الشيخ عبد الكريم الجيلي
ما تضمنه السبعة ألواح التي أنزلت على موسى(عليه السلام) :
فأما اللوح الأول : فلوح النور ، اعلم أنه يشترط أن لا يكون في اللوح من العلوم إلا ذلك النوع الذي يسمى اللوح به ، بل يكون فيه وغيره مما في باقي الألواح ، لكن لما غلب حكم علم على لوح سمي ذلك اللوح به كما أن سور القرآن كذلك كلما غلب عليها أمر كانت السورة مسماة بذلك الأمر وهي تتضمن ذلك وغيره ، فلوح النور فيه وصف الحق بالواحدية والإفراد على سبيل التنزيه المطلق ، وحكم ما للحق تعالى مما يتميز به عن الخلق ، وفيه ذكر ربوبية الحق والقدرة التي للحق مع جميع أسمائه الحسنى وصفاته العلا ، كل ذلك على ما هو للحق بطريق التعالي والتنزيه مما استحقه في اللوح المسمى بلوح النور .
وأما اللوح الثاني : وهو لوح الهدى ، ففيه الإخبارات الإلهية لنفسه فهذا العلوم الذوقية ، وذلك صورة النور الإلهامي في قلوب المؤمنين ، فإن الهدى في نفسه سر وجودي إلهامي يفجأ عباد الله ، وذلك نور الجذب الإلهي الذي يترقى فيه العارف إلى المناظر العلية على الطريق الإلهي يعني على صراط الله ، وذلك عبارة عن كيفية رجوع النور الإلهي المنزل في الهيكل الإنساني إلى محله ومكانه ، فالهدى عبارة عما يجده صاحب ذلك النور من أحدية الطريق إلى المكانة الزلفى والمستوى الأزهى حيث لا حيث ، وفي هذا اللوح علم الكشف عن أحوال الملل واخبار من كان قبلهم وبعدهم ، وعلم الملكوت وهو عالم الأرواح وعلم الجبروت وهو العالم الحاكم على عالم الأرواح وذلك حضرة القدس ، ومن جملة ما في هذا اللوح علم البرزخ وذكر القيامة والساعة والميزان والحساب والجنة والنار ومن جملة ما في هذا اللوح أخبار جمع من الملائكة ، ومن جملة ما في هذا اللوح من علم الأسرار المودعة في الأشكال وامثال ذلك حتى فعلت بنو إسرائيل بمعرفة تلك الأسرار ما فعلته وأظهرت بذلك من الكرامات ما أظهرته .
وأما لوح الحكمة : ففيه معرفة كيفية السلوك العلمي بطريق التجلي والذوق في الحظائر القدسية الإلهية من خلع النعلين وتراقي الطور ومكالمة الشجرة ورؤيا النار في الليل المظلم فإنها كلها أسرار إلهيات ، فهذا اللوح أصل علم تنزل الروحانيات بطريق التسخير وأمثال ذلك ، ومن جملة ما في هذا اللوح علم يشتمل على جميع هذه الأنواع من الحكمة الإلهية ، ومن جملة هذا اللوح أصل علم الفلك والهيئة والحساب وعلم خواص الأشجار والأحجار وأمثال ذلك ، وكل من أتقن من بني إسرائيل علم هذا اللوح صار راهباً ، والراهب في لغتهم هو المتأله التارك لدنياه الراغب في مولاه .
وأما لوح القوى : فهو اللوح الرابع ، فيه علم التنزيلات الحكمية وفي القوى البشرية ، وهذا علم الأذواق من حصله من بني إسرائيل كان حبراً ، وهو على مرتبة ورثة موسى ، وهذا اللوح أكثره رموز وأمثال وإشارات نصبها الحق تعالى في التوراة لتنصب الحكمة الإلهية في القوى البشرية ، وقد نبه على ذلك في قوله ليحيى : يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا فهذا الأخذ بالقوة لا يكون إلا لمن علم الحكمة واهتدى إلى النور الإلهي ، ثم أفرغ ذلك في قواه على حسب ما اقتضاه علمه من الحكمة الإلهية وهذا أمر ذوقي لا يفهمه إلا من حصل فيه فهو للخواص لا للعوام ، ومن جملة ما في اللوح علم السيمياء وكيفية السحر العالي وهو الذي يشبه الكرامات ، وقولي السحر العالي لأنه بلا أدوية ولا عمل ولا تلفظ بشيء بل بمجرد قوى سحرية في الإنسان تجري الأمور على حسب ما اقتضاه الساحر ، فتبرز الصور التي لا تمكن إلا في الخيال محسوسة مشهودة في الحس ، وقد يدخل بصر الناظرين إلى خيال نفسه فيصور ما يشاء فيرونه بأبصارهم ولكن في خياله ويظنون أنه في عالم الحس ، ولقد وقعت على ذلك في طريق التوحيد ، فكنت لو شئت أتصور بأي صورة في الوجود تصورت بها ، ولو أردت أي فعل فعلت ، ولكن علمت أنه مهلك فتركته ، ففتح الله علي بالقدر المصون الذي جعله بين الكاف والنون .
وأما لوح الحكم : فهو اللوح الخامس ، فيه علم الأوامر والنواهي ، وهي التي فرضها الله على بني إسرائيل وحرم عليهم ما شاء أن يحرمه ، وهذا اللوح فيه التشريع الموسوي الذي بنى عليه اليهود .
وأما لوح العبودية : وهو اللوح السادس ، فإن فيه معرفة الأحكام اللازمة للخلق من الذلة والافتقار والخوف والخضوع ، حتى إنه قال لقومه : إن أحدكم إذا جازى بالسيئة سيئة فقد ادعى ما أدعاه فرعون من الربوبية ، لأن العبد لا حق له ، ومن جملة ما في هذا اللوح علم أسرار التوحيد والتسليم والتوكل والتفويض والرضا والخوف والرجا والرغبة والزهد والتوجه إلى الحق وترك ما سواه وأمثال ذلك .
وأما اللوح السابع : فهو اللوح الذي يذكر فيه الطريق إلى الله تعالى ، ثم بين طريق السعادة من الشقاوة ، ومن جملة ما في هذا اللوح تبيين ما هو الأولى في طريق السعادة من غيره وهو الجائز في طريق السعادة ، ومن هذا اللوح ابتدع قوم موسى ما ابتدعوه في دينهم رغبة ورهبانية ابتدعوها واستخرجوا ذلك بأفكارهم وعقولهم لا من كلام موسى ، بل من كلام الله تعالى ، فما رعوها حق رعايتها ، فلو أنهم استخرجوا ذلك بطريق الأخبار الإلهية والكشف الإلهي لكان الله يقدر لهم ذلك ، وكيف لو كان ذلك مما أمكنهم أن يرعوه حق رعايته لكان الحق يأمرهم بذلك على لسان نبيه موسى ، فما أعرض موسى عن ذلك جهلاً بها ولكن رفقاً بهم ، ولما ابتدعوها ولم يراعوها عوقبوا عليها وفي هذا اللوح علوم جمة مما يتعلق بالأديان والأبدان .