أ.د.ضاري مظهر صالح العامري/أستاذ علم الجمال في كلية الفنون الجميلة – جامعة بابل
الفصل الاول
مقدمة
لا يزال الخطاب الهي (القران الكريم) يغري الباحثين والمعنيين في مجال البحوث والدراسات منها الجمالية والادبية والفنية ومجال العلوم التطبيقية والعملية ذلك لما يحمله من خاصية اوجدها الحق تعالى في كنزية الكلمة او المفردة القرانية التي يراد لها ان تلبي حاجة الباحث عن الحقيقة في كل زمان ومكان الى جانب الحاجيات الاخرى الفكرية منها والعقائدية وفي شتى مناحي الحياة .ذلك لما تحمله الكلمة من قابلية لتناسلات تاويلية توازي حركة المجتمع.
لقد وصف الحق تعالى الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة دائمة العطاء باكل كل حين، ويقينا ان كلام الحق هو من ارقى واعظم واطيب الكلام كما جاء في الاية الكريمة : مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها(ابراهيم:24،25).
من هنا يتضح ان كلام الحق محتوى الحقائق مطلقة يستطيع الباحث ان ياخذ عنه من المعارف مالذ وطاب اذا احسن تاويل خطاب الحق .
والتاويل ملكة موهوبة من لدن الحق لخاصته من الاولياء والعارفين من الصوفية في كل زمان ،فكان من جراء ذلك توفر ارث كبير من العلوم والمعارف والمكاشفات الصوفية ،لم تزل تغري كذلك جميع المعنيين في مجال البحث بتدشين الكثير من الدراسات والبحوث البكر في كافة الاختصاصات .
ويقف الجمال ومجالاته والمواضيع المجاورة له كالجلال والكمال وجلال الجمال في مقدمة المواضيع التي تم الكشف عنها لدى الصوفية فكانت بحق ارثا جماليا فخما استحق ان يكون مرجعا مهما من راجع الخطاب الديني مما اغرى الفنان المزخرف ان ياخذ عنه مايؤصل بحثه العملي في ميدان الزخرفة الاسلامية .
ان الارث الصوفي الكبير باعتباره خطابا دينيا استبطن الخطاب الالهي شكل في اغلب ميادينه الخلفية الفكرية لفن الزخرفة او العمود الفقري لمضامين الزخرفة الاسلامية هذا من جانب واذا كانت هذه المضامين الزخرفية عسيرة على الذائقة بحيث يصعب معهم تاويلها تاويلا مباشرة فان تلك الاشكال الزخرفية تحيل الذائقة الى الخطاب الصوفي ومجمل الخطاب الديني باعتباره المرجع الثاني بعد القران الكريم .
انما تحيل اليه الزخرفة سواء كان خطاب الهي او خطاب ديني صوفي هما الذين منحا الزخرفة الاسلامية هويتهما الاسلامية بحيث تميزت هويتها عن سائر الفنون الزخرفية في الحضارات المجاورة وهنا تكمن مشكلة البحث واهميته والحاجة اليه من كونه يكشف عن العلاقة مابين الزخرفة الاسلامية كفن عملي وبين العقيدة الاسلامية .
هدف البحث
يهدف البحث الحالي الى الكشف عن :
1- الجمال في القران الكريم من منظور صوفي
2- انعكاس ذلك في الزخرفة الاسلامية
تحديد المصطلحات
1- الجمال
لغة:جمل:الرجل جمالا، حسن خلقا وخلقا فهو( جميل وهي جميلة) الجمال :رقة الحسن،جملة:زينه،تجمل:تزين وتحسن اذا اجتلب البهاء والاضاءة.(الشرتوني،سعيد الخوري،ب.ت، ص 139)
2- الجمال فلسفيا
أ- يرى سقراط:الجميل هو مايحقق النفع او الفائدة او الغاية الاخلاقية ويجب ان يكون مؤداه للخير ،لا الى اللذة الحسية.(مطر،اميرة حلمي 1973:ص 22،26)
ب- يعرفه افلاطون: الجمال:نظام وتناسب في كل مايخضع للعدد والقياس ومحاكيا لجمال المثل،ويبعث فينا لذة غير مصحوبة بالم، ويرى ان الاشكال كلما كانت اقرب الى الخطوط المستقيمة والدوائر والمسطحات والحجوم المكونة منها بواسطة المساطر والزوايا كلما كانت اجمل ،ذلك لان جمالها يوحي بالجمال المطلق .(مطر،اميرة حلمي :المصدر السابق ص 56).
ت- ويرى افلوطين:ان الجمال هو الخير ،والخير كامن خلف الجمال وهو مصدره ومبدؤه،فالواحد المطلق ،خير قبل كل شيء،وهو جميل لانه خير فالخير المبدا الاول الذي يصدر عنه الجمال وان الوسيلة لادراك هذا الجمال هي الروح ، اما الحواس فلا تدرك سوى ظلال الجمال(اسماعيل عز الدين 1986:ص 39).
ث- الفارابي يرى ان الجمال:هي المعرفة التي تعطي الانسان السعادة والسرور المترعرين في تلك الحدود التي تنمو فيها ثقته، فهو عندما يفهم يكتشف في نفسه الجمال والكمال.(5) اوفيسناكوف:1979 ص 51) ج- ويعرف ابو حيان التوحيدي:الجمال:بانه يكمن في الاعضاء وتناسب في الاجزاء ومقبول عند النفس.(6)(الهندسي،عفيف:1972 ص31).
3- الجمال كما تراه الصوفية
1- يرى الغزالي:ان الجمال هو صفات الجلال اذا نسبت الى البصيرة المدركة لها ويسمى المتصف بها جميلا.(7)(الحسيني محمد عبد الكريم:2005 ص361)
2- عبد القادر الكيلاني يرى بان الجمال:تجلي القلوب بالانوار والسرور والالطاف والكلام اللذيذ والحديث الانيس والبشارة بالمواهب الجسام والمنازل العالية والقرب عنه .(8)(الحسيني محمد عبد الكريم: المصدر السابق ج4 ص 361).
3- يعرفه الانصاري:فيرى ان الاجمال على قسمين،مطلق ومقيد ، والمطلق وصف الحق تعالى وينفرد به،,المقيد على قسمين: كلي وجزئي،الكلي:نور قدسي فائض من جمال الحضرة الالهية ساري في جميع الموجودات، علوا وسفلا..ظاهرا وباطنا،يدرك هذا الجمال من كانت ذاته كلية،أي تحقق بالحق فانيا فيه ،فان ذاته تناسب جميع الذوات فتدركها،اما الجمال الجزئي فهو نور علوي يسنح للنفس عند ادراك الصورة الجميلة الحاصلة من لوح الخيال المنتقش بقلم الحس البصري تتهيج به، والجمال الجزئي ينقسم الى ظاهر وباطن،فالظاهر للاجسام والباطن هو الجمال العقلي المجرد.(الانصاري:ب.ت،ص،42،43،44).
4- ابن عربي يرى: ان الجمال معنى يرجع منه تعالى الينا وهو الذي اعطانا هذه المعرفة التي تحصل عندنا به : ومعرفة التنزلات والمشاهدات والاحوال وله فينا امران الهيبة والانس.(ابن عربي،محي الدين:1990،ص36)
5- يرى الجيلي:ان جمال الحقنوعان،معنوي،كمعان الاسماء الحسنى والاوصاف العلا،وهذا النوع مختص بشهود الحق اياه، والاخر: صوري وهو جمال هذا العالم المعبر عنه بالخلق بكل تفاريعه والوانه وهو جمال مطلق ظهر في مجال الالهية سميت تلك المجالي بالخاق،ويدخل فيه المحسوس والمعقول الوهم والخيال،والاول والاخر والظاهر والباطن والقول والفعل والصورة والمعنى، فان جميع ذلك صور جماله وتجليات كماله .(الجيلي،عبد الكريم:ب.ت:ص 4،3).
6- القاشاني:يعرف الجمال :بانه تجلي الحق تعالى بوجهه لذاته،فلجماله المطلق جلال،هو قهاريته للكل عند تجليه بوجهه وهو علو الجمال،وله دنو يدنو به منا وهو ظهوره في الكل.(الحسيني محمد عبد الكريم:المصدر السابقج4 ص 362.
التصوف
لغة
صفا: الماء،يصفو وصفاءا نقيض كدر،والجو:لم تكن لم تكن فيه لطخة غيم، الصفاء :نقيض الكدر،والصفو:الاخلاص في المودة،الصفي الحبيب الصافي،(الشرتوني:المصدر السابق ج1 ص 653).
1- يعرف عبد القادر الكيلاني التصوف:فيرى التاء تعني توبة الظاهر بالرجوع عن الذنب وتوبة الباطن :بتصفية القلب وترك المخالفات الباطنة،والصاد صفاء القلب والسر من الكدورات ومحبة ماسوى الله تعالى ،والواو بلوغ مرتبة الولاية،والغاء الفناء في الله تعالى.(الكيلاني عبد القادر:ص 27،28)
2- يعرفه ابن عربي:هو الوقوف مع الاداب الشرعية ظاهرا وباطنا وهو الخلق الالهية وقد يقال بإزاء إتيان مكارم الاخلاق وتجنب سفاسفها.(الجبوري،فظلة1999 ص 154).
3- يعرفه الكسنزان:فيرى:الصوفي اطلق هذا على المرء الذي اعتزل مباهج الحياة الدنيا وتوجه بقلب خاشع ولسان ذاكر وادب جم الى محراب العبادة قائم الليل صائم النهار يبتغي رضوان الله وحده،جمع بين طهارة الجوارح وزكاة النفس ويواظب على ذكر لااله الا الله ،وذكر الله مع حضور القلب .(الحسيني،محمد عبد الكريم):المصدر السابق،ص 433،444).
4- يعرفه الباحث:هو توجه سلوكي منظم يتبنى منهجا قائما على الاداب الشرعية ظاهرا وباطنا قولا وعملا،فرائض ونوافل غايتها رضا الله تعالى والتقرب اليه ويتم ذلك عن طريق المعارف الالهية والعلوم اللدنية التي يهبها لهم عن طريق الكشف والمشاهدة والذوق.
الانعكاس
لغة
عكس :الكلام ونحوه عكسا،قلبه والشيء رد اخره الى اوله.
تعاكس الشيء وانعكس واعتكس :انقلب،كلام معكوس:أي مقلوب غير مستقيم الترتيب والمعنى.(الشرتوني،سعيد الخوري:المصدر السابق ج2 ص 815).
1- الانعكاس: سبل معالجة تاثيرات الاشياء على الاجهزة العاكسة .(الموسوعة الفلسفية):1980ص61).
2- الانعكاس:ضرب من الاستدلال المباشر وهو يقوم على استنتاج قضية من قضية اخرى يجعل المحمول موضوعا والموضوع محمولا .(المعجم الفلسفي:1979:ص121).
يعرف الباحث الانعكاس،هي تمثلات الافكار والخطابين الالهي والصوفي في الزخارف الاسلامية على شكل رموز وتجريدات هندسية ونباتية او كلاهما).
الزخرفة
لغة
زخرفة:زينه وحسنه وكمله،والقول حسنه بترقيش الكذب والزخرف من الارض :الوان نباتي المزخرف المزين والمموه والمزور ،الزخرف:الذهب وكما حسن الشيء.(الشرتوني سعيد الخوري:ب.ت،ج1،ص 460).
1- يعرفها العاني:استخدام عناصر هندسية ونباتية ومعمارية وكتابية من قبل الفنان المزخرف بافراغ طاقته الكامنة فيها .(العاني ،علاء الدين:1982ص123).
2- يعرفها مرزوق:ان الفن الزخرفي هو كل مايزين العمائر القائمة او مجمل التحف المنقولة من خزف واقمشةوخشب وعاج وزجاج ومعادن وجلود وورق.(مرزوق:1974 ص 63).
3- يعرفها الحسيني:الزخرفة الاسلامية تتكون من اشكال نباتية لورق الاشجار والازهار ومايتفرع منها وعلى اجزائها مع الاسراف في استطالة الاغصان والازهار والاشجار الى جانب سريان المرونة في انعطافها تكاد تبعث الحيوية والحياة بالاضافة الى استخدام الاشكال والاحجام الهندسية كالمثمن والمعين والمربع وغيرها من الاشكال الهندسية. (الحسيني:محمد عبد العزيز:ب.ت،ص6).
4- يعرفها الباحث:الزخرفة:هي تجريدات واشكال نباتية وكتابية وحيوانية وقد تكون مركبة من شكلين او اكثر يراعى فيها التكراروالتقابل والتناظر والتماثل قد تكون منفصلة او متداخلة بعضها بالبعض الاخر تعبر عن مضامين فكرية- عقائدية او تحيل الذائق اليها , وقد تكون هذه الزخارف غائرة في الجدران او بارزة على السطح نفذت بعدة خامات متعددة.كالجدران او الزجاج او الخشب او القماش او المصاحف او النحاس والعاج او أي مادة قابلة وصالحة للزخرفة.
يتبع .