آمال ابراهيم محمد
تظهر الانغام الموسيقية واضحة جلية في العديد من الطقوس التعبدية، مثل الاذان، وترتيل القرآن، والتمجيد واستقبال وتوديع شهر رمضان، وتكبيرات صلاة العيد، اضافة للانغام والمقامات العراقية التي تصاحب حفلات الذكر بانواعه، والمولد النبوي والتهليلة وتقدم هذه الحفلات الدينينة في مناسبات ذكرى ولادة الرسول ، والاحتفال بذكرى الاسراء والمعراج، وليلة القدر، اضافة للمناسبات الاجتماعية الحزينة، والمفرحة مثل العودة من الحج او السكن في بيت جديد، او ايفاء النذور ذلك ان الموسيقى كانت ولا تزال “تربط العالمين الديني والدنيوي عند المسلمين وغير المسلمين” “حتى ان الملا عثمان الموصلي رفض ان يعلم بعض الطلاب قراءة القرآن الكريم، اذا لم يجيدوا معرفة غناء المقام العراقي قائلاً لهم:
ان قارئ القرآن الذي لا يعرف الانغام والمقامات كالذي بيته في الصحراء دون بوصلة” كما تقول د.شهرزاد قاسم حسن في (الديني والدنيوي في الموسيقى).
الحفلات الدينية والتصوف
ارتبط مفهوم التصوف بمدينة بغداد.. اذ ان “انطلاقة التصوف الاسلامي في القرن السادس الهجري كان من العراق الى سائر بلاد المشرق..
كما ان “بغداد مدينة للتصوف مثلما هي مدينة للعلم، وقد فتح اقبال البغداديين على الغناء، افاقاً واسعة أمام الشعراء، واخذ بعض انواع الشعر او الشعر الشعبي يظهر على السنة المغنين.. فكان ظهور الغناء الصوفي ثمرة التفاعل بين التصوف والاجواء البغدادية..” عزيز السيد جاسم في متصوفة بغداد.:
“…وفي النطاق نفسه انتشرت القراء المنغمة للقرآن..” والتصوف هو “خلاصة شاملة للحياة، يصبو برأفة ورقة الى الاجابة عن كبريات الاسئلة الوجودية..” (خنشلاوي.. الجزائر) وهو ايضاً “الوقوف مع الآداب الشرعية، مذهب كله جد فلا يخلطونه بشيء من الهزل..” وتنسجم موسيقى التصوف مع هذه الآداب فجاءت تحمل الرزانة والبطء والحزن.
وظهر عدد كبير من “المبدعين من الشعراء والمنشدين والموسيقيين من المتصوفة، من الذين حملوا راية الموسيقى العالية، اذن ان الهيئات الدينية الرصينة اقرت بمكانة الموسيقى واهميتها، وسمحت باستعمال الانغام والآلات في الصلوات والطقوس التعبدية” –جلال الحنفي في مقدمة الموسيقى.
اضافة الى (الاشكال الفنية الاخرى كالرقص، والشعر والمنمنمات لتزيين المؤلفات).
الآذان
يقول بطرس البستاني في (محيط المحيط):
“اذن المؤذن بالصلوات اعلم بها”..
وتغلب على نغمة الآذان في بغداد انغام المقام العراقي مثل انغام مقام الحجاز والكرد والعجم.. ويراعي المؤذن اختيار النغمة المناسبة، بالابتعاد عن نغمة (مقام الحديدي الحزينة) واستبدالها بالنغمة العالية المفرحة كنغمة (مقام المنصوري) (الشيخ جلال الحنفي.. مقابلة في جامع الخلفاء -2003).
وهناك من المصلين ممن يستأنسون ببعض انغام المقام العراقي، فيطلبونها من المؤذن قبل رفع الآذان بوقت مناسب.
تجويد القرآن
التجويد.. هو “فن تلاوة القرآن الكريم اداء ونغماً والمصطلح قديم جداً”. امتاز تجويد القرآن الكريم في بغداد باحتوائه الكثير من انغام المقام العراقي.. ومن الجدير بالذكر إن انغام المقام لا تصلح جميعها في تجويد القرآن. وتظهر في تلاوة القرآن الاقليمية، مثل المغاربية التي يتوضح فيها التقطيع والمصرية تتميز بالبطء والوتيرة الواحدة، في حين تتميز القراءة العراقية بكثرة الانغام التي قد تصل الى ثلاثين نغمة.
تكبيرات العيد
تتميز صلاة اليوم الاول لعيدي (الفطر والاضحى) بالتكبير بالفاظ يرددها المصلون في الجوامع، منغمة على انغام مقام الجهاركاه.
التمجيد
وهو “التغني بالفاظ وتسبيحات ليالي الجمع وظهر يومها على سطح المسجد الجامع ومئذنته بالحان معلومة”.
ويبدأ التمجيد بقراءة سورة الفاتحة، ثم الفاظ خاصة بالتسبيح وبعض قصائد الفخر والتصوف والرجاء، تقرأ على انغام مثل (نغمة مقام الارواح والمخالف والمحمودي والعجم عشيران) ومن المتعارف ختام التمجيد بنغم مقام الصبا.. وكانت بغداد تختار لمهمة التمجيد كبار مغنيها امثال: احمد الزيدان ممجد جامع منّورة خاتون والحاج جميل البغدادي ممجد جامع المرادية ونجم الشيخلي ممجد الحضرة الكيلانية –جلال الحنفي في (المغنون البغداديون).
استقبال وتوديع شهر رمضان
يستقبل شهر رمضان قبل عدة ايام من قدومه ببعض العبارات والاشعار المنغمة على مآذن الجوامع اذ تتلى الألفاظ على نغم مقام الحكيمي، ويودع في الخمسة ايام الاخيرة من رمضان بقراءة الفاظ وأشعار مناسبة تصف اهمية الشهر وفضائله، على انغام مقام السفيان الحزينة.
المنقبة النبوية
هي احتفال ديني يقام في المناسبات الدينية، مثل ليلة القدر والاسراء والمعراج والمولد النبوي وهي “وعاء واسع للمقامات والانغام، تضم عشرات الاشغال من تواشيح وتنزيلات تبلغ القمة في الاجادة النغمية”.
تقدم المنقبة النبّوية مجموعة من الرجال (الشيخ والشغالة) يقدمون المقام العراقي ومجموعة من التنزيلات والمدائح النبوية من الشعر الفصيح والعامي.
الاذكار
وهو “طقس صوفي اسلامي تؤدى فيه القصائد بصيغة المقام العراقي، تصاحبه قرارات الذكارة او مجموعة مؤدي الذكر”. تقدم حفلة الذكر في الاضرحة والجوامع والبيوت وهناك انواع من الذكر تختلف باختلاف الطرق الصوفية كالطريقة القادرية والرفاعية، ويمتاز كل ذكر بقراءة مجموعة من المقامات تقرأ حسب نظام الفصل.
المولد النبوي
ويسمى محلياً (المولود) يتضمن قراءة مجموعة من المقامات العراقية، تتوزع على فصول، وكل فصل يضم عدداً مختلفاً من المقامات. اضافة لنظم مجموعة من الاشعار تلحن خصيصاً للمولد، او تقتبس الالحان من الاغاني والبستات المحلية الشائعة، وتقرأ في المولد مجموعة من شعر الابوذية.
حفلة التهليلة
وهي “حفلة شبه دينية” تنشد فيها التواشيح والتسبيحات من قبل بعض الملالي المتخصصين” تقرأ في حفلة التهليلات مجموعة من المقامات العراقية، يرافقها همهمات يؤديها الشغالة بترديد (لا اله إلا الله) تسمى (الونّه)، تنغم بنغم يناسب المقام المؤدى، فاذا كان القارئ يقرأ مقام البيات، فأن الشغالة يرافقونه بـ(ونّة البيات) لتسهيل مهمة القارئ في قراءة المقام، لعدم استخدام الآلات الموسيقية.
الآلات الموسيقية المستخدمة
يستخدم الصوفية العديد من الآلات الموسيقية كالآلات الايقاعية والهوائية والوترية، وبعض الفرق الصوفية تستخدم الآلات الايقاعية فقط وهي مجموعة من آلات الدف.
والدف عبارة عن اطار دائري، يرمز عند المتصوفة الى الدائرة وتعني عندهم الحركة اللانهائية للكون وتثبت على الدف مجموعة من الحلقات المستديرة، كما ان عدد السلاسل المثبتة تتفق مع عدد اسماء الله الحسنى وللدف اهمية كبيرة، فصوته يلهم المبتدئين ويشوقهم لاداء الذكر.. ووسيلة المتصوف للوصول الى حالة من الوجد وقد يكون (اقصى مراتب الوجد الصوفي) وفقدان الاحساس بالواقع الخارجي، حتى ينسى المتصوف جسده في حفلة ضرب الجسد على ايقاع الموسيقى.. وهناك الآت اخرى مثل النقارة يستخدمها الدراويش الاكراد مثل (البرزنجية والبندنيمي والرفاعي) اذ يتم استخدامها في فصل التوحيد.
_______
الهوامش :-
المصادر الشفوية:
-(مقابلات مع الشيخ جلال الحنفي- جامع الخلفاء 2003) المصادر المكتوبة
1-بطرس البستاني- محيط المحيط- بيروت 1987
2-جلال الحنفي (الشيخ):
أ-المغنون البغداديون والمقام العراقي- بغداد 1964
ب-معجم اللغة العامية البغدادية- بغداد 1980
جـ-مقدمة في الموسيقى العربية- بغداد 1989 .
3-ختشلاوي (د)- الجزائر دار الهجرة ومستقر الايمان.
4-عزيز السيد جاسم- متصوفة بغداد- بغداد1990
5-شهرزاد قاسم حسن: أ-الآلات الموسيقية في المجتمع التقليدي في العراق- بيروت 1990 . ب-الديني والدنيوي في الموسيقى خلال العصر العثماني المتأخر في العراق- الاردن-2003 .
________
المصدر : جريدة المدى
http://www.almadapaper.com/sub/05-682/p16.htm