بقلم الدكتور جاسم العراقي
التصوف نزعة فطرية في النفس الانسانية ، يشترك فيها الناس كافة . وقد احتدم الجدل حول اشتقاق كلمة تصوف ، وحسبنا في هذا المقام ان نقول أرجح الآراء فيه هو نسبته إلى لبس الصوف الذي كان مظهرا للتخشن والتقشف، فروي عن النبي ا(صلى الله عليه وسلم) أنه قال : ((من لبس الصوف وأكل خبز الشعير فليس فيه من الكِبَر))، وقيل من أحب ان يجد حلاوة الإيمان فليلبس الصوف، وخرج عيسى ( عليه السلام ) على أصحابه وعليه جبة من صوف .
لقد تأثر الصوفية بالقرآن الكريم أيما تأثير وأخذوا عنه جلّ تعاليمهم ومبادئهم كما كانوا يستشهدون بآياته على أصل صحة دعواهم ويدافعون بها عن وجهة نظرهم ، حين لجّ الجدل بينهم وبين من عارضوهم وكفّروهم ، وهم دائمو النظر فيه، غواصون على معانيه ، لا يأخذون بظاهره وإنما يدركون من باطنه ما لا يتأتى إدراكه لغيرهم. لأنهم كانوا ينظرون إلى الكتاب الشريف والسنة المطهرة بنظرين ، يأخذونهما على ظاهرهما بما تقضي به أصول العلوم ومنطق التفكير ، ويأخذونهما على باطنهما بطريق الذوق والكشف إذ لا سبيل للعلم أو للمنطق في هذا بقليل أو كثير . وهذا أساس مناهجهم في علومهم كافةً في التفسير والفقه والتوحيد.
ويجدر بالذكر أن شخصية أبي منصور الحلاج أثرت في شاعرية اكثر من شاعر تركي كونه شهيدا للعشق الإلهي وردّد قولته المشهورة (أنا الحق) أكثر من شاعر تركي أمثال (أحمد يسوي ويونس امره ونسيمي ولامعي وأقتاي).والحلاج هو أول من ذكر نظرية النور المحمدي ، وفحواها : أن نور محمد (صلى الله عليه وسلم) ظهر قبل ظهور الخلق ، ولولاه ما كانت الأكوان ولا كان أي وجود، ومنه استمد الأنبياء والأولياء المعرفة. وقد عينت هذه النظرية للمدائح النبوية اتجاها صوفيا . وما كان هذا المدح قبلها إلا مدحا عاديا . ولا شك في أن مدح النبي في الشعر التركي متأثر بالنور المحمدي لأنه نشأ بعد تلك النظرية بقرون . وعليه يمكن القول بأن الحلاج أثر في الشعر التركي هذا التأثير . وهو تأثير جوهري عظيم الأهمية . لأنه منصرف إلى باطن المعنى لا ظاهر المبنى .
ومن مشهورات الحلاج في الاتحاد قوله:
أنا من أهوى ومن أهوى انا
نحن روحان حللنـا بدنـا
فـإذا أبصرتنـي أبصرتـه
وإذا أبصرتـه أبصرتـنـا
والاتحاد الذي يصفه الحلاج إتحاد حلولي بين روح الله وروح الإنسان ، ومما تحسن الإشارة إليه أن هذا الاتجاه عنده لا يجعل طبيعة الخالق والمخلوق طبيعة واحدة . وإنما يظل جوهر كل منهما على ما هو عليه ولا يعد ذلك الحلول صوفيا خالصا لأنه شديد التأثر بالنظر العقلي المنقول عن المسيحية ، ولا غرو فقد كان الحلاج راسخ القدم في شتّى العلوم محيطا واسعَ الإحاطة بتعاليم الأديان . قال الحلاج : من ظن أن الإلهية تمتزج بالبشرية أو البشرية تمتزج بالإلهية فقد كفر فإن الله تعالى تفرد بذاته وصفاته عن ذوات الخلق وصفاتهم فلا يشبههم بوجه من الوجود ولا يشبهونه بشيء من الأشياء وكيف يتصور الشبه بين القديم والمحدث
وللغزل الصوفي أقسام ثلاثة : أولها غزل صوفي صريح كونه صوفيا يقول ذو النون المصري المتوفى عام 245هـ
حبـك قــد أرقـنـي
وزاد قلـبـي سقـمـا
كتمته في القلب والأحش
ـاء حـتـى انكتـمـا
لا تهتك الستـر الـذي
ألبستـنـي تـكـرمـا
ضيعت نفسـي سيـدي
فـردَّهــا مسـلـمـا
والثاني غزل يصلح لأن يكون إنسانيا وصوفيا في آن واحد تقول السري السقطي المتوفى عام 257هـ
القلب محترق والدمع مستبـق
والكرب مجتمع والصبر مفترق
كيف القرار على من لا قرار له
مما جناه الهوى والشوق والقلق
يارب إن كان شيء فيه لي فرج
فامنن عليّ به مادام لـي رفـق
وهذا الغزل له ظاهر وباطن ، فمن فهمه على ظاهره جعله غزلا حسيا إنسانيا أما من أدرك باطنه فقد عرف أنه غزل صوفي إلهي وذلك لإنعدام القرينة فيه على حقيقته فنحن ، لم نجزم بصوفيته إلا بنسبته إلى صوفي
أما النوع الثالث فغزل رمزي قد يكون صوفيا أو غير صوفي ومثاله قول أبي سعيد الخراز :
أسائكم عنها فهـل مـن مخبـر
فما لي بنعم مذ نأت دارهـا علـمُ
فلو كنت أدري أين خيـم اهلهـا
وأي بـلاد الله إذ ظعنـوا أمّــوا
إذاً لسلكنا مسلك الريـح خلفهـا
ولو أصبحتْ نعمَ ومن دونها النجمُ
ففي سؤاله عن صاحبته نعم وذكر الرحلة خلفها رمز إلى تعلقه بالله وحده وانقطاع قلبه عن كل شيء إلا محبته ، وقد يحول الصوفيه معاني الغزل الإنساني إلى معانٍ صوفية بحتة ، وذلك بأن يستشهدوا به ثم يعقبوا عليه مشيرين إلى صنيعهم هذا كما فعل الشبلي الذي استشهد بقول القائل :
وعينان قال الله كونا فكانتا فعولان بالألباب ما تفعل الخمر
ثم بادر إلى قوله ” لست اعني العيون النجل ولكني اعني عيون القلوب ذوات الصدور فطوبى لمن كان له عين في قلبه وأذن واعية وألفاظ مرضية
من الباحثين من يذهب إلى أن الحب الحسّي كان أساس الحب الروحي ؛ لأن المحبين في العوالم الروحية كانوا في بدايتهم محبين في الأودية الحسية ، والهيام بالجمال الإلهي لا يقع إلا بعد الهيام بالجمال الحسي ، والمحبون في الأودية الحسية لا يتجهون إلى العوالم الروحية ، إلا بعد أن تدلَّهم الدنيا على أن الجمال الإنساني كالظل يتحول ويزول ، ويضربون مثلا على ذلك فيقولون : إن أشعار إبن الفارض في جملتها حسيّة وهي في بعض الأحوال رمز للمعاني الروحية ، ويكاد يكون من اليقين أن حبه الأول هو السر في وقدة حبه الثاني
والأخذ بأن الحب الإلهي متطور عن الحب الإنساني يستلزم أن يكون جميع شعراء الصوفية من أهل الصَّبابة في سالف أيامهم ، وهذا ما لم يقم عليه دليل ولم يروه الرواة ولا نعرف شاعرا فارسيا ولا تركيا عرف بحبه الإنساني قبل ان يعرف بحبه الصوفي ..
ولا نظن أنّ الحب العذريّ تطور فتحول إلى حبّ صوفيّ .. لأن الحب العذري جاء نتيجة لتأثير الإسلام في النفوس ، فقد هذّب الإسلام الغزل وسلك إلى تهذيبه هذين الطريقين : هذب النفوس التي كان يصدر عنها وهذب الصورة التي كان يقال فيها
إذن نشأ الغزل العذري عن إلتقاء عنصرين ٱثنين :أولهما العاطفة الدينية والثاني الميول الجنسية في نفس المؤمن الذي حَسُن إسلامه وإيمانه وقوي يقينه . والغزل العذري أيضا هو التعبير الفني الشعري عن هذا الحب الذي يجمع بين العاطفة والعفّة ، إنه هذه الثروة الشعرية التي خلفتها النفوس المحبة التي تذرَّعت بالإيمان واحتمت بالعفّة . والإسلام لم ينفخ في نار الحب ليطفئها ، ولم ينفخ فيها كذلك ليوقدها . فتلك من شؤون النفس ، والحياة التي لم يواجهها منفصلة عما حولها ولم يعالجها منقطعة عما وراءها وأمامها ، وإنما نظر إليها هذه النظرة الجامعة فشقَّقّ لها الطريق ، وصعد فيها الميول وأضاف إليها هذا الحاجز الذي يحول بين طغيانها وبين المجتمع .. وأخيرا زرع في نفس المؤمن نزعة أخرى. والإتحاد عند الحلاج إتحاد حلولي بين روح الله وروح الإنسان كما ذكرنا سابقا ثم ينتقل فضولي إلى ذكر رأي الصوفية في العقل ، وهو أن العقل ليس طريق المعرفة إلى الأسرار الإلهية ، قد يكون طريقا لغيرها ، ولكنه ليس طريقا لها بأي حال . أما طريقها فهو العشق الإلهي . يقول فريد الدين العطار : العشق يعرف صفاتك لأنه من الجوهر إنه يكشف الحجاب لأنه رآك في وحدتك فعرفك. والمعرفة كالمحبة ، منحة ربانية وطريقها الإشراق والكشف وليس العقل ، فالعارف برأي الحلاج ، من الله بمنزلة شعاع الشمس منها بدأ وإليها يعود. ومنها يستمد وجوده. وحتى إذا كان للعقل العاجز دور هنا . أي في معرفة الأسرار الإلهية فإنه يصل إلى ذلك بهداية العشق ، فالعقل إذا تأملنا فيه ، وجدنا فيه في كل لحظة ، خريفا وربيعا .
أما الروح العاشق وهو مستودع المعرفة والأسرار الخفية الحقّة فإنه نضر أبدا كالبستان اخضر ريان . لذا يقول فضولي
سلوك طريق العقل زاد تحيـري
بذا العشق بدلت الضلالة بالهدى
ويذكر فضولي الجمال والكمال في أبيات متعددة . والجمال المقصود حتما هو الجمال الإلهي .. وطالما عدّ الصوفية المعرفة ، معرفة ذوقية إشراقية. تتأتى من طريق الإلهام والإنكشافات المباشرة وليست نتيجة علاج عقلي، فقد وصفوا ظهور الذات الإلهية وتجليها ، بمزيج من الخيال الأنيق ، على قول نيكسون، في هذا يقول الجامي: من الأبدية ، كشف المحبوب حجاب جماله ، في فردانية الغيب ثم رفع المرآة إلى وجهه هو . وكشف عن جماله لنفسه … وحيث يرى الجمال فالحب بجانبه يرى … فإذا توهج في الخدود الوردية ، أوقد الحب مشعله من هذه الجذوة … وحيث أقام الجمال في الغدائر السود ، اتى الحب فوجد قلبها محتلا في طياتها. والفكرة هنا تقوم على أساس التجلي لغرض المعرفة . أي تجلي الله لمخلوقاته لكي يعرفوه . وهي بدورها تقوم على الحديث المشهور : كنت كنزا مخفيّا فأردت ان أُعرف . فخلقت الخلق ليعرفونني
ولما كان من طبيعة الروح البشري ، نزوعه إلى الكمال والجمال . فهو في تحرق دائم لهذا . وقد وجد هذا النزوع لدى الصوفية ، منتهى عشقه . فالصوفي من أشد خلق الله نزوعا إلى طلب الكمال والجمال وقد وجد هذا في إتحاده بالله . فالله مثاله (المادي والمثالي) معاً .
يقول فضولي في موضوع الجمال والكمال :
مفصّل اجمال الكمال جماله منزّهُ حسن عن سوية ما سوى
وقال أيضا :
رأوه بديعا في الجمال تنازعوا لتحقيقه أهل الفراسة والذَّكا
وقال أيضا :
عليم حكيم بان حدُّ كماله أتمّ بيانٍ في الملاح وأبخلا
وقال أيضا:
أحببـت ربّ مـلاحـة لجماله
تجب الصلاة على النبي وآله
الحسنُ من آيات مصحف وجهه
سبحان من سرّ القلوب بفالِـهِ
بـدرٌ بـدا بجـمـاله متـكمّلا
فاق الملاح جماله بكـمـالـه
يابـهجـةً سلـب القلوب بلحظه
وبقَـدّه وبخدّه وبـخــالـه
عيدٌ صـفـاء جمـاله لسرورنا
خَطْبٌ لذاك العيد حُسْنُ مقالـه
وقال أيضا:
بدْرٌ علا شرفا وطاب به البها
وبحسن نسبته الجمال جميل
فعلا جميع ذوي البها لجمالـه
الاعلاء والترجيح والتفضيل
حتم على النظّار عند لقائــه
التسبيح والتكبير والتهليل
وقال أيضا:
سما قدر السماحة والجمال
ببدر لاح من فلك الكمال
على أفق العلى بدرٌ تمـامٌ
أتمّ بيانَ قدره ذي الجلال
تكمّل حسنه بأتم وجــهٍ
بخمرة خدّه وسواد خال
وهكذا نلاحظ أن فضوليا شاعر الجمال والحب ، فهو موكل بالحسن يتبعه ويعجب به ويرى فيه قدرة الله كأظهر ما تكون . فقال في شعره التركي : ((ما أبدع ذلك التكوين الكامل الذي تجلى في تناسق أعضاء حسان لهن طلعة الحور ، وفي ملاحة الشفاه كالخمر وكلام كالدر المنثور … إنها الشهود بالحق ، على كمال قدرة وعلم الحق)).
وهكذا كان صنيع الصوفية في العشق الإلهي ، فقد كانوا يرون في الجمال صورة من جمال الخالق ، وفي حسن الجسد معانٍ كحسن الروح ..
ويجدر بنا أن نكرر ما أسلفنا ذكره بأن فضوليا قد تأثر بشكل ما بالطريقة الحروفية التي كانت ترى أن الله حلّ في الجميلات وعبادتهن فرض على المؤمنين فإذا ما تغزل شاعرهم في الحسناء فكأنما سبّح بحمد ربه وعبده في تلك الصورة الجميلة التي حلّ بها .
ويذهب الصوفية إلى أن جمال الطبيعة أيضا منبثق من جمال الله ، فالتأمل في جمال الرياض تسبيح بحمد الله وإيمان بقدرته …
وذكر فضولي (الخال) والخال عند الصوفية إشارة إلى نقطة الوحدة ، وهي مبدأ ومنتهى الكثرة ، فمنه بدأ وإليه يرجع الأمر كله ، ولما كان الخال مظلما كان لذلك موافقا لنقطة الذات وهي المقام الذي ينتهي فيه الشعور والظهور والإدراك. كما قيل إن الخال كناية عن وحدة الذات المطلقة
وفي ذكر الخال يقول فضولي:
يا بهجة سلب القلوب بلحظه وبقده وبخده وبخال
وقال :
حكم الخيال بأن ورد خدوده نار وأن الخال فيه خليل
وقال :
فلو لا مدار الدهر مركز خاله لكان نظام الكائنات مشوشا
وقال :
لدائرة الأرواح خالك مركز لجمعية الألباب وجهك مجمع
وذكر فضولي عدداً من المصطلحات والرموز الصوفية في هذا البيت:
عوالم حالات المحبة صنعه *** ومنه وجود الوجد والشوق في الحشا
فقد ذكر (عوالم) لوجود عالم الأمر : وهو ما وجد عن الحقِّ بغير سبب ، ويطلق بازاء الملكوت . وعالم الخلق : وهو ما وجد عن السبب ويطلق أيضا بازاء عالم الشهادة والمُلك : عالم الشهادة والجبروت عند أبي طالب هو : عالم العظمة ، وعند الأكثرين العالم الوسط . والملكوت : هو عالم الغيب . والمُطَّلَعُ : النظر إلى عالم الكون ،وذكر أيضا (حالات) والحالة أو الحال عند الصوفية (ما يحلّ بالقلوب أو تحلّ به القلوب في صفاء الاذكار) أي ان الأحوال مشاعر ، وعواطف ترد على القلب فيشعر بها ، ويدركها ، فيلتذ بها ما حلّت فيه . بيد ان زوالها سريع ، وارتحالها عجل ، ويكون طرقها القلب وحلولها فيه
وذكر فضولي في البيت السابق المحبة وقد تحدثنا عنها . وذكر الوجد والوجد ما يصادفه القلب من الأحوال المفنية والغيبية له عن شهوده . والتواجد استدعاء الوجد ، وقيل : إظهار حالة الوجد من غير وجد.
أما الشوق فهو من الأحوال المرتبطة بالحب والناتجة عنه . والشوق أيضا أحد ثمار حال المحبة . فإذا استقرت المحبة ظهر الشوق. والمحب دائم الشوق إلى حبيبه . ولا يسكن إلا برؤيته .
وتحدث فضولي عن البقاء والفناء وهما من المصطلحات الصوفية أيضا . فالبقاء : هو رؤية العبد قيام الله على كل شيء . والفناء : هو عدم رؤية العبد لفعله لقيام الله على ذلك . يقول فضولي :
كسبتُ سرور الاحتمال لرفعةٍ ونلتُ بقاءً ليس يدركه الفنا
تبيّن هذه الأمثلة بأن شاعرنا كان صوفياً وأنه لم يصطنع التصوف كما توهم بعض الباحثين وأن تصوفه في شعره التركي أبين من شعره العربي وأكثر إجادة في التعبير عن صوفيته لأن التركية كانت لغته ولوانه يقول في مقدمة ديوانه الفارسي : إن النظم بالعربية كان سهلا عليه لأن العربية لغة العلم الذي أنفق عمره في تحصيله. فللعلم لغة غير لغة الشعر ، ومن خطل الرأي أن نسوي بين هاتين اللغتين ، ومن مجافاة المنطق قولنا ان كل عالم بلغة من اللغات متضلع منها ، ولابد أن يكون شاعرا فيها ، لأن الإجادة في التعبير بلغة من اللغات لا يتهيأ إلا بعد طول تمرس ومعاناة ودربة ، والقدرة على تذوق التعبير الجيد لا تكتسب إلا بعد طول زمان . قد يقال إن الذوق الأدبي ملكة لا حيلة في تطلبها واكتسابها ، وفي الحق أن هذا الرأي إن صح ، فلا مندوحة لصاحب تلك الملكة في رعايتها وتعهدها بما يهذبها ويشذبها ، ولو كانت هذه الملكة شعورا ، فإن هذا الشعور تمس فيه الحاجة إلى التعبير . وذلك في الشعر أظهر ما يكون ، لأن الشعر لفظ ومعنى ، ولا يصحّ إلى فصل أحدهما عن الآخر . وإن إدراك الفرق بين شعر فضولي التركي والفارسي وبين شعره العربي لبرهان قاطع على ما نذهب إليه .. فشاعرنا قد تمرس بالشعر التركي والفارسي واتسع اطلاعه عليهما وعظم اهتمامه بهما ، ولذلك تأتى له أن يحسن التعبير ويضرب على قالب البلغاء من شعراء الترك والفرس .. على الرغم ما نلاحظ على شعره العربي من إجادة ولكن لم ترقَ تلك الإجادة إلى الجودة التي نلاحظها في شعره التركي والفارسي .. ويجدر بالذكر أن كثيرا من شعراء الترك نظموا بالفارسية وبالعكس ليس هناك شاعر فارسي نظم شعرا بالتركية . وان المفردات والكلمات العربية قد دخلت إلى التركية من طريق اللغة الفارسية ولم تدخل مباشرة من العربية إلى التركية .