( المرأة في تكوينها العقلي تساوي الرجل ، فليس للرجل رأس ، وللمرأة نصف رأس ، ولا يأتي الفرق إلا من تقييد المرأة في البيت ) جمال الدين الأفغاني .
( كل ما يعاب الآن على المسلمين ليس من الإسلام ، وإنما هو شيء آخر سموه إسلاماً ) . الإمام محمد عبده ص 120 من كتاب (العلم والمدينة) .
( لم يحترم أحد المرأة كما احترمها محمد بن عبد الله ، ولم يسمُ بها أحد إلى المكان اللائق بها ، كما سما بها محمد بن عبد الله ) الدكتور محمد حسنين هيكل باشا ص 326 من كتابه (حياة محمد) .
( الدرجة التي جعلها القرآن للرجال على النساء ، ليست هي درجة القوامة والوصاية ، وإنما هي درجة الإحسان في المعاشرة الزوجية ، والإحسان في المفارقة ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) فهي درجة تجعل الرجال أكثر إنسانية وذوقاً وكياسة ) . ( د. محمد البهي ص 332 من كتابه (الفكر الإسلامي والمجتمع المعاصر) .
وبادئ ذي بدء ، أعني بالإسلام الأصيل ، القرآن ، لا تفاسير القرآن الكريم ، والسنة المحمدية المفسرة لهذا القرآن في جلاء ووضوح ، لا الأحاديث أو المأثورات المنسوبة إلى رسول الإسلام ظلماً وعدواناً ، ثم الممارسة العملية للقرآن الكريم والسنة الصحيحة في العهد الإسلامي الأول ، ولا سيما عهد الرسول وخليفتيه الراشدين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب ثم ما تيسر من الأحكام الإسلامية الفقهية الحرة المسايرة للتطور الزاحف إلى الأمام . وقد سبق أن قلنا في معرض الحديث عن ( استقلال المرأة عند عرب الجاهلية قبل الإسلام ) .
إن تسجيلنا لأفضال الإسلام على تحرير المرأة واستقلالها لا يجوز أن يكون على حساب الإنصاف للحقيقة والتاريخ . وقد قررنا إنصافاً للحقيقة والتاريخ أن المرأة العربية قبل الاسلام كان لها نصيب لا يستهان به من حرية الرأي وقوة الشخصية وسلامة المنطق عند كثير من القبائل العربية ولم تكن نهباً مباحاً لكل رجل ، كما زعم بعض الباحثين ذاهبين إلى أن العرب قبل الإسلام ( لم يعرفوا زواجاً مستمراً ترتبط فيه المرأة برجل معين لأجل غير مسمى … ) فقد عرفت المرأة العربية قبل الاسلام هذا الزواج المستمر المشروع ، كما عرفت المنحرفات من النساء عن سبيل العفة والشرف أنظمة أخرى للاتصال الجنسي بالرجل – كما أشار إلى ذلك تفصيلا حديث روته السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق وزوج رسول الاسلام () ولما جاء الإسلام بدد بنوره الوهاج كثيراً من الظلمات والمظالم الاجتماعية التي أطبقت على (حواء) منذ اللحظة الأولى لمولدها :
أولا : كان كثير من العرب قبل الاسلام يكرهون الأنثى ويضيقون ذرعاً بمولدها الذي كانوا يعتبرونه نقمة لا نعمة ومحنة لا منحة ونذيراً بالشر لا بشيراً بالخير ، كما ينطق بذلك قولهم في التهنئة بمولدها مشفقين على أهلها وأبويها : ( آمنكم الله عارها ، وكفاكم مئونتها ، وصاهرتم القبر ) .
وكانت بعض القبائل العربية وهي القبائل الخمس الآتية تميم وقيس وأسد وهذيل وبكر بن وائل تسارع إلى وأدها ودفنها في التراب قبل أن ترى النور والحياة ، كما افتخر بذلك – ويا للعجب – قيس بن عاصم عقب إسلامه قائلاً لرسول الإسلام : كنت أخاف سوء الأحدوثة والفضيحة في البنات فما ولدت لي بنت قط إلا وأدتها .. وما كان العرب يئدون البنات دون الذكور إلا لأنهم كانوا يعتقدون أن البنات رجس من خلق الشيطان ، لا من خلق آلهتهم .
فأبدلهم الإسلام من كراهية الأنثى حباً لها وفرحاً بمولدها بأحاديث نبوية كثيرة يرجع إليها في مظانها وحسبنا منها : ( لا تكرهوا البنات ، فأنا أبو البنات ) ( ما أكرم النساء إلا كريم ، ولا أهانهن إلا لئيم ) ( استوصوا بالنساء خيراً ) إلى آخر أحاديث الرسول الإنسان الأول الذي كما كني بكنية أبي القاسم أكبر أولاده الذكور ، كني بكنية أبي الزهراء كبرى أولاده البنات . وكما احتفل بحفيديه الحسن والحسين ولدي فاطمة الزهراء ، احتفل بحفيدته أمامة بنت ابنته زينب التي كان يحملها في حنان وحنين ، وفي أثناء وقوفه مصلياً لله رب العالمين .
وحمل الإسلام حملته على جريمة وأد البنات بآيات كثيرة يكفينا منها قوله تعالى : ( وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت ) ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ) ( وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسوداً وهو كظيم ) وبهذه الروح الجديدة المجيدة تشبع الأدب الإسلامي نثراً وشعراً في نظرته إلى الأنثى منذ إنصاف الإسلام لها ، وحفاوته بها كحفاوته بالذكر في يوم المولد ، وفي اليوم السابع للمولد .
ثانياً : كان كثير من العرب يعتبرون عقد الزواج من إحدى بناتهم (صفقة تجارية) كما يدل على ذلك أن البنت في معجمات اللغة العربية بلقب (النافجة) ومن ذلك قولهم في التهنئة بمولدها أحيانا : هنيئاً لك النافجة أي المنفجة لمالك بما تأخذه من مهرها – وهو العوض الذي يدفع لأهلها – وبما تأخذه من صداقها – وهو العوض الذي يدفعه الرجل لها ، وبفضل المهر والصداق ينتفخ ويتضخم مال والدها – وهذه النظرة إلى البنت كسلعة تجارية قد أبدلهم الإسلام منها نظرة إلى عقد الزواج كرباط مقدس ، وآية ربانية عالمية شاملة : ( سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون ) وقد وصفه بالميثاق الغليظ ، وأقامه على أمتن الدعائم والأركان من السكينة والمودة والرحمة قائلاً : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) وفي ظلال السكينة والمودة والرحمة لا وجه لاعتبار هذه الرابطة المقدسة سلعة تجارية ، ولا مكان للمغالاة في المهر والصداق ، تلك المغالاة التي عرفت بها بعض القبائل العربية – ولا سيما قبيلة كندة – وأعلن الإسلام الحرب على هذه المغالاة بالقول والعمل :
أما القول فيكفينا منه الحديث الشريف : ( أخير النساء أيسرهن صداقاً ) وأما العمل فقد اكتفى من المهر بخاتم من حديد ، فإن لم يتيسر فبتعليم ما تيسر من آيات القرآن الكريم ، وما أصدق الرسول نفسه نساءه وبناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية – كما قال عمر بن الخطاب – وأقل المهر في الفقه الإسلامي السمح لا يزيد عن خمسة وعشرين قرشاً ، ولحرص الإسلام على كرامة المرأة بحرصه على حقها في المهر أبطل الزواج الذي كان معروفاً في الجاهلية بزواج (الشغار) الذي سمي بهذا الاسم لخلوه من المهر ، وهو الزواج القائم على اتفاق رجلين فيما بينهما على أن يزوج كلاهما الآخر ابنته أو أخته بدون مهر مطلقاً ، وكأنها سلعة تجارية تبادل بسلعة تجارية أخرى ، ولحرص الإسلام على كرامتها وحريتها واستقلالها كفل لها قبل الزواج حقها كاملا في اختيار أو رفض من يتقدم لزواجها – كائناً من كان ، وكائناً ما كان موقف والديها أو أسرتها – بكراً كانت هذه المرأة أو ثيباً :
فهذه فتاة بكر شكت إلى رسول الإسلام أن أباها أرغمها على الزواج من رجل يريده هو ولا تريده هي ، فأذن لها الرسول في فسخ عقد زواجها معلناً أنه ليس للآباء من أمر بناتهم شيء .
وهذه السيدة خنساء بنت خزام الأنصارية تشكو إلى رسول الله () أن أباها لم يأذن لها في اختيار الرجل الذي اختاره قلبها ، وأرغمها على الزواج من رجل آخر ، فقال لها الرسول : لا نكاح له ، انكحي من شئت ، ورد نكاح أبيها ، وأذن لها في الزواج ممن اختارته هي على الرغم من أبيها
______________________
المصدر :
الغزالي حرب – استقلال المرأة في الإسلام – ص 31- 34