د.محمد عمارة .
من التهم المفتراة على الإسلام انه ينتقص من اهلية المرأة، فيجعلها نصف انسان وذلك عندما يجعل شهادتها نصف شهادة الرجل.. والسبب الاول في هذا الافتراء هو الجهل الفاضح بالاسلام7 ونحن ندعو هؤلاء الجاهلين الى قراءة فتوى الامام الاكبر الشيخ محمود شلتوت (1310 هـ ـ 1963م) التي يقول فيها: «ان قول الله تعالى: فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ـ البقرة ـ 282 ـ ليس واردا في مقام الشهادة التي يقضي بها القاضي ويحكم، وانما هو وارد في مقام الارشاد الى طرق الاستيثاق والاطمئنان على الحقوق بين المتعاملين وقت التعامل، فالمقام مقام استيثاق على الحقوق، لا مقام قضاء بها، والآية ترشد الى افضل انواع الاستيثاق الذي تطمئن به نفوس المتعاملين على حقوقهما. وليس معنى هذا ان شهادة المرأة الواحدة أو شهادة النساء اللاتي ليس معهن رجل، لا يثبت بها الحق ولا يحكم بها القاضي، فإن اقصى ما يطلبه القضاء هو «البينة». وقد حقق العلامة ابن القيم ان البينة في الشرع اعم من الشهادة وان كل ما يتبين به الحق ويظهره هو بينة يقضي بها القاضي ويحكم. واعتبار المرأتين في الاستيثاق كالرجل الواحد ليس لنقص عقلها الذي يتبع نقص انسانيتها ويكون اثرا له، وانما هو كما قال الامام محمد عبده «لأن المرأة ليس من شأنها الاشتغال بالمعاملات المالية ونحوها من المفاوضات، ومن هنا تكون ذاكرتها فيها ضعيفة، ولا تكون كذلك في الامور المنزلية التي هي شغلها، فإنها فيها اقوى ذاكرة من الرجل، ومن طبع البشر عامة ان يقوى تذكرهم للأمور التي تهمهم ويمارسونها، ويكثر اشتغالهم بها.
واذا كانت الآية ترشد الى اكمل وجوه الاستيثاق، وكان المتعاملون في بيئة يغلب فيها اشتغال النساء بالمبايعات وحضور مجالس المداينات، كان لهم الحق في الاستيثاق بالمرأة على نحو الاستيثاق بالرجل. هذا وقد نص الفقهاء على ان من القضايا ما تقبل فيه شهادة المرأة وحدها، وهي القضايا التي لم تجر العادة باطلاع الرجال على موضوعاتها.. وعلى ان منها ما تقبل فيه شهادة الرجل وحده، وهي القضايا التي تثير موضوعاتها عاطفة المرأة ولا تقوى على تحملها، على انهم قد رأوا قبول شهادتها في الدماء اذا تعينت طريقا لثبوت الحق واطمئنان القاضي اليها وعلى ان من القضايا ما تقبل فيها شهادتهما معا.
وما لنا نذهب بعيدا وقد نص القرآن على ان المرأة كالرجل سواء بسواء في شهادة اللعان، وهو ما شرعه القرآن بين الزوجين حينما يقذف الرجل زوجه وليس له على ما يقوله شهود وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ6 وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ7 عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ8 وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ـ النور 6 ـ 9.
اربع شهادات من الرجل، يعقبها استمطار لعنة الله عليه ان كان من الكاذبين، ويقابلها ويبطل عملها اربع شهادات من المرأة يعقبها استمطار غضب الله عليها ان كان من الصادقين.
فهذه عدالة الاسلام في توزيع الحقوق العامة بين الرجل والمرأة، وهي عدالة تحقق انهما في الانسانية سواء».
هكذا تحدثت فتوى الشيخ شلتوت، فبددت الوهم الشائع لدى قطاعات عريضة من الجاهلين والجاهلات بحقيقة موقف الاسلام من المرأة، اولئك الذين قادهم الجهل الى الافتراء على الاسلام بأنه ينتقص اهلية المرأة فيجعلها نصف انسان.
المصدر : موقع جريدة الشرق الاوسط .
http://www.asharqalawsat.com/leader.asp?section=3&issue=8753&article=136070