذي بين الناظر والمنظور ، فمن هذا المنطلق يتجلى لنا معنى الحديث القدسي لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك . أي لولا هذا البرزخ والذي هو ليس بمعنى الفاصل وإنما الرابط والفاصل بنفس الوقت لما كان هنالك باطن يتشكل في ظاهر ولا ظاهر يستدعي باطناً موزعاً ومحركاً له . فعلى هذا يكون آدم مادة من عنصرين يتوسطهما عنصر ثالث فيه السر والحكمة من هذين العنصرين كالوصف بين الواصف والموصوف والوحي بين الموحي والموحى إليه والرسالة بين المرسلِ والمرسَل له ، لولاه لن يتم وصف لواصف ولا وحي لموحي ولا رسالة لمرسل . فكذلك هي الحقيقة المحمدية بين الروح والجسد الوجودي لأن آدم عليه السلام ما هو إلا جرم صغير بجسده ينطوي فيه عالم كبير ولكن بروحه عالم كبير يُطوى بين جنبي جسدٍ صغير أي أن جسده عبارة عن سجل يحوي ما في الوجود كما يقول القائل : إن في البعوضة مثل ما في الفيل وزادت عليه بالجناحين .