الباحث محمد غازي عرابي
يقول : التنـزيه : صورة سامية للذات الإلهية خالصة من أي تشبيه وإلحاق بعالم المحسات .
والتنـزيه : هو وجه الذات الأحدية البريء من كل محدودية مادية يمكن أن تنطبع عليها صورة ما .
وأضاف قائلاً : الله من ناحية الألوهة صادر عن ذاته ، وصدوره عين ذاته ، وبدؤه عين نهايته ، وحركته عين سكونه , فمنه البدء والمنطق والصور والأسماء والتعينات . الله ، تنـزيهاً ، فكرة في رأس مهندس لم تنقل إلى خريطة بعد ، ولا من خريطة إلى واقع مادي في خطوة ثانية .. ومع هذا فهذه الفكرة كاملة مكملة ، لا وجه لها ولا قفا ولا ظهور ولا صدور ، ولا إمكان لوضع أي إشارة ما رمزية ولا واقعية للدلالة عليها .. هي قاعدة القواعد ، وأس الأسس ، وجوهر الجواهر ، ومن هنا كان الله غنياً عن العالمين ، عالم الأرض المادي وعالم السماء المعنوي ، هذا هو التنـزيه الذاتي .
أما التنـزيه الخلقي : فهو تخليص الألوهية من جانب التضادات ، أي من الحقل الذي تعرض فيه قوى الصفات إمكاناتها . فالله من وراء كل شيء محيط ، ولا يخرج شيء على إرادته ، ومن هنا كان ما يجري داخل الدائرة هو نطاق الجبروت ، إذ الملك ملكه ، ولكن الملك لا يتصف بصفات العامة ، وإن كانوا هم رعاياه .. ولذلك لا يقال في حقه تعالى ما يقال في حق عبد ، علماً أن العبد مجال عرض صفات الله .
فإذا رأيت فعل شر فقل : حسبنا الله ونعم الوكيل ، فبهذا عرضت الأمانة على صاحبها ورددتها ، ولكن لا تحول فعل الشر نفسه إليه ، بل قل : للوجه قفا ، وللظاهر
باطن ، وللفعل صفة ، وللصفة مقصد وغاية , وفعل الشر نفسه مجال عرض واسع لولاه لما ميز الخبيث من الطيب . فالمسألة توضح هكذا ولا شيء غيره .
_________
المصدر :- النصوص في مصطلحات التصوف لمحمد غازي عرابي – ص 73 .