إن المراد بآثار المشايخ في العرف الصوفي : هي كل ما يخص الشيخ مهما كان بسيطاً من مسبحة أو عصا أو منديل أو قطعة قماش أو ورق أو قليل من ماء أو طعام الشيخ وحتى التراب إذا لامسه وكل شيء . فكل ما يتخلف من المشايخ الكاملين هو في عرف الصوفية من آثارهم المذكرة بهم .
والذي نراه أن تلك الأشياء ليست هي آثار المشايخ على التحقيق وإنما هي أسباب يتوصل بها إلى الآثار الحقيقية للمشايخ ، فما هي الحقيقة الروحية لآثار المشايخ ( قدس الله أسرارهم ) ؟
لمعرفة هذه الحقيقة نقول : إن الذي عليه أهل التحقيق من أهل الطريقة أن المشايخ الكاملين ( قدس الله أسرارهم أجمعين ) هم أخص خواص الأمة المحمدية ، وذلك لأنهم ورثوا حضرة الرسول الأعظم علماً وعملاً ، أخلاقاً وحالاً وكانت هذه الوراثة عن طريق اللمسة الروحية ( البيعة يداً بيد ) .
لقد كان من ثمار المصافحة ( المبايعة ) المباركة مع الحضرة المحمدية المطهرة أن انتقل النور المحمدي إلى قلوبهم وأرواحهم وذواتهم ، وغمر وجودهم ومعرفتهم بإشعاعاته المباركة حتى انتهوا إلى مرتبة الذوبان في حقيقته النورانية فتشبعوا وفنـوا فيها ، فصاروا نتيجة لذلك مشعين بالأنوار المحمدية ، تشع منهم في كل الأنوار وفي كل الاتجاهات روحياً لتنور ما تقع عليه من ذرات الوجود و دواخل النفوس .
إن مشايخ الطريقة لفنائهم بالنور المحمدي صاروا مشعين له ، فإذا ما لمس أحد المشايخ شيئاً كأن يكون المسبحةً أو العصاً أو ثوباً أو قطعة ورق أو أي شيء آخر ، فإن قبساً من نوره ينتقل بلا تجزئة ولا انفصال إلى ذلك الشيء الملموس ، فيؤثر فيه ، ويصبح مشعاً بالنور الذي انتقل إليه .
إن قبس النور الذي يسرى من نورانية الشيخ إلى الأشياء هو في حقيقة الأمر ما يُطلق عليه بـ(أثر الشيخ أو آثار المشايخ ) وليس الشيء بحد ذاته .
إن هذه النورانية ( نورانية المشايخ المستمدة من النورانية المحمدية ) هي المؤثر في الأشـياء ، وهي البركة التي يطلبها المريد ، حيث يسري تأثيرها روحياً إلى قلبه وروحه كسراج يقتبس من سراج ، وعلى أثرها تزداد قوة المريد الروحية ، وينموا نور الإيمان المزروع في قلبه ليعم كيانه كله محققاً إياه بحديث الرسول الأعظم ﷺ ( اللهم اجعل لي نوراً في قلبي ونوراً في قبري ونوراً في بصري ونوراً في شعري ونوراً في بشري ونوراً في لحمي ونوراً في دمي ونوراً من بين يدي ونوراً من خلفي ونوراً عن يميني ونوراً عن شمالي ونوراً من فوقي ونوراً من تحتي . اللهم اعطني نوراً ، اللهم اجعل لي نوراً ، اللهم عظم لي نوراً واجعلني نوراً )(1) . وبتحقق المريد بهذه الأنوار تزداد محبته واتباعه ، ويقبل بهمة عظيمة على الذكر والتضحية في سبيل إيمانه وعقيدته .
إن مثل هذه الأمور الروحية ليست بالممتنعة عقلاً أو شرعاً ، فقد ثبت علمياً أن المواد النووية أو الذرية المشعة إذا ما لامست أي شي فإن ذلك الشيء يصبح مشعاً وخطراً بخطورة المادة المشعة له ، وهذه الإشعاعات قد تبقى مؤثرة لعدة قرون .
فإذا كان هذا في العناصر الموجودة في الطبيعة فهل يمتنع ذلك على نورانية الرسول الأعظم ﷺ وهو من فلق القمر بإشارة من إصبعه بإذن الله ؟ ! .
إذاً من يأخذ الأثر ليتبرك به فهو إنما يأخذه لأجل النور الذي غلف ذراته .
ومن يُقبّل مقام ( ضريحه ) الولي بعد انتقاله ، فهو إنما يُقبّل النور الذي يتجلى على ذلك المقام .
ومن يُقبّل جلد القرآن الكريم ، فهو إنما يُقبّل النور الذي أحاط بذلك الجلد .
وكل من يحتفظ أو يُقبّل أو يلمس النور يكون له نصيب منه في الدنيا والآخرة.
الهوامش :
[1] المعجم الأوسط ج: 4 ص: 96 .
المصادر:
السيد الشيخ محمد الكسنزان – موسوعة الكسنزان فيما اصطلح عليه اهل التصوف والعرفان ج1 مادة(أ ث ر).