سلام حازم
قال تعالى : (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) ( الإنسان . 3 ) . إنها ثنائية الإنسان التي أساسها تركيبته التي ركبه بها الحق جل شأنه . حيث جعل باطنه روح من عالم الأمر الذي هو العالم العلوي . وأمتاز الإنسان بهذه الروح عن سائر المخلوقات . وكانت السبب في سجود الملائكة لآدم عليه السلام . وعلم الحق جل شأنه هذه الروح العلوم : ( عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) ( العلق5 ) فكانت هي القوة العلمية في الإنسان . وسماها سبحانه النفس في بعض آيات الذكر الحكيم : ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . . . ) ( الشمس7 ) وأصطلح عليها البعض ( الطاقات الكامنة) . واصطلح عليها السادة الصوفية ( باطن الإنسان ) .
والقسم الثاني في الإنسان هو الجسم والذي خلقه الله سبحانه من الطين الذي هو من عالم المادة . واشتركت في حيثياته عناصر الطبيعة الأربعة . الهواء والماء والنار والتراب . فكان الجسم القوة العملية في الإنسان . تقوى أو تضعف هذه القوة فيه نتيجة لتعامله مع الماديات . لذلك وقع الإنسان تحت تأثير هذه القوتان . وخضع فكره و سلوكه لهذا التأثير .
وقد رسم لنا حضرة سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم في سنته المطهرة معادلة ثلاثية تحفظ توازن الإنسان وهي ( الشريعة + الطريقة = الحقيقة ) (1) . وقد سار على هذا النهج الوارث الروحي المحمدي ( الشيخ الكامل ) لأنه امتداد لنور وعلم حضرة سيدنا محمد وإخوانه الأنبياء والرسل على نبينا وعليهم الصلاة والسلام . لتهتدي به البشرية للطريق المستقيم .. فالشريعة هي كل ما أمر به الحق سبحانه وكل مانهى عنه . وكل ما قاله المصطفى صلى الله تعالى وسلم وفعله وأقره : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( آل عمران31 ) ورد بالحديث الشريف ( الشريعة أقوالي والطريقة أفعالي والحقيقة حالي ). أما الطريقة فلها ثلاثة أركان هي : ( البيعة – الأذكار والأوراد – المحبة والطاعة ) . و البيعة لمسة روحية يحصل من خلالها الإنسان على النور فيتنور به قلبه ثم يسري هذا النور في كل أجزاءه ويخرجه من ظلمته : ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) ( الفتح 10 ) أما الأذكار فيحصل ببركتها على نور المحبة لله سبحانه( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ) ( البقرة : 15 ) وبالأوراد ( التسبيح ) يحصل على معية الحق سبحانه . ورد بالحديث القدسي : ( أنا جليس من ذكرني ) وقد أشار الحق جل شأنه في الكثير من آي الذكر الحكيم إلى النور : ( . . . وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ ) (النور40 ) . أما الطاعة فإن السبيل إليها هو إتباع سلوك يعتمد على السهر والعطش والجوع لتزكية ألبواطن . لذالك اصطلح على السلوك بكلمة التزكية: ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ) ( الشمس 9 ) وقد ورد بالحديث الشريف ( ألشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم فضيقوا عليه بالجوع والعطش ) . أما الحقيقة فهي الوصول إلى مقام الصديقية فيكون الإنسان ( لله وبالله ومع الله ) : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ) ( فصلت30 ) ورد بالحديث القدسي ( ما زال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ……الخ ) وهذا هو مقام المحبوبية . وقد ورد بالحديث الشريف ( اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ) وإذا تحقق الإنسان بهذه الحقائق يكون قد وصل إلى مرتبة الولاية : ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) ( يونس62 ) وقدم الأنبياء والرسل والأولياء على نبينا وعليهم الصلاة والسلام المعجزات والكرامات, فكانت هي البرهان والبينة على صدق الدعوة: ( …. قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) ( البقرة111 ) وهذا ما جعل السادة الصوفية يقرنون العلم بالعمل . لأن دليل مصداقية العلم تكمن في العمل . ورد بالحديث الشريف : ( من عمل بما يعلم أورثه الله علم ما لم يعلم ) ( 2 ) , لأن أي إنسان يستطيع أن يدعي العلم إذا حصل عليه بالدراسة والكتب والاستماع. أما الدليل على علميته يكون بالعمل ( البرهان ) . وكما قيل البينة على من إدعى . ومثالنا على ذلك . أن الصلاة حق فرضه الحق سبحانه على العباد وهي علم وقد علم به أغلب المسلمين , أما حقيقة الصلاة فإنها تبعد ألمصلي عن الفحشاء والمنكر . ومن لا يتحقق بهذه الحقيقة فإنه عالم بالصلاة جاهل بحقيقتها. وكذلك الخشوع الذي هو من علامة المؤمن المفلح . ومن لم يتحقق بالخشوع يكون عالم بالخشوع جاهل بحقيقته. وهذا يسري على كل مقامات الإيمان وعلوم الدين . . والصادق هو ذلك المؤمن الذي تحقق بالدين وعلومه . وتطابقت أقواله مع أفعاله : ( كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ) ( الصف3 ) . وللأسف علم البعض بالشرع الحنيف وجهلوا حقائقه . فوقعوا بالمنكر أي إنهم أنكروا الحقائق التي اشتمل عليها الإسلام والإيمان والإحسان . لاختلال قواهم ( العلمية والعملية ) فخلطوا بين الحق والباطل وبين المعروف والمنكر . لذلك كان الجزاء من الله على أعمال العباد في الدنيا والآخرة على وجهين : ( أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ ) ( الجاثية21 ) . ويعني إختلاف المؤمنين عن غيرهم في الحياة وفي الممات. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصل اللهم على حضرة سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
الهوامش :-
1 _ أنظر كتاب الطريقة العلية القادرية الكسنزانية لحضرة السيد الشيخ محمد الكسنزان الحسيني ص 91 .
2 _ انظر مجلة الكسنزان العدد 6 الميزان لحضرة الدكتور الشيخ نهرو محمد عبد الكريم الكسنزان ص 7 .
المصدر :- مشاركة من الكاتب .