يقول الدكتور حسن الشرقاوي :
الجلي في اللغة ضد الخفي والجلية ، الخبر اليقين والجلاء الجلي وجلى بمعنى أوضح وكشف ومجلوة فهي واضحة ، والتجلي هو الكشف والإظهار (1) ، وتجلية هي كشف وإظهار (2) ، وقد اشتق الصوفية من هذا اللفظ الجلوة من التجلي عن الآية الكريمة في قوله تعالى : {فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً } ( الأعراف : 143 )، أي : أن الله سبحانه وتعالى عندما ظهر ، وأما عن ظهوره تعالى فعلم ذلك عنده تعالى وحده .
فالجلوة : هي الكشف والجلاء والوضوح تأييدا لقوله تعالى : {قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبّي لا يُجَلّيها لِوَقْتِها إِلّا هُوَ } ( الأعراف : 187 ) .
ويستخدم الصوفية لفظ الجلوة علامة على إشراق قلوب المريدين بنور الله ، ويرى الشيخ محيي الدين ، الجلوة إنما تبتدي بعد الخلوة ، ذلك أن الجلوة هي خروج العبد من الخلوة بالنعوت الإلهية .
ومن المعروف حديثا عند أعضاء الطرق الصوفية أن الجلوة تعبير عن نعم الله ، من الفتوح ، والكشوف ، وخوارق العادات ، والتجليات التي تظهر على قلوب المريدين ، والمعروف أيضاً أن الشيطان يظهر للمريد المبتدىء في الخلوة في صور متعددة كترغيب في محظور ، أو ترهيب في شكل حية رقطاء ، أو ثعبان ضخم ، يريد أن يفترسه (3) ويقاوم المريد هذا الشيطان الماكر بالذكر والتأمل والصمت ومخالفة النفس والجوع ، والسهر ، والدعاء ، وقراءة الورد ، بشكل منتظم حتى ينتصر على أعداء الله ويغلب على حاله الرجاء بعد الخوف ، والأمن بعد الرهبة ، فإذا ظهر له الشيطان في أي صورة هزمه وصرعه ، لأنه يشعر بأن الله معه .
ثم إذا خرج من الخلوة يخرج متصفا بالكمالات الأخلاقية وهذا ما يقصد إليه الشيخ الأكبر من أن المريد يخرج من الخلوة متصفا بالنعوت الإلهية وهي جميعا من الله فيظهرها عليه ، وهذا ما نجده عند بعض أفراد الطريق من قدرات خارقة في الجلوات كخرق سلك في خد المريد وخروجه من الجانب الآخر دون تأثير مادي أو ترك اثر أو سقوط نقطة من دم ، ولا يجد العلم تفسيرا لهذه الظاهرة التي يجدها في الجلوات .
وكذلك نرى أن بعض مريدي الرفاعية ، لا يخافون الثعابين ، وفي رأينا أن الثعبان يمثل النفس الأمارة ، فإذا روض الثعبان فمعنى ذلك القدرة على ترويض وتأديب النفس والشيطان جميعا .
__________
الهوامش :
(1) – أبو بكر الرازي – مختار الصحاح – ص 108 .
(2) – معجم ألفاظ القرآن – ص 103 .
(3) – الأستاذ صلاح عزام – أقطاب التصوف الثلاثة – ص 30 .
المصدر : – معجم ألفاظ الصوفية للدكتور حسن الشرقاوي – ص107 – 108 .