البيعة .. ما هي ؟
البيعة في مفهومها اللغوي : إعطاء شيء مقابل ثمن معين . أو إعطاء العهد بقبول ولاية أو خلافة(1) .
وأما البيعة في مفهومها الإسلامي العام : فهي كلمات تعبر عن نية وعزيمة على الوفاء والأداء ، ويصحب ذلك بسط يدٍ ومصافحةٍ توثق ذلك كله ، ليتم العهد قلب بقلب ، ويداً بيد ، ومن هنا جاء التعبير : ولا تنـزعوا يداً من طاعة ، وكذلك في بيعة العقبة قال القوم : ابسط يدك ، فبسط يده فبايعوه (2) . فالبيعة تعهد بالوفاء وتوثيق له .
والبيعة مع الله عقد شراء : نفس ومال يقدمها الإنسان فينال من ربه الجنة ، فتصبح بذلك هي الفوز العظيم .
ولقد جاءت الشريعة الإسلامية بذكر عدة أنواع من البيعات يمكن حصرها في قسمين رئيسيين :
القسم الأول : البيعة العامة
وهي ما عرفت ببيعة الخلافة الإسلامية أو بيعة الحكام ، وفيها يبايع المسلمون خليفتهم أو حاكمهم على السمع والطاعة في مقابل أن يحكمهم بما فيه مصلحة الأمة وعلى أساس الكتاب والسنة المطهرة . والطاعة في هذه البيعة واجبة بنص قوله تعالى : { أَطيعوا اللَّهَ وَأَطيعوا الرَّسولَ وَأولي الْأَمْرِ مِنْكُمْ }( النساء : 59 ) .
وعن ابن عمر قال : كنا نبايع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على السمع والطاعة ثم يقول : فيما استطعت ، وفي رواية : فيما استطعتم .
القسم الثاني : البيعة الخاصة
والأصح أن نقول : البيعات الخاصة ، فقد ورد في السنة المطهرة أن حضرة الرسول الأعظم صلى الله تعالى عليه وسلم أمر بعض الصحابة أن يبايعوه على أمور مخصوصة ، ومن ذلك :
البيعة على الصلوات الخمس :
قال عبادة سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول : {خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء أدخله الجنة} (3) .
البيعة على الصلاة والزكاة :
عن جرير بن عبد الله قال : بايعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم.
البيعة على عدم الشرك :
عن أبي مسلم الخولاني قال حدثني الحبيب الأمين عوف بن مالك قال : {كنا عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : ألا تبايعون فرددها ثلاث مرات فقدمنا أيدينا فبايعناه فقلنا: يا رسول الله قد بايعناك فعلى ما ؟ قال : على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا …} (4) .
البيعة على القول بالعدل :
عن عبادة بن الصامت قال : بايعنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم … على أن نقول بالعدل أين ما كنا لا نخاف في الله لومة لائم . وفي رواية : على أن نقول بالحق حيث كنا .
البيعة على النصح لكل مسلم :
- عن محمد بن عبد الله بن يزيد قال حدثنا سفيان عن زياد بن علاقة عن جرير قال { بايعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على النصح لكل مسلم} (5) .
- قال جرير {بايعت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على السمع والطاعة وإن أنصح لكل مسلم }(6) . البيعة على عدم الفرار :
عن قتيبة بن سعيد قال حدثنا سفيان عن أبي الزبير سمع جابراً يقول {لم نبايع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على الموت إنما بايعناه على أن لا نفر} (7).
البيعة على الموت :
عن قتيبة بن سعيد قال حدثنا حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد قال :{ قلت لسلمة بن الأكوع على أي شيء بايعتم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يوم الحديبية ؟ قال : على الموت} (8) .
البيعة على الجهاد :
عن يعلى بن أمية حدثه أن أباه أخبره أن يعلى بن أمية قال : جئت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بأبي أمية يوم الفتح فقلت : يا رسول الله بايع أبي على الهجرة ، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : { بل أبايعه على الجهاد وقد انقطعت الهجرة} (9) .
البيعة على الإثرة :
عن يحيى عن أبيه عن جده قال : بايعنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم … على الإثرة علينا .
البيعة على فراق المشرك :
عن جرير قال : بايعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم … على فراق المشرك .
بيعة النساء :
- عن الحسن بن محمد قال حدثنا أبو الربيع قال أنبأنا حماد قال حدثنا أيوب عن محمد عن أم عطية قالت :{ أخذ علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم البيعة على أن لا ننوح} (10) .
- عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : { ألا تبايعوني على ما بايع عليه النساء أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوني في معروف }(11).
قلنا : بلى يا رسول الله فبايعناه على ذلك .
فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : فمن أصاب بعد ذلك شيئا فنالته به عقوبة فهو كفارة ومن لم تنله به عقوبة فأمره إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عاقب به (12) .
البيعة على الإسلام :
- عن عبادة بن الصامت قال : إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه : { تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوني في معروف فمن وفي فأجره على الله ومن أصاب منكم شيئا فعوقب به فهو له كفارة ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه }(13) .
- عن أبي نخيلة البجلي قال : قال جرير أتيت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يبايع فقلت : يا رسول الله ابسط يدك حتى أبايعك واشترط علي فأنت أعلم ، قال : {أبايعك على أن تعبد الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتناصح المسلمين وتفارق المشركين} (14).
البيعة على ترك مسألة الناس :
- عن عوف بن مالك الأشجعي قال : كنا عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : { ألا تبايعون رسول الله فرددها ثلاث مرات فقدمنا أيدينا فبايعنا فقلنا : يا رسول الله قد بايعناك فعلام ؟ قال صلى الله تعالى عليه وسلم : على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا والصلوات الخمس وأسر كلمة خفيفة لا تسألوا الناس شيئا }(15).
- وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : من يبايع ؟ .
فقال ثوبان مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : بايعنا يا رسول الله .
قال : على أن لا تسأل الناس شيئاً فبايعه ثوبان . فقال أبو أمامة :
« فلقد رأيته بمكة في أجمع ما يكون من الناس يسقط سوطه وهو راكب ، فربما وقع على عاتق رجل فيأخذه الرجل فيناوله ، فما يأخذه حتى يكون هو ينـزل فيأخذه » .
البيعة على الطريقة :
قال الإمام علي كرم الله وجهه : « يا رسول الله دلني على أقرب الطرق إلى الله وأسهلها عليَّ عباده وأفضلها عند الله تعالى » .
فقال صلى الله تعالى عليه وسلم : عليك بمداومة الذكر ، ذكر الله سراً وجهراً .
فقال صلى الله تعالى عليه وسلم : « كل الناس ذاكرون فخصني بشيء » .
فقال صلى الله تعالى عليه وسلم : { أغمض عينيك واسمع مني لا إله إلا الله ، ثلاث مرات ، ثم قلها ثلاث وأنا أسمع ثم فعل ذلك برفع الصوت} (16) ، عندها ظهرت أحوال الإمام علي كرم الله وجهه وزاد زهده حتى سمي : بأبي تراب .
بعدها سأل الصحابة رضي الله عنه الرسول الأعظم صلى الله تعالى عليه وسلم أن يعطيهم ما أعطى الإمام علي(كرم الله وجهه)، فعن شداد بن أوس قال : كنا عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : {هل فيكم غريب ؟ فقلنا : لا يا رسول الله ، فأمر بغلق الباب ، فقال : ارفعوا أيديكم وقولوا : لا إله إلا الله ففعلنا ، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم : الحمد لله ، اللهم إنك بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني عليها الجنة ثم قال صلى الله تعالى عليه وسلم : الحمد لله ، ألا فأبشروا فإن الله قد غفر لكم} (17) .
والواضح من هذا الحديث عظمة فهم صحابة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم للبيعة وأهميتها ، فقد كانوا متحققين من أنها عهد وأمانة وميثاق .
ومضت بيعات الرسول الأعظم صلى الله تعالى عليه وسلم مع صحابته على أمور محددة أخرى ، كانت كلها من أمور هذا الدين العظيم .
مما تقدم نستنتج الأمور التالية :
- أن هناك بيعات كثيرة في الإسلام غير بيعة الحكم أو الإمامة العامة .
- تخصصت كل بيعة إسلامية بأمر أو مجموعة أمور تخص الشريعة الإسلامية
فقها أو تصوفا .
- كان هناك في بعض البيعات وعد بالمغفرة لقاء الوفاء بها ، وهذا أمر مهم جدا في موضوعنا ، فكل مبايع يجب أن يلتزم ببنود البيعة أو المعاهدة الخاصة التي ارتضاها والتي عاهد عليها في مقابل أن ينال ما وعد به .
وهكذا ومن ضمن البيعات الإسلامية الكثيرة التي جاء بها النور الأعظم سيدنا
محمد صلى الله تعالى عليه وسلم كانت البيعة الخاصة بمفهوم الطريقة الصوفية .
_________________________________
الهوامش :-
(1) – انظر : المعجم العربي الأساسي – ص 188.
(2) – انظر : د . عدنان علي رضا النحوي – العهد والبيعة وواقعنا المعاصر – ص 107 .
(3) – سنن أبي داود ج: 2 ص: 62 .
(4) – المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم ج: 3 ص: 110 حديث برقم 2326 .
(5) – صحيح مسلم ج: 1 ص: 75 برقم 56 .
(6) – صحيح ابن حبان ج: 10 ص: 412 برقم 4546 .
(7) – صحيح مسلم ج: 3 ص: 1483 برقم 1856 .
(8) – صحيح البخاري ج: 6 ص: 2634 برقم 6780 .
(9) – صحيح ابن حبان ج: 11 ص: 206 برقم 4864 ، انظر فهرس الأحاديث .
(10) – صحيح البخاري ج: 1 ص: 440 برقم 1244 .
(11) – سنن النسائي (المجتبى) ج: 7 ص: 142 .
(12) – المصدر نفسه ج: 7 ص: 142 .
(13) – صحيح مسلم ج: 3 ص: 1333 برقم 1709 .
(14) – السنن الكبرى ج: 4 ص: 428 برقم 7800 .
(15) – المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم ج: 3 ص: 110 حديث برقم 2326 .
(16) – تاريخ عجائب الاثار في التراجم والاخبار – عبد الرحمن الجبرتي ج1 – ص345 .
(17) – المستدرك على الصحيحين ج: 1 ص: 679 .