اللهم صل على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى اله وصحبه وسلم تسليما
سمر ماجد
خلق الله سبحانه وتعالى الانسان في أحسن صورة وأبدع تكوين وجعله يمتلك قدرات معرفية رائعة بفضل صنعه جل جلاله ، أكثرها جلاء القدرة على التفكير واللغة ولعظمة صنع الخالق كان لا بد من استعمال هذه القدرات النفيسة التي خص الله سبحانه وتعالى بها الانسان دون غيره من المخلوقات بالشكل الذي يعود بالمنفعة والخير عليه وعلى الاخرين ، وليظهر ثناءه وشكره لصنيع هذا الخالق العظيم الذي من اجله ولعبوديته أوجد هذا العالم كله . فكيف والعالم في صراع مستمر بين خير وشر ، شك ويقين ، وبين حب الذات وتفضيل المنفعة الشخصية على حب الاخرين وفائدتهم ، فكان لابد للانسان من استخدام القدرة التي منحها الله له بالشكل السوي الذي يقتدى به من قبل الاخرين وتعم المنفعة به .
قال تعالى : ( وسخر لكم ما في السموات وما في الارض جميعا منه)(الجاثية:45) . فلقد عني التصوف الاسلامي بمنهجه الشرعي والروحي وأثبت دوره بتزكية نفس وجوارح الانسان وكيفية تعليمه والرقي به الى اعلى المستويات . بحيث يكون الانسان نافعا لنفسه ونافعا لمجتمعه وللاخرين لكون التصوف يهذب ويصفي الفرد ويعلمه كيفية السلوك بالمعنى الصحيح الذي يواكب العصر بنفسية متقبلة لواقع هذا العصر والى التفاعل معه بشكل ايجابي وديمقراطي على اساس تقوى الله سبحانه وتعالى . قال تعالى : (اتقوا الله ويعلمكم الله)( سورة البقرة 2/282 ).
وبالتاكيد هذه النفسية المطمئنة لا يمكن ان تتحقق وتكون إلا بتحقيق الايمان بالله أولا قال تعالى : (واني لغفار لمن تاب وأمن وعمل صالحا ثم اهتدى) ( سورة طه / الاية82 ) وذلك بالجهد والمثابرة وتحقيق الهدف الذي من اجله خلقت لاستخلاف الله في الارض وحمل الامانة لتعميم الخير ومحو الفساد قال تعالى : (ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون)(سورة آل عمران / الاية 104) وهذا لا يمكن ان يتم إلا بدءا بتنقية هذه النفس بالتلمذه على يد شيخ عالم عارف بالله وارث للنور المحمدي و ناهج نهجه بكتاب الله وسنته والسلف الصالح الذي منحه الله فيض من الفيوضات الرحمانية ، فيطيعه ويلتزم بمنهجه من
( ذكر وتسبيح وارشاد ) كما في حديث أخرجه ابن حيان في الضعفاء من حديث ابن عمرو قال رسولﷺ : (الشيخ في قومه كالنبي في أمته) .
وقال يحيى بن معاذ : ( العلماء أرحم بأمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم من أبائهم وأمهاتهم قيل وكيف ذلك .
قال : لان أبائهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا وهم يحفظونهم من نار الاخرة ) .
فيتتلمذ وينهل على يده العلوم الروحية التي يكتسبها التلميذ بملازمة شيخه العارف بأسس اركان الطريق المحمدي الثلاث : الاسلام ، الايمان ، الاحسان ( مراقبة النفس ) فيعينه على تصفية و تطهير ذاته والتخلص من مهلكات صفات القلب المذمومة المتمثلة بالنفس الامارة بالسوء ( من كذب وحسد ورياء وتكبر وعجب ) مرورا بمراتب تزكية النفس ( النفس اللوامة ، الملهمة ، المطمئنة ، الراضية ، المرضية حتى يصل مرتبة النفس الكاملة بالجزء البشري ) ومحققا للمقامات الروحية لهذا الطريق ( من ايمان وصدق واخلاص وصبروورع وزهد ) اضافة الى تعلم العلوم الظاهرية الدينية الشرعية من صلاة وصوم وزكاة وحج الخ … من هذه العلوم ويحثه ويشجعه على الاطلاع والإلمام بكل ما هو متطور وحديث ومتعلق بالعلوم العلمية والادبية والتكنلوجيا الحديثة التي تخاطب عقل الانسان وتلفت نظره بالتفكر والادراك ليظهرمن الناحية النفسية والعلمية بالصورة التي ارادها الله سبحانه وتعالى لخدمة نفسه وخدمة الاخرين .
قال تعالى : (ويتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا) (ال عمران :191 ) وقال تعالى : (سنريهم أياتنا في الأفاق وفي أنفسهم)( سورة فصلت / الاية 53) وقال تعالى : (وكذلك أوحينا اليك روحا من أمرنا) ( سورة الشورى / الاية 52) فبالعلم الروحي الباطني وبالعلم الظاهري بكل جوانبه تتصحح نفسية الانسان و يتعزز عنده حب الله والايمان به وبحرية الاعتقاد وبرسالات السماء والتمسك بالمثل والقيم الاسلامية وبالمبادىء الانسانية المتمثلة بالسلوك ، لكون الفرد لا يحيا بمفرده وانما بمعية الاخرين في المجتمع فكل ما صقل في شخصه سوف يكون مرآة عاكسه لسلوكه مع الاخرين ، بدأ بالاسرة كونها النواة الاساسية في التنظيم الاجتماعي التي من خلالها يبدا أول سلوكه خروجا به للتعامل مع محيط دائرة المجتمع .
قال تعالى : (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)( سورة الزمر / الاية 9 ) التصوف يخلق انسانا له الرغبة في تغيير ذاته والتخلص من آفات النفس المهلكة الامارة بالسوء التي بدورها تفسد حال الفرد وتصعد به الى الهاوية . فبهذه الرغبة في تطهير النفس من شوائبها والرقي بها الى طريق الحق وتزكية النفس تجعل الانسان له حب دافع التغيير في المجتمع المعاصر والتخلص من الواقع الفاسد باطلاق كل ما لديه من طاقات كامنة في التجديد والحيوية والابداع للمشاركة والمساهمة في تطوير المجتمع ضمن حدود منهج الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم .
وكون التصوف الاسلامي أوله علم وأوسطه عمل وأخره موهبة فبضمن هذا المبدأ يتولد الوعي لدى الفرد بالاخذ بالعلم ومعرفة تطبيقاته في التفكير والعمل بما يتمثل بعدة قيم :
1– قيم اخلاقية من ( حب – اخلاص – صدق – احترام حقوق وأراء الاخرين – سيرة حسنة ) .
2– قيم تكامل الشخصية من ( النجاح – التصميم – المبادرة – الشجاعة – الحرص ) .
3– قيم معرفية من ( حفظ للحقائق – طلب العلم والدراسة وكل ما يساعد على التثقيف
والتحضر – التعريف بموضوعات تاريخية وانسانية وعلمية ) .
4– قيم اقتصادية من ( حب العمل الجماعي والمشاركة الطوعية والحماسية فيه – واقتصاد بالنفقات وتوفير الفائض منه وهذا يؤدي الى تخطيط و برمجة اقتصادية في كل الاموروالشؤون ).
5– قيم تراثية من ( تجعل الفرد له ثقة بالشخصية الاسلامية التي تتمثل فيها خصائص الثقافة الاسلامية وما تنطوي عليه من صور متعددة في الابداع في مجالات الفكر والفن والعمل ) .
وبكل هذه القيم سوف تساعد على بناء شخصيات ناشئة سليمة كل حسب استعداده تنسجم مع طموحات الحاضر والمستقبل لتحقيق التكامل والتكييف في المجتمع والاسهام في انشاطه .
فبتعويدهم على ممارسة تلك القيم المستمدة من صوفيتهم سوف تنشا لديهم العواطف السليمة
وتنمي المواهب الفنية والتذوق الجمالي ، وتحفز روح المبادرة والابداع ، والقدرة على تحمل الصعاب والمشاق ومواجهة مشاكل المجتمع بكل ظروفه الحرجة من جميع جوانبه بحكمة وثقة وصبر . وبالتالي سوف يكون لهم القابلية لعرض الثقافة الاسلامية وأبراز روحها الاصيلة وعناصرها السليمة .
فباجتماع العقل ونقاوة وصفاء الروح يمكن خلق نفسية متقية واعية متحضرة مدركه ومتفكره تفيد نفسها و تخدم البشرية فتحقق العدالة والمساواة والولاء في كل أوان .
قال تعالى : (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس)(الانعام : 122) .