يقول الدكتور حسن الشرقاوي :
« الأبدال إحدى المراتب في الترتيب الطبقي للأولياء عند الصوفية ، لا يعرفهم عامة الناس – أهل الغيب – وهم يشاركون بما لديهم من اقتدار له أثر في حفظ نظام الكون (1). وهم أهل فضل وكمال واستقامة واعتدال ، تخلصوا من الوهم والخيال ، ولهم مظاهر أربعة : الصمت والجوع والسهر والعزلة ، والأبدال لا ينقصون ولا يزيدون …
وقد سموا البدلاء : لأن البدل إذا ما فارق مكانه خلفه فيه شخص آخر على صورته ولا يشك الرائي أنه البدل . وترتيب الأبدال كترتيب السماوات السبع بحيث يكون ارتباط الأول بالسماء السابعة على الوجه الذي سنوضحه فيما بعد .
ويروى عن سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال : « البدلاء بالشام ، والنجباء بمصر ، والعصائب بالعراق ، والنقباء بخراسان ، والأوتاد بسائر الأرض » .
ويقول يحيى بن معاذ الرازي : « إذا رأيت الرجل يعمل الطيبات فاعلم أن طريقه التقوى ، وإذا رأيته يحدث بآيات الله فاعلم أنه على طريق الأبدال »(2) …
ويقول السيوطي : وقد أنكر عليهم – يقصد أهل الصوفية – بعض العلماء ذكر الأبدال والنجباء والأوتاد والأقطاب ، بزعم أنه لا أصل لذلك في الحديث ، ويرد السيوطي على هذا الزعم قائلاً : لقد وردت الأحاديث والآثار بذلك وقد جمعتها في كتابي ( الخبر الدال ) (3) .
وينقل الشيخ أحمد حجاب عن الشيخ حسن أبو علي أنه كان كثير التطور ، تدخل عليه فتجده جندياً ، وأحياناً تجده صبياً ، وأحياناً تجده سبعاً أو فيلاً ، ويستشهد بما قاله الشعراني في ترجمة الشيخ حسن أبو علي قوله : « إن خصائص هذه الفئة من الأولياء أن الصور التي يتمثلون بها لا تحكم عليهم بها ، بمعنى أنك لو أحدثت في الصور الممثلة مثلاً أو ضرباً أو حبساً أو أي ضرر آخر لم يظهر لذلك أثر في الصورة الأصلية ، ومثل ذلك كمثل التمثيل الحسي الذي يرى بالبصر ، والتمثيل المعنوي الذي يكون في المنام ، فإنه لو تم تمثل ذلك في المنام بذاته وصفاته وضربت أحداً بسكين فسال دمه ، فإن هذا لا يؤثر في عدوك الحقيقي أي تأثير »(4) . ويرى أنه لما كانت روح سيدنا عيسى عليه السلام علوية ملائكية مشرقة بالأنوار الإلهية كانت أقدر على التمثيل من أرواح الأولياء .
وينقل لنا صاحب مدارج السلوك عن ابن عربي في كتابه رحلة الأبدال أنه قال :
يا من أراد منـازل الأبـــدال من غير قصـد منـه للأعمـال
لا تطمعن بها فلست من أهلها إن لم تزاحمهم عـلى حـوال
بيت الولاية قسمـت أركانـــه سادتنـا فيـه من الأبـدال
ما بين صمت واعتـدال دائـم والجوع والسهر النـزيه العالي(5) .
وترتيب الأبدال كترتيب السماوات السبع بحيث يكون ارتباط البدل الأول بالسماء السابعة على الوجه الآتي :
البدل الأول : يحكم الإقليم الأول للسماء السابعة على قلب الخليل .
البدل الثاني : يحكم الإقليم الثاني للسماء السادسة على قلب موسى .
البدل الثالث : يحكم الإقليم الثالث للسماء الخامسة على قلب هارون .
البدل الرابع : يحكم الإقليم الرابع للسماء الرابعة على قلب إدريس .
البدل الخامس : يحكم الإقليم الخامس للسماء الثالثة على قلب يوسف .
البدل السادس : يحكم الإقليم السادس للسماء الثانية على قلب عيسى .
البدل السابع : يحكم الإقليم السابع للسماء الأولى على قلب آدم (6) .
ويقول الإمام الشعراني : إنه تنـزل عليهم العلوم لكل يوم علم من رقائق على قلب من هؤلاء – ويلي هؤلاء في المقام النجباء والرجباء والنقباء وأهل الغيب وأهل النجدة ، وغيرهم ، وكل منهم ينظم عملاً في الحكومة الباطنية ويستهدف رسالة فيها (7) .
ويروي صاحب روض الرياحين عن الخضر أنه قال : « ثلاثمائة من الأولياء ، سبعون هم النجباء ، وأربعون هم أوتاد الأرض ، وعشرة هم النقباء ، وسبعة هم العرفاء ، وثلاثة هم المختارون ، وواحد منهم هو القطب الغوث الفرد »(8) …
ولا تتفق الروايات المختلفة الواردة في كتب الصوفية على رأي في تفصيلات هذا النظام الطبقي ، كذلك يوجد خلاف كبير في الرأي حول عدد الأبدال ، فيرى البعض مثلاً كابن حنبل والهجويري أنهم أربعون ، ويقول المكي أنهم ثلاثمائة ، ويقول ابن عربي أنهم سبعة .
والرأي الغالب أن الأبدال في الطبقة الخامسة من طبقات الأولياء التي تنحدر من القطب الأعظم ، ويتقدم عليهم بعد القطب الذي يأتي في المرتبة الأولى الإمامان ثم الأوتاد ، ثم الأفراد السبعة ، ويأتي بعد الأبدال الذين هم في الطبقة الخامسة النجباء ، ثم النقباء ، ثم العصائب ، فالحكماء أو المفردون ، ثم الرجبيون ( الرجباء )(9) .
وكل طبقة من الطبقات العشر لها إقليم خاص ومجال عمل خاص ، فإذا خلا مكان في طبقة ملء بعضو من أعضاء الطبقة التي هي دونها مباشرة ، ويرى بعضهم أن مقام الأبدال ( ويسمون أيضاً الرقباء في سورية ) مقام عال ، إذ بتوسلهم وشفاعتهم يستنـزل المطر ويجلب النصر على العدو وتتقى النكبات العامة »(10) .
__________
الهوامش :
(1) – دائرة المعارف الإسلامية – العدد 2 ص 142 .
(2) – د . أبو العلا عفيفي – التصوف الإسلامي – ص 20 .
(3) – الإمام جلال الدين السيوطي – تأييد الحقيقة – ص 89 .
(4) – الشيخ أحمد حجاب – العظة والاعتبار – ص 41 .
(5) – الإمام أبي بكر محمد بناني – معراج السلوك إلى ملك الملوك – ص 21 .
(6) – الشيخ ابن عربي – الفتوحات المكية – ص 370 – 376 .
(7) – الشيخ عبد الوهاب الشعراني – اليواقيت والجواهر – ج2 ص 82 .
(8) – الشيخ عبد الله اليافعي – روض الرياحين في حكايات الصالحين – ص 172 .
(9) – دائرة المعارف الإسلامية – العدد 2 ص 142 .
(10) – د . حسن الشرقاوي – معجم ألفاظ الصوفية – ص 22 – 25 .