لا نحاول من خلال هذا الملف تسليط الضوء عن الظاهرة الصوفية وأبعادها بالقدر الذي نبتغي من خلاله فتح المجال لبعض الباحثين والمختصين لإبداء آراءهم في مسائل تتعلق بالتصوف ليس كمهنج تعبدي زهدي وإنما كمدرسة روحية لها قواسم مشتركة وتقارب متباين مع المدارس الروحية المنتشرة في أرجاء العالم مثل البوذية والهندوسية وغيرها من التوجهات الروحية محاولين من خلال ذلك الإقتراب أكثر من حقيقة تفرض نفسها تتعلق بمدى قابلية هذه المدارس وما تحتويه من توجهات للبقاء في ظل عالم مادي متوحش ..خاصة في كونها تحمل في العديد من مشاغلها محاولتها الدائمة لإعطاء القيم الإنسانية بعدها الإنساني الحقيقي من محبة ، سلام ، سلم ، تسامح و غيرها من القيم السامية التي تعتبر هذه المدارس الروحية تربة خصبة لنموها وتمظهرها ..لذلك فنحن لم نقم بعملية إنتقاء سواء على مستوى المضامين أو المختصين الدارسين في الشؤون الظاهرة الصوفية بوجه خاص و المدارس الروحية بوجه عام ..بل هي إطلالة على عوالم فكرية منفتحة على إختلاف الروئ …
ملف من إعداد: هشام شرف
الدكتور زعيم خنشلاوي مختص في الظاهرة الصوفية”التصوف يأتي في زمننا الحاضر كإجابة لصراع الروح مع الجسد”يتحدث الباحث الدكتور زعيم خنشلاوي في هذا اللقاء الذي جمعه بمنتدى جريدة الشروق الإعلامي الأدبي عن كيفية إنتقال السلطة الروحية من المشرق العربي إلى المغرب العربي عموما والجزائر بوجه خاص و عن البذور الأولى لتصوف في الجزائر التي يربطها بالحركة الجسمانية (السفر) للعائلات الشريفة القادمة من المشرق العربي والدور الذي لعبته في تكريس تعاليم الظاهرة الصوفية مشيرا إلى أن التصوف يأتي في وقتنا الراهن كإجابة على الصراع القائم بين الروح والجسد معتبرا في ختام لقاءنا به أن الصوفية تعود إلى بداية الخليقة وأنها تتوافق في مفهومها العام بالتوجه
العولمي في الجانب الشمولي لكلى الظاهرتين ..كيف انتقلت السلطة الروحية إلىالجزائر؟
يجب العلم بأن في تاريخ التصوف برز اسمين محورين يتعلق الأول بـ عبد القادر الجيلاني مولى بغداد وإن كان أصله من جيلان إقليم جيلان أو كيلان أو قيلان ويعتبر اسمه قلاني في الحقيقة وإن كنا ننطقه هنا في الجزائر باسم الجيلالي وهو من إقليم قزوين بإيران وإن كان استوطن العراق ،واسم الثاني هو أبي مدين شعيب الإشبيلي الذي استوطن مدينة بجاية وسافر إلى بلاد الشرق وعاد إلى بجاية قبل أن يموت في مدينة تلمسان في عين تاقبالت ودفن في مدينة تلمسان كما تعلمون.
هذين الشخصيتين التقيا في مكة المكرمة بل هنالك من يقول بأنهما التقيا بجبل عرفات وهذا شيء مهم جدا لأن هذا اللقاء في بعده الرمزي وبعده الجسدي والتاريخي والروحي يعد نقطة إلتقاء التصوف المغربي والتصوف المشرقي. يقال أن عبد القادر الجيلاني عندما إلتقي الغوث أبي مدين في ذلك الوقت لم يكن غوثا بعد لأنه وصل إلى درجة الغوث بثلاثة ساعات قبل موته بعين تاقبالت . كانت آخر كلمة قالها وهو على فراش الموت:” الله الحق” التقى أبي مدين بعبد القادر الجيلاني الذي خلع عليه بردته وهذا في التقليد الصوفي والطقوس الصوفية هو اعتراف له بقطبيته وولايته ووصوله إلى درجة الحقيقة وهذا ما جعل نقطة انطلاقة روحانية المشرق إلى روحانية المغرب عندما عاد مرتديا بردة الجيلاني إلى بجاية حاملا ليست فقط إلى بلاد الجزائر وبلاد المغرب عموما بركة عبد القادر الجيلاني و إنما حمل معه كل الأنوار والأسرار إشعاعات التصوف المشرقي الذي حقيقة تولد مع الاسلام في الكوفة في مدرسة أهل البيت الذين هو كانوا أولى الأسماء التي تندرج في إطار سلسلة الطرق الصوفية لأنه كما تعلمون أن الطرق الصوفية تنتسب إلى حضرة رسول الله عن طريق الإمام علي الذي كما هو مشتهر في الحديث المنسوب إلى حضرة النبّي أن مدينة العلم علىّ بابها وهذه العلوم الباطنية تنتسب مطلقا إلى حضرة الإمام علىّ الذي هو رئيس الأولياء هذه بالنسبة للإنطلاقه الأولي لتصوف من المشرق إلى المغرب ؛ لكن قلبه كانت هنالك بذور التصوف هذه البذور سبقت أبي مدين شعيب الإشبيلي وهذه البذور وصلت بطريقة جسمانية بعبارة أخرى أن جحافل التصوف الأولى التي وصلت إلى الجزائرتمثلت في وصول العائلات الشريفة التي أدخلت مبادئ الزهد و الصمت والإنعزال و التبتل والإعتكاف هذه العائلات الشريفة التي وصلت منذ القرن الأول للهجرة والقرن الثاني للهجرة ومنهم يجب أن نعلم أنه من ذرية فاطمة الزهراء من هو مدفون منطقة عين الحوت(تلمسان) .
نفهم من هذا أن العائلات الشريفة هي التي بذرت أولى بذور التصوف بالجزائر ؟
نعم.. العائلات الشريفة هي التي بذرت البذور الأولى لتصوف الذي يعكس مدرسة حضرة النبي الروحانية كما تعلمون أن أول مسجد بني في الجزائر هو مسجد أغادير في أحواز من أحواز تلمسان وهو مسجد أحد أبناء فاطمة الزهراء وهو مدفون في منطقة عين الحوت والآن إذ بحثنا في رؤساء الطرف الصوفية أو مؤسسي الطرق الصوفية كما تعلمون نجدهم من الأشراف من العائلات الشريفة ونسميهم بالمرابطين لا أقصد دولة المرابطين ولكن المرابطين بالمعنى النسبة العائلية والروحية هذه العائلات هي من أسست الزوايا أولى الطرق الصوفية وإلى اليوم إذا سألت وبحث رؤساء الطرق الصوفية تجدهم في غالبيتهم في تسعة أعشار من الأدارسة وماذا يعني الأدارسة يعني من ذرية رسول الله فالتصوف منذ بدايته إلى غاية القرن الواحد والعشرين تحرسه العائلات الشريفة المنحدرة من حضرة رسول الله هذا يفسر مصداقية هذه المدرسة لأنها مدرسة تهتم بتوصيل السالكين إلى الله عندما يكون مقصدك حضرة الله وجناب الله كل ما سوى الله باطل كما يقول المثل أو كما يقول أهل الصوفية “الله بس باقي هوس” يعني عندما يكون مقصدك الله لا تكون كما الآخرين الذين يتكالبون على سلطات هي في منظور الصوفية زائلة والحقيقة البيولوجية هي مع الصوفية لانه إن كان من الجانب البيولوجي فإن الإنسان زائل وبالتالي فالصوفية لا يستثمرون في أجسادهم أو في بطونهم أو في بنايات زائلة لا يستثمرون في سلطات زائلة بإختفاء أجسادهم هم على وعي شديد ويومي بزولان أجسادهم هذا الزولان الموجود في الأمكنة الشرقية عند البوذيين مثلا وفي ديانات لليابانية مثل الشاتوية وفي الهندوسية كثيرا ما يغيب علينا في الجانب الغربي الكوكب الأرضي يعتقدون أنهم خالدون فيكدسون الأموال يبحثون على السلطات الزمنية يبحثون السلطات والبهارج الدنيوية وكثيرا ما يغيب هذا المبدأ وفكرة زولان الأشياء في الحين أن الصوفية دائما هي قائمة على مبدأ واستنكار زولان جسد الإنسان عندما تبقى هذه الفكرة راسخة في ذهنك وتستحضرها في كل لحظة وتستذكرك فنائك لبس فقط قبل موت ولكن في حياتك و حسب الحديث المعروف بحضرة النبي “موتوا قبل أن تموتوا” يعني أنه يجب أن يتذكر الإنسان زولان جسده وشخصه قبل الموت … من ما يسمى الفناء في الله من ما جعلهم مغيبين هذا التغيب ليس تهميشا من طرف السلطات الزمنية وإن كان في بعض الأحيان مورست عليهم حملات تهميشية و إن كانت هذه الحملات لم تقضي عليهم لأنهم بطبيعتهم يعيشون مثل الدببة بمعنى بإمكانهم تخزين طاقاتهم في فصل الشتاء والعودة في فصل الربيع بكل طاقتهم دون أن يحرجوا إنسان أو كائنا من كان يعني إذا وضعتهم في نوم مفروض فهم ينامون يأخذونك على حد “سذاجتك” يقولون لك نحن نانمون إن اردت ذلك فلا يسعنا إلا أن ننام حتى يأذن لنا بالعودة إلى الحياة وعودتهم إلى الحياة عادة ما تكون سلمية فأنا عندما أشبهم بالدببة في جانب القدرة على التحمل،الصير وعندما يعودون إلى الحياة فهم يعودون كالفراشات يعودون كالحمامة التى عادت إلى سفينة نوح لتبشر بالسلم ونهاية الطوفان.
من منطلق كونكم باحثا في الظاهرة الصوفية …كيف ينظر المتصوف للأخر و الأخر المختلف ؟
عند المتصوفة هنالك مقولة بدرجة حديث عندهم ” الطرائق بعدد أنفاس الخلائق « ما يجعل المتصوف كثير الإحترام لإختلاف البشر فهم يعتقدون أن كل إنسان له عروج إلى الله حسب طبيعته وحسب إستعداداته الجسدية والروحية فهم يحترمون كثيرا خصوصية الإنسان مهما كان مثلا نجد ضنون المصري وإن كانت زمنيا غير محققة أن رابعة العدوية إلتقت بضنون المصري لكن هكذا رمزيا يقولون أن ضنون المصري عندما كان يلتقي برابعة العدوية عندما كانت لها في السابق حياة غير ملتزمة فقد كانت حسب الأثر إمرأة مستهترة بالأحكام الشرعية فقد كان ضنون المصري يقوم بتقبيلها على جبينها إحتراما لما كان ينظر ببصريته إلى مستقبلها الروحي ، كان يعلم بقلبه أن هذه الراقصة ستتحول إلى أكبر متصوفة في التصوف الإسلامي في البصرة وقد إنتهت بها الحياة في البصرة من إعتكاف وتبتل وخلوة وكانت تستقبل آلاف الزائرين من المشايخ والمردين لطلب بركتها وبالتالي هذا ما جعل المتصوفة ذوي إنفتاح متناهي على جميع الناس بمختلف مشاربهم لأنهم يعتقدون أن الإنسان في كدحه إلى الله يمكن أن يلقى في مسيره مآزق ..ويمكن أن لا يلقى في طريقه شيخه ، يمكن أن يكون في اليابان ولكن يكدح إلى الحق إلى الله بالوسائل التي تتوفر له ويصل إلى الله .هم يعتقدون أن الله موجود في جميع الحضارات والأديان والطرق الروحية لأنه ينظرون إلى هذا البوذي الذي ينظر إلى الله بصدق أو الراهب بنيته وصدقه فلا خوف عليهم كما ورد في القرآن الكريم إلى أن يصل إلى الله عن طريق التجربة الكشفية الباطنية إلا أنها تكون بعيدة لأسباب جغرافيا أو تارخية عن المدرسة الصوفية الإسلامية وإن كان يعتبر الصوفيون المسلمون أن طريقة الطرائق ورئيس السالكين محمد .
من خلال ما ذكرتم من إنفتاح الصوفية على عوالم الإختلاف ..هل يمكن أن يقدم التصوف إجابات عن أسئلة الراهن خاصة فيما يتعلق بالصراع القائم بين الروح كحضارة والجسد الذي يأتي كإمبراطورية للمادة ؟
التصوف يأتي في زمننا الحاضر كإجابة لصراع الروح مع الجسد في ظل هيمنة المادة التي يطاردنا شبحها أينما ذهبنا وحيثما توجهنا .فهذه ثقافة الإستهلاك تطغى على جميع جوانب الحياة بما يترتب عنها من إفراط في الروح وظهور سلوكات حيوانية تنزل بنا إلى أسفل السافلين بعدما كنا في أحسن تقويم وعلى هذا الأساس حقيقي بأرباب السلطة العمل على نشر المفاهيم والمبادئ الصوفية وتوصيلها إلى كافة المجتمع.لا يعني هذا الكلام حمل الناس على ممارسة التصوف فهذا أمر يؤتى من قبل الناس ولا يأتي للناس وإنما نقصد فقط العمل على بث ونشر النواحي المظهرية والفضائل الأخلاقية فضلا على الصبغة الجمالية والشاعرية لهذا التراث الذي يحق للجزائر أن تفتخر بإكتناز أرضها المباركة أحد أقدس مناجمه وأثمن معادنه ..فالتصوف كما قلت سابقا يأتي كإجابة عن تساؤلات وجودية ومآزق نفسانية خطيرة تهدد شبابنا الذي لم يعد يقتنع بالإجابات الفقهية التي تعود إلى القرون الوسطى لا يعني هذا أن نقلل من أهمية الفقهاء هم أحسنوا الإجابة على معاصريهم لكنهم لا يستطعون الإجابة على أسئلة القرن 21 أو 30 وهذا شيء طبيعي والصوفية لديها هذه القدرة على التكيف مع العصر فالصوفي تجده يلبس العباءة لأداء الطقوس الصوفية في الزاوية وعندما يخلص يضع العباءة في حقيبته ونحن رأينا هذا رأينا العديد من المشايخ والدراويش لهم مواقعهم ومناصبهم الحكومية والعلمية ولكنهم إحتراما لتقاليد أجدادهم يحملون عباءتهم كما يحدث في زوايا تركيا هذه إشارة ظاهرية على مقدرية إستبطان فلسفتهم وطقوسهم وشعائرهم وعدم تبشيرهم فالصوفية لا يبشرون بطرقهم بمعرفتهم ولكنهم يستقبلون الوافدين إليهم..
تذهب بعض الدراسات المخبرية إلى إعتبار أن رؤى محي الدين بن العربي تتماشى والتوجه العولمي الشمولي الحاصل..ما رأيك ؟
يجب أن نعلم أن الصوفية تعود إلى بداية الإنسانية لأنه توجد حاليا دراسات مخبرية تؤكد في بعض الأحيان عن إرتباط (الشامنية ) التي تعود إلى ما قبل التاريخ نجد آثارها في كهوف الطاسلي وغيرها من المناطق الأخرى نجد إشارات تشير إلى خطوات الإنسان الأولى نحو طريقه إلى الله وبالتالي الصوفية تندرج في هذه السلسلة الروحية.
تارخيا نقول أن الصوفية وجدت مع بداية الإسلام أما جوهريا يعود مشرب الصوفية إلى بداية الخليقة بالتالي فهم ينظرون نظرة نسبية إلى الديانات على إختلافها والمذاهب بإختلافها لأنهم ينظرون إلى ذلك على أنها مدارس لمعرفة الله أي مدارس تحاول كل واحدة على قدر إستطاعتها الوصول إلى الله حتى أنهم يعتقدون أن هذا الإفريقي الجنزي الذي يعيش في أدغال إفريقيا والذي يعبد الأشجار و المظاهر الطبيعية كالنجوم والكواكب وحتى هذا الياباني حاليا الذي يعبد منابع المياه ويقدس منابع المياه كل هذا مظاهر الإله لأن إذا سألت الإفريقي الذي يقدس الطبيعة والياباني الذي يقدس منابع المياه والهندوسي الذي لديه 350 مليون إله يقول لك أن هذا 350 مليون إله ما هي إلا اسماء من أسماء الله الأعظم حتى في هذه المظاهر الشكلية توجد فكرة الكائن الأسمى وكل واحد يكدح إليه حتى سيدنا إبراهيم يقول القرآن أنه قدس الكواكب ونظر إليها وإعتقد فيها قبل أن يعرف الله فسيدنا إبراهيم يجسد هذا الكدح المرحلي نحو الله وهذا ما يجعل الصوفية منفتحة على جميع المدارس الروحية ويجعلها قادرة على التحاور على إختلاف مشاربها ولا تدخل في أي صراع كما كان حضرة النبي على ذكره السلام الذي كان في قمة إنفتاحه وقمة قبوله لجميع الديانات.
هايشوكي أيشما من جامعة أوكسفورد البريطانية
“الحقيقة المثلى …هي أن تكون نفسك” تعتبر الباحثة اليابانية هايشوكي أيشما من جامعة أكسفورد البريطانية من بين الباحثين المهتمين بالمدارس الروحية خاصة الصوفية والبوذية في هذا الحوار تتحدث لنا أيشما عن الصوفية والبوذية والنقاط المشترك بينهما و عن ثنائية الروح والمادة و الصراع القائم بينهما لتنتهي في حديثها لنا عن تجربة الفيلسوف البوذي أنشيدا في رحلة بحثه عن الحقيقة المثلى ..
حاورها : هشام شرف
نجدك كباحثة تولين إهتماما كبيرا بالصوفية والبوذية من خلال تقديم نمادج لمن تعاملوا مع هذه المدرستين الروحيتين كما هو حال تعاطيك مع كل من الفيلسوف البوذي أنشيدا و المفكر المصري عبد الحليم محمود ؟
-حسنا…باعتباري باحثة في هذا الميدان ومن خلال ما درست عن عبد الحليم محمود في مصر ،أعتقد أن من بين النقاط المشتركة بينهما كونهما درسا الصوفية في زمن كان فيه العالم يستيقظ من غفلته ، وكانت الأفكار الصوفية تأخذ جانبا من الوعي في المجتمعات .بإعتبار أنه كانت هنالك مدارس تلقّن الصوفية .كما أن كليهما يدعوان إلى التصوف الإيماني والأفكار الروحية .الله مثلا ، أن نحس بأنه موجود بداخلنا .أن نترقى من كل ما هو مادي وأن نؤمن بالتسامح والتواضع .
لكن تعاملك مع الصوفية والبوذية نجده يرتكز بالأساس على أبعاد سياسية وتاريخية بالدرجة الأولى ؟
حسنا ..أنا لست مؤرخة ، ولكن سأحاول ان أتكلم بإختصار كلكم تعلمون أن اليابان حين حاولت أن تسلك نهج العصرنة وأن تنفتح على العالم قامت بتغير زعماءها السياسيين وغيرت لغتها وجعلت لنفسها ديانات جديدة ولهذا السبب حدثت في تلك الفترة تخريبات للآثار البوذية بما فيها هدم و حرق المعبد البوذي من طرف رجال نيشطوا .حيث انه من 6000 إلى 8600كانت البوذية تحتل مكانة قوية في اليابان وبعد نهج العصرنة أخذت تتلاشى ، ونفس الشيء حدث في مصر فعندما أتى الغرب إلى مصر حاملين معهم سبل وأفكار العصرنة ،قاموا بمحو وطمس معالم الأصالة المصرية بجليبهم لمعتقدات وأفكار جديدة والشعب المصري في تلك الفترة لم يكن قادرا على مقاومة الغزو الغربي الفكري والإحتلالي .
ألا ترين أن المدارس الروحية ودعوتها إلى التعامل مع الروح تجد نفسها في مواجهة طغيان الجسد ؟
-لقد فهمت بزيارتي لعدة دول في العالم وقد درست بهم الصوفية ومن خلال تجربتي ومن خلال أيضا ما رأيت وما يحدث في المجتمعات عامة أعتقد أنه لا يمكن أن نكون ماديين مئة بالمئة أو روحيين مئة بالمئة .مثلا نحتاج لأكل وشرب لنشبع حاجياتنا الجسدية و الصحية ومتطلبات الحياة وهذا لكي نستمر في الحياة ومن خلال دراستي لصوفية في مصر لا حظت أن الشعب هنالك يخلقون ما يسمى بي الغذاء الروحي وهذا ما يلعبه الدين في تغذية الروح يعني يجب أن نغذي الروح والجسد معا .
..ولكن كيف نقاوم المادة بتعاملاتنا الروحية ؟
– هذا سؤال صعب نوعا ما ولكن حسب رأي لا أعتقد أن الأمر يتعلق في كون أحدهم صوفي أو بوذي أو هندوسي بقدر ما يتعلق بالفرد نفسه كعنصر فعال قادر على التأثير في الغير ومؤمن بأنه يستطيع مقاومة المادة والفرد الرائد يجب أن يملك القوة على فرد فكرته التي يؤمن بها ويناشدها لكي يستطيع أن يتجاهل هذه المادة ويرفضها.أظن أن الحكمة موجودة ومهمة وهي تحيط بنا لكن على الأفراد أن يفهموا معناها الجوهري ومبدأها الصوفي ليحققوا تجاهلهم للمادة
وماذا عن الحقيقة المثلى التي تمثل محور بحوثك في كتابات المفكر البوذي أنشيدا ؟
-من خلال دراستي للحقيقة المثلى على حسب نظرية أنشيدا في هي يجب أن ترتكز على أفكار روحية جوهرية .وحسب البوذية فإن الحقيقة هي أن تكون نفسك فقط ، بمعنى أخر يجب أن تحس بوجودك كفرد يختص بشخصيته وينفرد بوجوده .ولأننا حينما ولدنا وجدنا العالم العالم ينموا من حولنا بكل متغيراته وأحداثه وقد تلقنا دروسا مختلفة من المعارف و إذا أردت أن تطلع على الحقيقة المطلقة ما عليك سوى أن ترى العالم كما هو في الواقع أن تعيشه وتخوض فيه تجارك و هذا صعب لأنك عندما تحاول أن تصل إلى الحقيقة من خلال نفسك ستظن أنك تستطيع أن تفهم الاشياء بدون مساعدة غيرك لأنك تملك شخصية ، ثقافة ومعرفة .ولهذا نشيدا يقول من أجل ذلك يجب أن تكون نفسك وأن تكون متواضعا وتملك عقلا وروحا .
هنالك الكثير من الأنانية في هذا الطرح البوذي ..أليس كذلك؟
– لا يمكن أن نسميها أنانية بقدر ما هي ثقة بالنفس و إعتزاز بها حيث أن الفرد يحس أنه قادر على فهم وفعل الكثير من الأشياء بمفرده وهنا الأنانية تكون كتعبير عن نفسه أو كمحاولة لخلق وجوده .ولكن أنشيدا نفسه من خلال كتاباته يدعوا إلى رفض الأنانية كمنطلق للوصول للحقيقة المثلى ؟فهمت ماذا تقصد هذه الأنانية جاءت من منطلق العبودية وأنشيدا هنا لمقاولة الأنانية ينصح بأن لا نكون واثقين كليا بأنفسنا بمعنى أخر أن لا نجعل الغرور يهيمن علينا يجب أن نكون متواضعون أو أن نعي بأننا لسنا الوحيدين الموجودين في العالم بل نحن بحاجة لمساعدة غيرنا نحتاج إلى الأخر كدعم وقوة .وإذا فكرنا بأننا قادرين على فعل أي شيء بمفردنا لن نستطيع مقاومتها يجب أن لا نفكر بأن الحقيقة هي ما نفكر به نحن لاغيرفي ظل تناحر المجموعات السودانية
محبة الإنسان …إلى أين؟ لا تزال المجموعات السودانية في المناطق الشرقية والغربية بالسودان تحمل السلاح في وجه الحكومة المركزية في الوقت التي شهد فيه الجنوب السوداني إبرام اتفاقية السلام غير أن ذلك ليس كافيا في نظر إدريس سليم الحسن دكتور بجامعة الخرطوم السودانية .. فالواقع لا يزال معقدا بالسودان ولا تزال هنالك قضايا تنموية وأخرى سياسية تستوجب إيجاد حلول للخروج من المأزق السوداني الذي تحاول المدارس الروحية من المتصوفة وشيوخ التصوف لعب دور من أجل تقريب الآراء وإيجاد مخرج لما تعيش المجوعات السودانية من تقاتل و حرب لا تزيد إلا توسيع الهوة أكثر فأكثر ويضحى معها “السلم” هذا المشروع الإنساني مؤجلا لوقت غير مسمى ..في خضم ما يعيشه الواقع السوداني خاصة في جانبه السياسي من تعقد تجد أن مساعي شيوخ التصوف والمدارس الصوفية المتوجدة بالمنطقة على غرار السلمانية و التيجانية تحاول أن تلعب دورا إنسانيا وإجتماعية من خلال إعادة إنتاج القيم الإنسانية التي أصبح يفتقدها المناخ السودانية من محبة وكرم و غيرها من القيم السامية والروحية وخلق مناخات تساعد على إستتاب السلم والأمن التي تنشده الجماعات السودانية والذهاب في نفس الإتجاه الذي ذهب إليه الجنوب السوداني من خلال إبرام إتفاقية السلام التي يقول عنها الدكتور إدريس سليم الحسن أنها وجدت المناخ المناسب لتجسيدها بحكم أن أهالي الجنوب السوداني أغلبيته يعتنقون الديانة المسيحية ورغم ذلك أدركوا أهمية وجود المشايخ في داخل المجتمع السوداني وأخذوا عنهم الآراء والقيم التي تساعد على تكريس المسعى الإنساني المنشود في السودان وهذا ما لم يتحقق في نظر الدكتور الحسن في غرب وشرق السودان حيث تتواجد الفئات المسلمة وتتمركز أيضا الطريقة التيجانية بمنطقة الغربية إلا أنها الأمور لا تزال معقدة خاصة في جانبها السياسي فيما يبقى الجانب الإجتماعي يتكفل به هؤلاء المشايخ الذين يحاولون من خلال سلوكاتهم وما يقدمونه من منفعة عامة للمجموعات السودانية لعب دور كبير في تكريس التكفل الإجتماعي والتضامن الإجتماعي .فالمدارس الصوفية بأبعادها الروحية في السودان تبقى حسب الدكتور في حديثه لمنتدى جريدة الشروق الإعلامي الأدبي تحاول بقدر مستطاعها العمل على توفير المناخ الإجتماعي الذي تترعرع فيه القيم الإنسانية و محبة الإنسان التي تبقى نقطة جوهرية في المنظور الروحي التصوفي التي يبحث المتصوفة على ترسيخها في التعاملات الإجتماعية بين الطوائف السودانية للخروج من حالة الحرب والرعب والعنف التي تعيش في وسطه الجماعات السودانية ، وهذا ما تقوم به المركز الدينية التي تسمى هنالك في السودان ” المسيد” من خلال الخدمات التي تقوم بها على غرار المركز الإسلامي التابع لطريقة السلمانية الذي يعتبر في مستوى الجامعة بحكم أن شيوخ الطريقة السلمانية وأتباع الطريقة بالسودان أغلبهم من المثقفين فتجد منهم المحامي والمدير والأطباء وكلهم يعملون على تقديم مساعدات إنسانية وخلق فضاءات تعليمية معرفية من خلال الأبواب المفتوحة التي يسهر هذا المركز الإسلامي التابع لطريقة السلمانية على تفعيلها ونفس الشيء ينطبق على الطريقة التيجانية بالغرب السوداني .هذه التوجهات الطرقية في نظر الدكتور إدريس سليم الحسن يمكنها أن تظيف الكثير على مستوى التعاملات الإنسانية والروحية بين الأفراد في ظل هيمنة الماديات و الدنيويات على حساب القيم الروحية و الإنسانية كالعمل على منفعة البشر ، محبة الإنسان ، الكرم وغيرها من التعاليم التي ينادي بها المتصوفة .
3 أسئلة إلى الباحث تركي عمر جامعة إسطمبول – تركيا-
الإحتياجات الجسدية توجه الروح إلى عالم المشاهدة
يحاول الباحث تركي عمر من معهد الدراسات الإسلامية بجامعة إسطمبول بتركيا تقديم إجابة توفيقية بين العالم الروحي والمادي من خلال المتصوفة والمتكلمين وأهل الفلسفة ويشير في هذه “اللقاء السريع” التأكيد عن عدمية زوال الطرق الروحية أمام كل ما هو مادي هل هنالك فرق بين الصوفية كمدرسة روحية والمادية الحديثة ؟
..أجل ..هنالك فرق بين الصوفية والمادية الحديثة..لأن المتصوفة يفرقون بين الروح والبدن.فالبدن يمثل الجسد الإنساني وهو منسوب إلى العالم الجسماني،و كما تعلمون أن هنالك تفرقة بين عالم المشاهدة والعالم الغيبي .فعالم المشاهدة يأتي بعد العالم الغيبي و يمثل إبعاد من الأصل من مركز الله
كيف ذلك ..؟
الصوفية تمثل وجه الله في الإنسان وهنالك تفرقة أيضا بين الروح والبدن ..في كون الروح دائما يسعى أن ينتقل من معقل البدن يريد أن يصل إلى مركزه الأصلي..إلى منبعه الأصلي..ولهذه الوصلة التي تأتي عبر طرائق (طرق) ترتكز على تجريد الإنساني من الجسد الجسماني وأن تصير الروح من معقل الجسد إلى العالم العلوي..فالروح عند هؤلاء الصوفية والمتكلمين المتأخرين -ليس قبل الغزالي- و الفلاسفة أيضا يذهبون للقول أن الروح شيء جوهري وليس به عنصر جسماني ..غير أن الماديون يرون أن روج جوهر جسماني لا جوهر إلهي وبعد هلاك البدن يكمن عندهم إدانة حياة الإنسان لأنهم لا يقبلون على أي وحي إلهي .
هذه الطرق الروحية ألا تراها أنها مهددة بالزوال ؟
إن الطرق الروحية غير مهددة بالزوال هنالك مبادئ عامة يجب على كل إنسان أن يمتثل لها من هذه المبادئ مثلا : إن كنت تريد أن تجرد الروح من البدن عليك أن تقلل من إحتياجاتك الإنسانية من أكل وشرب وملذات ..لأن الإحتياجات الإنسانية توجه الروح إلى عالم المشاهدة …لا يمكن القول بزوال الطرق الروحية في ظل وجود من يكرس هذه التوجهات ويجسد هذه الفلسفات فالقول بروالها هو ضرب من العبث .
_____________
المصدر :- جريدة الشروق الاعلامية
http://www.shrooq2.com/vb/showthread.php?t=2618