الشيخ الأكبر ابن عربي
الأمية عندنا لا تنافي حفظ القرآن، ولا حفظ الأخبار النبوية، ولكن الأمية عندنا من لم يتصرف بنظره الفكري وحكمه العقلي في استخراج ما تحوي عليه من المعاني والأسرار وما تعطيه من الأدلة العقلية في العلم بالإلهيات، وما تعطيه للمجتهدين من الأدلة الفقهية والقياسات والتعليلات في الأحكام الشرعية، فإذا سلم القلب من علم النظر الفكري شرعاً وعقلاً كان أمياً وكان قابلاً للفتح الإلهي على أكمل ما يكون بسرعة دون بطء ويرزق من العلم اللدني في كل شئ ما لا يعرف قدر ذلك إلا نبي أو من ذاقه من الأولياء، وبه تكمل درجة الايمان ونشأته ويقف بهذا العلم على إصابته الأفكار وغلطتها وبأي نسبة ينسب إليها الصحة والسقم وكل ذلك من الله، ويعلم مع حكمه بالباطل أنه لا باطل في الوجود إذ كان كل ما دخل في الوجود من عين وحكم لله تعالى لا لغيره، فلا عبث ولا باطل في عين، ولا حكم إذ لا فعل إلا الله ولا فاعل إلا الله، ولا حكم إلا الله، ولا حاكم إلا الله، فمن تقدمه العلم بما ذكرناه فبعيد أن يحصل له من العلم اللدني الإلهي ما يحصل للأمي منا الذي ما تقدمه ما ذكرناه فإن الموازين العقلية وظواهر الموازين العقلية وظواهر الموازين الإجتهادية في الفقهاء ترد كثيراً مما ذكرناه، إذ كان الأمر جلة ومعظمه فوق طور العقل وميزانه لا يعمل هنالك، وفوق ميزان المجتهدين من الفقهاء لا فوق الفقه فإن ذلك عين الفقه الصحيح والعلم الصريح، وفي قصة موسى والخضر دليل قوي على ما ذكرناه فكيف حال الفقيه وأين الأينية وما شاكلها التي نسبها الشارع والكشف إلى الأله من الموازين النظرية والبراهين العقلية على زعم العقل وحكم المجتهد فالرحمة التي يعطيها الله عبده أن يحول بينه وبين العلم النظري والحكم الأجتهادي من جهة نفسه، حتى يكون الله يحابيه بذلك في الفتح الإلهي والعلم الذي يعطيه من لدنه قال تعالى: في حق عبده الخضر عبداً من عبادنا فأضافه إلى نون الجمع آتيناه رحمة من عندنا بنون الجمع وعلمناه بنون الجمع من لدنا بنون الجمع علماً أي جمع له هذا الفتح العلم الظاهر والباطن وعلم السر والعلانية وعلم الحكم والحكمة وعلم العقل والوضع وعلم الأدلة والشبه، ومن أعطي العلم العام وأمر بالتصرف فيه كالأنبياء ومن شاء الله من الأولياء أنكر عليه ولم ينكر هذا الشخص على أحد ما يأتي به من العلوم، وأن حكم بخلافه ولكن يعرف موطنه وأين يحكم به فيعطي البصر حقه في حكمه وسائر الحواس، ويعطي العقل حكمه وسائر القوى المعنوية ويعطي النسب الإلهية والفتح الإلهي حكمهم فبهذا يزيد العالم الإلهي على غيره وهو البصيرة التي نزل القرآن بها في قوله تعالى: أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن أتبعني وهو تتميم قوله تعالى: بعث في الأميين رسولاً منهم فهو النبي الأمي الذي يدعو على بصيرة مع أميته والأميون هم الذين يدعون معه إلى الله على بصيرة فهم التابعون له في الحكم .
________
المصدر :-
– الشيخ ابن عربي – الفتوحات المكية – ج 2 ص 644-645