د. علي جمعة
الأصل في معاملة المسلمين لغيرهم من أهل الأديان الأخرى قوله تعالى : {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }(1) وقوله : { فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِي }(2) وقوله : { لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ }(3) . وقوله : { وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ؤ(4) . وقوله :{ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ }(5) .
وقد عاهد النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) اليهود عقب هجرته إلى المدينة معاهدة شملت بنوداً كثيرة من التعاون على المصلحة المشتركة ورضي أن تدخل معه خزاعة في صلح الحديبية مع أنها لم تؤمن بعد وكان نقض قريش للصلح بالتعدي عليها من أسباب فتح مكة عندما استنصر به عمرو بن سالم الخزاعي قائلاً :
يا رب إني ناشد محمداً
حلف أبينا وأبيد الأتلدا
واقترض النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) من يهودي اسمه أبو الشحم ثلاثين صاعاً من شعير ورهن درعه عنده . واستعار (صلى الله تعالى عليه وسلم) سلاحاً من صفوان ابن أمية وهو مشرك ليحارب به هوازن بعد فتح مكة في يوم حنين وأمر سعد بن أبي وقاص (رضى الله تعالى عنه) أبن يتداوى عن الحارث بن كلدة الثقفي وهو غير مسلم .
بهذه النصوص وغيرها وبالتطبيقات التي طبقها من يقتدى بهم من الصحابة يعرف حكم العلاقة بين المسلمين وغيرهم وخلاصة ما قيل فيها : أن التعامل الظاهري بالمعاملات المباحة كالتاجرة والزيارة والهدايا والتعاون على المصلحة بالاتفاقات الفردية والجماعية كل ذلك لا يمنعه الإسلام ما دام لا يضر بالمسلم فـ الإسلام لا ضرر فيه ولا ضرار .
اما اتخاذهم أولياء والتعاون معهم على نحو فيه ضرر بالمسلمين فهو الأمر المنهى عنه وهو الحرام . أما الحب والمودة فإن كل ذلك حباً لسلوكهم كأمانتهم ونظافتهم وعلمهم ونشاطهم فلا حرمة فيه ومثله الحب الجنسي للزوجة فهو مباح حيث أبيح الزواج نفسه وإن كان ذلك حباً لعقيدتهم ودينهم فهو حرام بل فيه خروج عن الملة .
قال ابن حجر الهيثمي في قول بعض الناس غير المسلمين خير من المسلمين في أداء الحقوق وما يشبه ذلك من أقوال الإعجاب بسلوكهم فإن أراد القائل الخيرية في أداء الحقوق والالتزام في المعاملات فلا إثم عليه وأما لو قصد الخيرية المطلقة وهي التي تشمل عقيدتهم ودينهم كله فقد خرج عن الملة .
وعلى ضوء هذا يمكن فهم النصوص التي تمنع من التعامل معهم والتي تبيحه كما يفهم ما جاء به في بعض كتب الفقه من التعاون مع التتار ومن سار في ركابهم فإن كان فيه مصلحة لـ المسلمين فهو مباح وإن كان فيه ضرر بـ المسلمين فهو حرام أما إن كان فيه إعجاب بدينهم ففيه خروج عن الملة كما أسلفنا والله تعالى أعلى وأعلم .
_________
الهوامش:-
1- سورة الممتحنة (8)
2- سورة التوبة (7)
3- سورة المجادلة (22)
4- سورة لقمان(15)
5- سورة المائدة(5)
د. علي جمعة – سبل الخيرات للفوز بالباقيات الصالحات – ص 234 – 237