وردت هذه اللفظة في القرآن الكريم ست مرات بصيغ مختلفة ، منها قوله تعالى :
( الَّذينَ يَتَّبِعونَ الرَّسولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذي يَجِدونَهُ مَكْتوباً عِنْدَهُمْ في التَّوْراةِ والْأِنْجيلِ ) .
تقول الدكتورة سعاد الحكيم :
« قد سألنا الدكتور عبد الكريم اليافي عن معنى لفظ الأمي في القرآن فأجاب :
للأمي عدة معان :
- نسبة للأم .
- نسبة للأمة عامة .
- نسبة لأمة العرب .
- نسبة لأم القرى .
- نسبة لأم الكتاب .
- نسبة للأمم ، وذلك أن النسبة للجمع ترجع إلى النسبة للمفرد . أي إنه ( أممي ) فبعثته لكل الأمم ، وهذا المعنى هو ما نقول به ونعتمده لكثير من الدلائل ومنها أن الله تعال قال عنه : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ . وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ ) وهذه الآية الشريفة سيتجلى معناها تماماً حين تُملأ الأرض قسطاً وعدلا بعدما مُلئت ظُلماً وجَوراً ، لا بل لكل مخلوقات الله في جميع العوالم في قوله تعالى : ( وَما أرْسَلْناكَ إلا رَحْمَةً لِلعالَمِين ) .
استنتاجات :
- من هذه الأصول يكون أحد معاني الأمي : الذي لا يقرأ ولا يكتب ، كأنه نسب إلى ما عليه جبلته ، أو كأنه بقي كما ولدته أمه لا يكتب ولا يقرأ ؛ لأن الكتابة والقراءة تعليم .
- أو يكون الأمي : بمعنى العربي منسوباً إلى الأمة الأمية ، أو إلى أم القرى أي مكة .
- أو يكون الأمي مفرد الأميين أي : العرب الذين لم يكن لهم كتاب …
وعليه الأمي : يعني النسبة إلى الأمم ، أما أن الرسول لم يقرأ ويكتب فيستدل عليه من الآية ( وَما كُنْتَ تَتْلو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بيَمينِكَ ) .
ورد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : نحن آخر الأمم وأول من يحاسب . يقال : أين الأمة الأمية ونبيها فنحن الآخرون الأولون ) .
وفي الاصطلاح الصوفي
- أولاً : بمعنى الرسول
يقول الشيخ أبو عبد الله الجزولي : « الأمي : هو الذي لا يقرأ الكتاب ولا يكتبه … وهو وصف ذم ونقص في حق غيره ، أما في حقه فهو وصف مدح وكمال ، بل هي معجزة له دالة على صدق نبوته … لأنه مع أنه مع كونه لا يقرأ ، ولا يكتب ، ولم يدارس ، ولم يتلق ممن قرأ ، وكتب ظهر منه من العلوم والمعارف اللدنية ، ومعرفته بأخبار الأمم السالفة وشرائعهم ، واطلاعه على علوم الأولين والآخرين ، بل وأحكامه لسياسة الخلق على تنوعهم ، وإحاطته بجميع مصالح الدين والدنيا ، وتخلقه بكل خلق حسن ، واتصافه بكل كمال الخلق على الإطلاق ما أعجز به جميع الخلق وظهر اختصاصه به لكافتهم . فكان ذلك آية ظاهرة ، وحجة باهرة ، ودليلاً واضحاً من دلائل نبوته ، وكانت أميته كمالاً بيناً لا خفاء به » .
- ثانياً : بمعني الأمي من العباد
يقول الشيخ سهل بن عبد الله التستري : « الأميون : هم الذين صدقوا محمد . نسبوا إليه : لاتباعهم إياه ، واقتدائهم به . ومن لم يقتد به فليس من أمته » .
يقول الشيخ ابن عطاء الأدمي : « الأمي : هو الأعجمي … أعجميا عما دوننا [ دون الله تعالى ] عالماً بنا ، وبما ينـزل عليه من كلامنا وحقائقنا … الأمي : من لم يعلم من الدنيا شيئاً ولا من الآخرة إلا ما علمه ربه ، حالته مع الله حالة واحدة وهي الطهارة : بالافتقار إليه ، والاستغناء عما سواه » .
يقول الشيخ عبد الوهاب الشعراني : « الأميون : هم الذين لم ينتقش في مرآتهم شيء من العلوم الفكرية والنظرية ، فكانت على أصل فطرتها في الصفاء » .
ويقول : « الأمي : ينطق بجوامع الكلم بحسب ما أعطيه من الإرث المحمدي ، فيختصر على المريد الطريق » .
الشيخ ابن علوية المستغانمي يقول : « الأمي عند القوم : من كان له حظ في الأمية النبوية ، وهي متابعة النبي في أقواله وأفعاله وأحواله ، فهذا هو الأمي الحقيقي ، ولو كان عالماً بسائر العلوم » .
ومقام الأمي عند الشيخ علي البندنيجي حيث يقول : « مقام الأمي : هو مقام الذي غض بصره عن علوم الرسوم ، وتلقيه من الحي القيوم » .
ويقول الشيخ ابن عطاء الأدمي عن النبي الأمي : « النبي الأمي : هو النبي الذي لا يدنسه شيء من الأكوان ، يعني : الذي لا يشغله شيء من الكون » .
يقول الشيخ الأكبر ابن عربي : « النبي الأمي : هو الذي يدعو على بصيرة مع أميته ، والأميون : هم الذين يدعون معه إلى الله على بصيرة ، فهم التابعون له في الحكم » .
وفي سبب تسمية النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالأمي ، يقول الشيخ نجم الدين الكبرى : « الأرواح كلها خلقت من روح النبي ، وأن روحه أصل الأرواح ، ولهذا سمى : أمياً ، أي : أنه أم الأرواح . فكما كان آدم عليه السلام أبا البشر ، كان النبي أبا الأرواح وأمها ، كما كان آدم أبا وحواء أما » .
ويقول الشيخ الحسين بن منصور الحلاج : « سماه الحق أمياً : لجمع همته » .
ويقول الشيخ إسماعيل حقي البروسوي : « معنى الأمي : أنه أم الموجودات وأصل المكونات … فلما كان هو أول الموجودات وأصلها سمي : أمياً ، كما سميت أم القرى لأنها كانت مبدأ القرى وأصلها ، كما سمي أم الكتاب » .
ويقول الشيخ الأكبر ابن عربي عن الأمية في سلوك طريق التصوف : « الأمية عندنا من لم يتصرف بنظره الفكري وحكمه العقلي في استخراج ما تحوي عليه من المعاني والأسرار ، وما تعطيه من الأدلة العقلية في العلم بالإلهيات ، وما تعطيه للمجتهدين من الأدلة الفقهية والقياسات والتعليلات في الأحكام الشرعية . فإذا سلم القلب من علم النظر الفكري شرعاً وعقلا ، كان أميا ، وكان قابلا للفتح الإلهي على أكمل ما يكون بسرعة دون بطء ، ويرزق من العلم اللدني في كل شيء ما لا يعرف قدر ذلك إلا نبي أو من ذاقه من الأولياء » .
وفي طريقتنا العلية القادرية الكسنزانية نقول :
- الأمية : هي الرجوع إلى الأصل الروحي والأخذ منه دون غيره ، وهذا ما كان عليه النور المحمدي أثناء انقطاعه في كهف النور أمياً ، أي : راجعاً إلى ربه آخذاً منه فهو أصله الذي منه صدر .
- الأمية : هي حال يرجع بواسطتها المريد إلى مرتبة الفطرة السليمة كيوم ولدته أمه من حيث العقيدة ، وفيه ترتبط روحه بروح الشيخ فتغترف من فيض معينه وترتشف من نبع سره ، وترضع منه العلوم الروحية والأسرار الربانية على قدر استعدادها وقابليتها ووعيها .
- إن المريد في هذا الحال يرفض رفضاً ذاتياً أيةِ معلومات عقائدية عن طريق الفكر أو الحس ، فوقتها تكون محرمة عليه تماماً ، وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى : ( وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ ) ، فالأمية في السلوك تعني : الأخذ من الأصل الروحي وترك ما سواه .
___________
المصـادر :
موسوعة الكسنزان فيما اصطلح عليه أهل التصوف والعرفان للسيد الشيخ محمد الكسنزان الحسيني
الفتوحات المكية للشيخ الأكبر ابن عربي
تفسير روح البيان للشيخ اسماعيل حقي البروسوي
المعجم الصوفي للدكتورة سعاد الحكيم