ليس من شك في أن صلاحية الشريعة المحمدية لكل زمان ومكان مرتبط بمفهوم التجديد المشروط بالمحافظة على معادلة ( الثابت والمتغير ) في توازن تام ، وإذ كان من حق كل صاحب اختصاص أن يدلي بدلوه في هذا الشأن الإسلامي الهام ، فان لأهل الطريقة بوصفهم مختصين بالجانب الروحي في الإسلام رؤاهم في هذا الشأن ، ومنها دعوتهم إلى الثقافة الروحية القائمة على أساس التفاعل الحي بين روح الشريعة المطلقة والمظاهر الكونية المتبدلة ، من خلال الكشف عن سبل التواصل بينهما .
يذكر في أخبار الصالحين أن أحدهم قال لبعض العارفين : أريد التوبة ولا أقدر عليها ، فأجابه : كذبت ، لو تبت لتاب عليك . أي لو صدقت في إرادتك لما تأخر القبول الإلهي عنك .
الإرادة ليست مجرد رغبة عابرة ، أو قول يردده اللسان ، وإنما هي تصميم باطني ، وعزيمة صادقة ، واستحضار لكامل الهمة ، ومن قام لله بها على هذه الصورة ، فإن تدخل القدرة الإلهية لا شك حاصل ، واستنزال الرحمة الربانية لا شك له واصل ، وذلك لقوله تعالى : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) .
إن تغيير ما بالنفس هو الأصل لتغيير ورادات الحق على الخلق ، من نصر أو علم أو رزق .. أو تجديد في التواصل بين الشريعة والحياة .
لهذا نطرح رؤيتنا في الدعوة إلى إرادة التغيير نحو أفق جديد ، وهو أفق الحياة الروحية وثقافتها التي يمكنها أن تحقق نقلة نوعية في المجتمعات الإسلامية والإنسانية إذا ما استفيد منها بالشكل الصحيح .
تبدأ هذه الرؤية من فاتحة الكتاب الكريم ، وتحديدا من قوله تعالى : ( إياك نعبد وإياك نستعين . إهدنا الصراط المستقيم ) ، أي نعبدك ونستعين بك لتهدينا الصراط المستقيم ، أي الطريق المتجدد الجامع لما فيه صلاح ديننا وأمور دنيانا ، على أن تتوحد إرادة القلوب ، وأن تصدق النوايا في النفوس لطلب الفتح المرشد للصلاح في الدنيا ويوم المعاد .
إن حصول التغيير على المستوى الاجتماعي يقتضي إرادة جماعية ، أي أن يكون معظم أفراد المجتمع فيها على قلب رجل واحد ، وبداية التغيير تكون بالرجوع إلى الله تعالى لإنارة الطريق لهم في الدارين .
هذه الرؤية المعبرة عن حياة المجتمع الروحية ، وتلمسها في نصوص الكتاب الكريم والسنة المطهرة ، هي أحد أركان الرؤية التجديدية للثقافة الإسلامية التي نقول بها وندعو لها ، عسى أن تجد في الآفاق والأنفس صداها وما ذلك على الله بعزيز .