مروة كريدية
إنَّا إنَاثٌ لما فِينَا يُولِّده
فلنحمد اللّه مَا فِي الكونِ من رَجلِ
إنَّ الرجَالَ الذِين العرفُ عَيَّنهم
هم الانَاثُ وَ هم سُؤلِي وَهم أملي[1]
ابن عربي
ارتبطت التجربة الصوفية في السياق الإنساني، بانفتاح متفرَد على آفاق معرفية متميزة. وتمثلت علاقتها مع الدين كمؤسسة بعلاقة اتصال وانفصال ، علاقة امتداد وانقطاع في آن. ففي الوقت الذي تتقاطع فيه الفلسفة الصوفية مع التراث الديني كبعد أساسي في تأسيس هذه التجربة، يحاول التصوف الفلسفي أن يقدّم تصوَره الخاص المبني على قراءة للعمق الخفي والمستتر لهذا الدين، الذي لا يعود مهمًا، فقط كأوامر ونواهي، وعادات وعبادات… والتجربة الصوفية هي تجربة مسلكية تمثل رغبة محرقة في الاتصال مع” الله “، وفي الذهاب من الظاهر إلى الباطن، من المألوف إلى الماورائيات ، وذلك لا يتم إلا باستيفاء شروط واختبارات روحية عميقة.
من هنا شكّلت التجربة الصوفية طرحاً مختلفا، وفريداً، ورؤية للوجود تحمل الكثير من الغموض والغرابة بالنسبة لمن يحيا البعد المادي بعيدا عن عالم الروح ، لأنها تترك للجوانب المدهشة في هذا الكون وفي الكائن سحرها ودهشتها.
من جهة أخرى تتأسس التجربة الصوفية من علاقة ثلاثية الأبعاد ، تتجسد ، في علاقة الإنسان مع ” الله ” (أو المقدس)، و في علاقة الانسان مع الوجود وكائناته ، وفي علاقة المكوّن مع الكائنات ، فهي تجربة معرفية، تجربة في النظر والسلوك، تطرح نظامها الخاص، وتقدم أدواتها التي تختبر بها المجهول.
وقد تميز تأويل ابن عربي للنصوص الدينية، جعله يبتعد في مناطق جلبت له تأليب الفقهاء وانتقاداتهم الحادّة ، أدت بهم لاتهامه بالزندقة، لكن عندما نتأمل عميقًا في نظريته الفلسفية نكتشف هذه القدرة المدهشة على استكناه النص، والتوغل في عتماته، ولا شك أن التجربة الشخصية (الصوفية) التي عاشهاالشيخ الأكبر، وظرفه التاريخي أتاحا له هذه الفتوحات، فهو عاش في الأندلس في لحظة حضارية عرفت أوج التبادل الحضاري والمعرفي، والانفتاح على الثقافات الأخرى، والديانات المختلفة. وهو قد تأثر بكل التيارات التي كانت موجودة في عصره، وكل ما وصله من علوم متباينة، وان موسوعته “الفتوحات المكية” خير شاهد على هذه التأثيرات.
ومن أطرف تصورات ابن عربي هي نظرته إلى المفاهيم واعطائها توصيفات جيدة أخرجتها عن مضامينها السائدة، كما ان نظرته للديانات الأخرى تميزت بانفتاح حقيقي تميز بروح تسامحية قل نظيرها. وذلك في إطار نظريته في التأويل الرمزي، فهو” لم يهتم بأسس الاختلاف والتنوع بقدر ما حاول اكتشاف البنية التي توحد تلك الأديان والشرائع، فما يهمه ليس توزعها الإيديولوجي والجغرافي، ولكن بنيتها الأساسية الجوهرية التي تجد كامل تفسيرها في فكرة التجلي، وفعلا، فالاعتقادات والأديان تشكل مظاهر وتجليات لمعاني الألوهية”[2]
لذلك نجد ان الإبداع الفلسفي في الخطاب الأكبري ينفتح على أنساق فكرية إنسانية كونية ، هذا البعد الذى يتخذ فى فكره بعدا وجوديا. وعبره يطرح العلاقة بين الوحدة والكثرة، الثبوت والحركة، التنزه والتشبيه.. من خلال رؤية تنبنى على قطبية الوجود “الأنوثة والذكورة”.
كما فرّق بين التجليات الوجودية والتجليات الاعتقادية، فالكون والمخلوقات كلها مظاهر التجلي الإلهي، هذا التجلي المستمر والمتغير بلا انقطاع ” فلو لم يظهر التبدل في العالم لم يكمل العالم، فلم تبق حقيقة إلهية إلا وللعالم استناد إليها، على أن تحقيق الأمر عند أهل الكشف أن عين تبدل العالم عين التحول الإلهي في الصور”[3]. فالكون والوجود يتحولان بتحول التجليات الإلهية، كما أن التجليات تكون بحسب استعداد البشر واختلافاتهم، والإنسان الكامل هو الذي يدرك ثبات الحقيقة رغم اختلاف تجلياتها في الصور المختلفة.
ومن هنا فمعرفة المتصوفة له تمييزهم عن غيرهم ” فالعارف الكامل يعرفة في أي صورة يتجلى فيها، وفي كل صورة ينزل فيها، وغير العارف لا يعرفه إلا في صورة معتقده، وينكره إذا تجلى له في غيرها”.[4]
مفهوم الانثى عند ابن عربي
تحضر مسألة الأنوثة مع صاحب الفتوحات بخصوصيةٍ ميزَّته عن سابقيه، حيث تتخذ معه طابِعًا معرفيًّا بشكلٍ واضحٍ وصريح ؛ فيخترق الأزواج المفاهيمية على المستوى الأنطولوجي والأنتربولوجي ، والمعرفي واللغوي… ف” الانثى ” كمفهوم هي نقطة محرقية لاستقطاب التجليات الالهية كونها تمثل البعد المنفعل في تلقي الانوار الالهية . فخطاب ابن عربي لا يكف عن الاحتفال بالأنوثة le féminin بحضوره الباذخ و بهائه اللامع ، بحشمته المضيئة وعتمته الواعدة ، وسريته الكاشفة، من داخل صونها المحير، ماهيته الأسرار كلها. فيحضر مفهوم الأنثى بشكله الواسع والعميق إلى حدٍّ يمكن للباحث أن يعتبر أنّ الخطاب هو خطاب أنوثة ، يقول ابن عربي في معرض مناسبة كتابته للفتوحات ، التي هي مشاهدته القلبية للانبياء ، حين يصل إلى عيسى:” قد جثى يخبرة بحديث الأنثى “[5] فخطاب ابن عربي يمخرالأعماق لينتشر على صفحات الكتابة ، فهو ينكتب على صفحات الروح وما يُكتنز داخل الجسد كما ينكتب على برانيته في آن فيتم العبورعبر الجسد نحو الطاقة الفعالة للفكر وممكناته دون أن يجعله جزءًا أساسيًّا من الجسد المكتوب corps écrit ،فينفتح خطابه على الصيرورة الأنثوية devenir- féminin نحو خارج الكينونة، فيهز أساس اللغة ليبحر نحو سطح الوجود، وأحداثه الخالصة. والاعتراف “بالانوثة والذكورة ” كقطبية تميزالوجود، هو في ذاته إعادة النظر في مبادئ الفكر ” العقلاني ” ( مبدأ الهوية ، الخلق ….) لذلك عمد ابن عربي لاعتماد مبادئ منها (التثليث ، الحب ، الرؤية …) الأمر الذي سمح له بمرونة تقبل القضية ونقيضها ، فتتعدد الدلالات المتعلقة بنفس الموجود و تتقابل لتثير حيرة الفكر ، هذه الحيرة التي يعتبرها عين الصواب وهي الطريق لمعرفة الكون نظرًا للطابع الخيالي الذي يتسم بها .
فالهوية عنده في تفتّح مستمر ومتواصل فالذات حركة دائمة في تجاه الآخر. ولكي تبلغ الذات الآخر لابد من أن تتجاوز نفسها، أو لنقل : لا تسافر الذات في اتجاه كينونتها العميقة، إلا بقدر ما تسافر في اتجاه الآخر وكينونته العميقة. “ففي الآخر تجد الذات حضورها الأكمل. الأنا هي، على نحو مفارق اللاأنا. والهوية، في هذا المنظور، هي كمثل الحب – تخلق باستمرار.”[6]
لذلك يتميز الخطاب الأكبري بأنه خطاب بلا ذات discursivite sans sujet تشتغل فيه سيرورة الكتابة على الآثارles traces ، أكثر مما تشتغل على ماهية معطاة، فيتجاوز محدودية الحدس والشطحات الى العمل عليها، ومحاولة أسرها انطلاقا من ماكينة تأويل مركبة ذلك ما يسميه دريدا في (Eperons)[7])، العملية الأنثوية التي تكتب وتكتب في آن ، واليها يؤول الأسلوب.
يتميز أسلوب الكتابة عن “الأنثى ” عند الشيخ الأكبر بميزات جمالية منها:
اولا: فهو يتجاوز بالكلمة والمصطلح حدود التركيب والمعنى المألوف ليجعلها تناغم في صيرورة سحرية سرّية، فنجد في اسلوبه افتتانا هرموسيًّا، غنوصيًّا، يلج نوعا من الانخطاف اللانهائي، وهذا الامر شبيه بما أسماه نيتشه في سياق آخر: الرقص بالكلمات والأسلوب .
ثانيا: ان خطابه عرفاني فلسفي صوفي ، لذلك يتجاوز محدودية الحدسيات والشطحات الى الاشتغال عليها، ومحاولة أسرها انطلاقا من ماكنة تأويل مركبة ، ومن أشكال تعبير متنوعة ، فمفهوم “الانوثة عنده ” يتجاوز البعد المادي و الصورة لتأخذ بعدًا غيبيا اونطولوجيّا .
ثالثُا : أن خطابه “بلا ذات “discursivite sans sujet ينطلق فيه من خلال سيرورة الكتابة على ما يترتتب عليها، أكثر مما ينطلق من معطيات محددة.
لذلك نجد أن هذا الاسلوب لا قياس له ولا ينضبط لأنه انخراط في لانهائية النهائي ، ويمكن ان نصفه بالمقاربة المربكة للحواس المدوخة للفكر ، وتطرح المقاربة هنا كإلتزام انطولوجي .
فالشغف الانخطافي عند ابن عربي هو انخطاف ينمرس في أفق المعلوم وازاء ملفوظاته ، وهو يختلف عن الانخطاف العاري… ، الذي يبتكر الآخر ، وينشغل به ويستحضره ، وفق نمط يجعل الكتابة رهينة الأنثوي.
وهذا الأمر يجعل التجربة الانخطافية Iexperience extatqué تجربة مشروطة بفاعلية التأويل ، ويجعل العمق الأونطولوجي، ملزما باستدعاء المنطوق الملفوظ ، واستخراج ممكنات المجاورة منه . فهي انخراط الكتابة، في استدعاء الأنثوي واستثماره .
إحتفال ابن عربي بالعلة المؤنثة
و يأتي احتفال فكر _الكتابة عند الشيخ الأكبر بالعلة المؤنثة في اماكن كثيرة من كتبه يقول في فصوص الحكم : “فإذا الرجل مدرج بين ذات ظهر عنها وبين امرأة ظهرت عنه ، فهو بين مؤنثين ، تأنيث ذات وتأنيث حقيقي(…) كآدم مذكر بين الذات الموجود عنها وبين حواء الموجودة عنه (…) فكن على أي مذهب شئت ، فإنك لا تجد إلا التأنيث يتقدم حتى عند أصحاب العلة الذين جعلوا الحق علة في وجود العالم ، والعلة مؤنثة ..)[8] .
وقد خص ابن عربي آخر الفصوص (فص الكلمة المحمدية) الجزء الأكبر منه لتأويل حديث نبوي وابراز موقع التأنيث داخله وأهميته وفاعليته وأبعاده اللامرئية ، لا كتأنيث لفظي متعلق بالتركيب اللغوي للحديث (كون الحديث ذكر العدد على وجه التأنيث ، رغم أن العرب تذكر لوجود مذكر في الخطاب )، ولكن كتأنيث معنوي غير لفظي، يعتمد إبراز الأنوثة المطلقة الأنوثة التأكيدية ، التي هي من الكتابة والجسد ، تجربتهما القصوى التي تنكتب خارج أسر الإرادة /المشروع ، ولا تصير قابلة للمعرفة قبل أن تكون موضوعا لرغبة سيده . إنه ما يسميه بلانشو Blanchot سلطة الأنثوي المتعذر تعريفها، حتى على من يقدر أو يعتقد البقاء غريبا عنها، لا “الأنثوي الأبدي” , l’éternel feminin الذي تحدث عنه غوته ، والذي هو نسخة شاحبة من بياتريس الأرضية والأبدية لدانتي[9].
الانثى محل انفعال والانفعالية عَرَض
يقوم التصور العرفاني لابن عربي على اعترافه بحضور “الأنوثة والذكورة ” عبر كل فعل من منطلق كونهما منفعل / فاعل، يقول ابن عربي: ” فإن كل منفعل رتبته رتبة الأنثى وما تم إلا منفعل، والفعل مقسم على الحقيقة بين الفاعل والمنفعل ، فمن الفاعل الاقتدار ومن المنفعل القبول للاقتدار عليه “[10].
وأن تكون الأنثى محل الانفعال هو تأكيد لأبعاد هذه العملية الخلاقة والاستراتيجية ، إبراز لأهمية التأنيث المعول عليه ، ولمنزلته في الوجود، أو لتلك الأنيما L’Anima القوة الأنثوية المحررة التي تصير نافعة ومؤكدة.
يمكن في هذا السياق ، اعتبار كتاب ابن عربي (ترجمان الأشواق )، تعبيرا عن هذه الفاعلية المشتغل عبر الفتنة : فتنة الكيان ، المجسد وفتنة اللغة في آن ، أو فتنة التأويل وفتنة الأنثى – الخطاب معا.
وتتحدد الفاعلية والانفعالية عند ابن عربي كعلاقة أو نسبة ، والنسب ليست من حقائق الكائن عنده لأنها مجرد أعراض يقول ابن عربي في رسالته عقلة المستوفز في باب الكمال الإنساني : “فكلامنا إذا في صورة الكامل من الرجال والنساء فإن الانسانية تجمع الذكر والأنثى ، والذكوريّة و الأنوثية إنما هما عرضان ليستا من حقائق الانسانية …”[11]
الأنوثة مبدأ كوني لأن صور الكون ذات طبيعة انفعالية
ينطلق ابن عربي من مبدأ هو أنه لا يوجد في الوجود إلا الحق وأعيانه وصوره ، والكون هو صور الحق المنعكسة في مرآة الوجود وتحمل الصورة سمات المتجلي ، فما يُطبع في الصورة من موجودات كونية يجد أصله في الوجود الإلهي وهو شأن الأزواج المفاهيمية : الجمال والجلال ، الوحدة والكثرة ، القدم والحدوث …..) [12] وهذه الصور للموجودات هي ذات طبيعة انفعالية لذا يصرح الشيخ الاكبر بأنه ما تمَّ إلا منفعل إذ أن كلّ ما سوى الله فهو منفعل أي محل يتميز بالاستعداد للتلقي والتأثر فتسري الأنوثة كمبدأ كوني على اعتبار ان الكون محل لفعل الخالق .
وهنا نفهم عمق الدلالة في “الوصية الحكمية ” الوصية الاولى في كتابه الوصايا :
إنَّا إنَاثٌ لما فِينَا يُولِّده
فلنحمد اللّه مَا فِي الكونِ من رَجلِ
كون الانسان مرآة التجليات الاسماء والصفات الالهية وهو محل استقطاب للافعال الإلهية ، و هذا الإستعداد للقبول ، خاصية ذاتية تميز المحل وبفعل هذه الخاصية وُجدَ الكون لأن كل الموجودات قي تمتلك قابلية المحل إلا الله والمحل عند بن عربي لا يعني أنه المكان لأنه يقول ب “أينية المحل “بتعبير ابسط هو “أين تتجه الصورة ” فإن المحل هو القابل للتلقي ….
يقول ابن عربي :” وليس (تعالى )محل حوادث بل الأعيان محل الحوادث وهو عين الحوادث عليها ، فإنها محال ظهوره …فما هو لنا بأين ونحن له أين ، فمن لا أينية له هو نحن ، فأعياننا أين لظهور …….”[13] وميزة العين هي الرؤية وخاصية المحل هي تلقي أثر المتجلي أي أثره أو صورته مما يجعل من المحل مرآة وموضوع للرؤية .
المرآة كمفهوم هي تجسيد لمبدأ الأنوثة
الأنثى عند الشيخ الأكبر محل، والمحل مرآة ، والرؤية كعلاقة بين المرآة والمتجلي وصورته هي أساس الإيجاد ، ويتطلب هذا الإيجاد محلا أصليًّا يقبل تجلي الوجود المطلق ويتمثل في الأعيان الثابتة ، ويُعد ابن عربي أول من استعمل مصطلع الأعيان الثابتة بمعنى الحقائق الباطنية للأشياء [14].
وجلاء مرآة الوجود يرجع إلى فعل التنفيس كحركة رحمة وارتياح وذلك لقوة تأثير الحبّ وإذا سألنا “من أين الحب ؟” يجيب ابن عربي :” من تجليه في اسمه الجميل “…… ” فإن قلت وما الجمال ؟ ” قلنا نعوت الرحمة والألطاف من الحضرة الإلهية باسمه الجميل “[15]
فحضورالمرآة في فكر ابن عربي يتعلق بطرحه لمبدأ الأنوثة على المستوى الأنطولوجي ، فالمرآة ارتبط تاريخيا بالجمال والخيال والحب والمرأة … وكل تركيبات هذه المفردات وعناصرها جعلها تقترن بعالم الطبيعة والانفعال ومن ثم الزوال ، كما ان الأنوثة احتلت في إطار التفكير الفلسفي مرتبة النقص والتبعية على اساس إعطاء الافضلية للفاعل بالنسبة للمنفعل .
اما عند ابن عربي فإنه إستمد المقولات المتداولة في عصره (الفاعل والمنفعل ) وافرغ هذه المفاهيم من مضامينها السابقة ليعيد بناءها على أساس إلغاء الأفضلية والتراتتبية .
وقد اعتمد ابن عربي في بنائه لمبدأ الأنوثة على مبادئ :
- مبدأ التثليث بدل مبدأ الهوية .
- انطلق من علم النكاح عوضًا عن التأمل .
- اعتمد على مبدأ المحبة كأصل للمعرفة والإيجاد بدلا من اعتماده على العقل .
هذا من ناحية مبدأ الانوثة عند ابن عربي أما من حيث الكتابة نفسها، فهي تنخرط في رقصها الانخطافي المؤنث ،عبر التأرجح الذي تلج حيزه باستدعائها لحميمية الأنثوية وفتنتها ، تنسكن بنوع من الكتابة البيضاء، المعتمة التي تتشظى في آثارها traces، في انمحاءاتها في صمتها، وفي اللامفكر فيه الذي تكتنزه ، تكتبه وتمحوه ، لتصير أثر الأثر trace d’une trace ، أو لتنوشم باستحالة الكتابة ، بنوع من الاشتغال الهرمسي ، الفعال في العمق الفاصل و الرابط بين حافتي ثنائية الجنسين في آن واحد Ie pli des deux sexes ، لأن خط الأنثوي ، يمر في ترحاله الباذخ بينهما.
بهذا المعنى يكون ابن عربي أحد القلائل الذين ورطوا الكتابة في مساءلة الأنثوي، والذين اندمجوا في تحقق الهدف الملغّز لفعل الكتابة والذي هو : اطلاق الصيرورات من قيودها ، déchainer les devenirs .
______
المراجع :
- ابن عربي ، الوصايا ، مطبعة كرم ، دمشق ، سوريا ، 1958 .
- ابن عربي ، الفتوحات المكية ، دار صادر، د.ت بيروت، لبنان .
- ابن عربي ، فصوص الحكم ، دار الكتاب العربي، بيروت لبنان 1980.
- ابن عربي ، عقلة المستوفز / من مجموعة رسائل ابن عربي ، دار الانتشار العربي ، بيروت، لبنان 2002 .
- أدونيس ، الصوفية والسوريالية ، دار الساقي، بيروت، لبنان، 1992.
- منصف عبد الحق : الكتابة والتجربة (نموذج محي الدين بن عربي)، منشورات عكاظ، الرباط ، 1988.
- Derrida, Eperons, Falmmarion/champs, 1987.
- Blanchot; la communaute, inavouable, Mnuit, . 1983, P.91
- The Mystical Philosophy of Muhyid-in Ibn Arabi , Ed. A.M.S Press, New York 1974 , p.41
____
الهوامش :
[1] الوصايا ، ابن عربي، مطبعة كرم ، دمشق ، سوريا ، 1958 ، ص.4 .
[2] – منصف عبد الحق : الكتابة والتجربة (نموذج محي الدين بن عربي)، منشورات عكاظ، الرباط، ط1 1988، ص 198.
[3] – ابن عربي : الفتوحات المكية، دار صادر بيروت، ج3، ص 457.
[4] – ابن عربي : المصدر نفسه ، ج 3، ص 132.
[5]الفتوحات المكيَّة ، ابن عربي ، دار صادر ، الجزء الأول ، ص. 2 – 3 .
[6] أدونيس : الصوفية والسوريالية، أدونيس : الصوفية والسوريالية، دار الساقي، بيروت، 1992،ص166.
[7] Derrida, Eperons, Falmmarion/champs, 1987.p 35
[8] ابن عربي ، فصوص الحكم – دار الكتاب العربي 1980، بيروت ص 220ـ 218.[9] Blanchot; la communaute, inavouable, Mnuit, . 1983, P.91 [10] الفتوحات المكيَّة ، مرجع سابق ،الجزء الأول ، ص.507
[11] عقلة المستوفز / رسائل ابن عربي ، ابن عربي ، ، ط1 ، دار الانتشار العربي ، بيروت ،لبنان 2002 ، ص.75
[12] حسب فلسفة ابن عربي فإن هذا التقابل لا يتعلق بذات الله بل بأسمائه ويتمثل عبر المراتب الأولى للوجود في الحضرة الثالثة .
[13] الفتوحات المكيَّة ، مرجع سابق ،الجزء الثاني ، ص.74 – 75 .
[14] The Mystical Philosophy of Muhyid-in Ibn Arabi , Ed. A.M.S Press, New York 1974 , p.41
[15] الفتوحات المكيَّة ، مرجع سابق ،الجزء الثاني، ص. 114 – 133
المصدر مشاركة من الكاتب .