يقول أبو إسحاق الشاطبي : ( الذي أراه أن الشيخ في سلوك طريق التصوف على الجملة لازم ، لا يسع أحدا إنكاره ، وكان هذا من الأمور الضرورية ، لكن الشيخ شيخان :شيخ تعليم وتربية، وشيخ تعليم بلا تربية ، فشيخ التربية ليس بضروري لكل سالك، وإنما يحتاج إليه من فيه بلادة ذهن واستعصاء نفس، وأما من كان وافر العقل منقاد النفس فليس بلازم في حقه وأما شيخ التعليم فهو لازم لكل سالك ) وكل ذلك وفق شروط وضوابط معلومة عند أهل هذا الشأن.
من هنا نتحدث عن الإمام الجنيد باعتباره سيد الطائفة ومعلمها وأحد أبرز رجالات التصوف الذين وجهوه ، وهو على جلالة قدره وأثره البعيد في مجال علم التصوف وكثرة أتباعه، لم يحظ بما يستحق من الدراسة ومن ثم كان لابد من تقديم نبذة عنه- هنا – على أمل أن تتاح لنا الفرصة لنخصه – إن شاء الله – ببحث قائم في مقال قادم.
هو أبو القاسم الجنيد بن محمد بن الجنيد الخزاز كان أبوه يبيع الزجاج ، فلذلك كان يقال له :القواريري، أصله من نهاوند ، ومولده ومنشؤه بالعراق(ولد سنة 215 وتوفي سنة297ه) وكان فقيها على مذهب أبي ثور، تلميذ الإمام الشافعي، وصحب خاله السري السقطي، والحارث المحاسبي ، فسلك مسلكهما في التحقيق بالعلم واستعماله، وحج الى مكة ثلاثين حجة على رجليه.
ولم يكن الجنيد صوفيا فحسب، بل كان متكلما كذلك ولقب” بسيد الطائفة” و”طاووس العلماء” وسلم بأن الأنبياء أفضل من الأولياء، وقابل بين الحضورالذي أنبأنا به الأنبياء، والمشاهدة التي يقول بها الأولياء ، وكان صوفيا يفضل الصحو على حالة السكر عند المتصوفة، ويقول بفضل صفاء النفس على الإغراق في الصوفية، وكان متكلما يقول بأن معرفة الله لا تأتي إلا بطريق العقل، ويعرف مريدوه وأتباعه باسم “الجنيدية”.
قال في جمع الجوامع: ونرى أن طريق الجنيد سيد الصوفية علما وعملا وصحبة طريق مقوم ، فإنه خال من البدع دائر على التسليم والتفويض والتبرؤ من النفس
قال الشوكاني في سياق حديثه عن جواز إطلاع الله تعالى الولي على المغيبات- وذكر حديث:” اتقوا فراسة المومن فإنه يرى بنور اللهعز وجل” من أغرب ما نحكيه فيما يتعلق بهذا الحديث أن السري السقطي شيخ الجنيد أمره بأن يخرج يتكلم على الناس ، فاعتذر منه بما في لسانه من العجمة وبعدم صلاحيته لذلك ، فعزم عليه أن يخرج صبح تلك الليلة يتكلم على الناس في الجامع فكأنه نادى مناد في الناس : بأن الجنيد سيتكلم على الناس عقب صلاة الفجر في الجامع فجاءوا إليه أفواجا .
وكان هذا أول كرامة للجنيد لأنه لم يطلع على ما دار بينه وبين شيخه أحدا، فخرج ووجد الجامع غاصا بأهله فلما قعد أقبلوا إليه بأجمعهم فبرز رجل وسأله عن معنى حديث :”اتقوا فراسة المومن” فأطرق قليلا ثم قال له:أسلم فقد آن لك أن تسلم ،فقام وجثا بين يديه وأسلم وانكشف أن ذلك الرجل من النصارى ” دخل مع الناس” متجسسا و مختبرا للإسلام وأهله فكان في ذلك سعادته الأبدية “
أبرزشيوخه: تتلمذ الجنيد في التصوف لكبار رجاله من أمثال:
– الحارث بن أسد المحاسبي (ت243ه)
– أبي الحسن السري السقطي(ت253ه) وهو خاله
– أبي اليزيد ” با يزيد” البسطامي (ت 261ه)
– محمد بن علي القصاب (ت275ه)ودرس الفقه على:- أبي ثور إبراهيم بن خالد بن اليمان تلميذ الإمام الشافعي (ت 240ه).
أبرز تلامذته
– الحسين بن منصورالحلاج (ت309ه)
– محمد بن موسى الواسطي الفرغاني(ت320ه)
– دلف بن جحدر الشبلي (ت334ه)
– أحمد بن محمد بن زياد بن الأعرابي(ت341ه)
– جعفر بن محمد الخلدي الخواص(ت348ه)
آثاره
كان الجنيد يكتب بأسلوب معقد مغرق في التجريد، ذلك الأسلوب الذي صقله الحلاج بعد ذلك ليصبح أسلوب العبارات الرنانة المغرقة في الجدل على حد تعبير الدكتور فؤاد سزكين وقد خلف آثارا ذكر منها هذا الأخير نحو 23 كتابا ورسالة جلها مخطوط دون تلك التي تنسب إليه وقد قام د.علي حسن عبد القادر بتحقيق: رسائل الجنيد – برعي وجداي بالقاهرة – مكتبة دوت كوم / 1988م – ثم طبعت رسائل الجنيد من جديد بترجمة وتحقيق: جمال رجب سيدبي -داراقرأ للطباعة والنشر والتوزيع بتاريخ:01/01/2005 وذلك في مجلديضم 16 مخطوطا بالإضافة الى معظم رسائل الجنيد أو أقواله المتناثرة في مختلف مصادر التصوف
وفاته ومدفنه
توفي الجنيد ببغداد ودفن في مقابر الشونيزية بجانب ضريح خاله… ومن عجيب الموافقات أنه كان في سنة 1916 من المقرر أن تمر السكة الحديدية ببغداد داخل منطقة بساتين في الكرخ إلا أن المهندس الألماني المشرف على العملية خالف الخرائط والمسح الجوي للسكة الذي كانت تنفذ في خط مستقيم ، وجعلها نصف دائرية في تلك المنطقة وحين أستدعي للاستفسار قال:”لا يوجد أي تفسير علمي ، لقد راودتني رؤيا في المنام مفادها أن أبتعد عن تلك البساتين”
والتصوف الصحيح أساسه التقيد بالكتاب والسنة وكل من خالفهما فدعواه مردودة باطلة لا يقبلها شرع ولا عقل ، والتصوف هو أن يعمر الإنسان قلبه بالصلة بالله والخوف منه والرجاء فيه والله تعالى يقول ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل لكل شيء قدرا و طريقة الجنيد قيل إنها أسلم طرق التصوف لكونها خالية من الشبهات والبدع ومن كلامه:الطريق الى الله مسدود إلا على المقتفين آثار رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم قال الجنيد:” من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة”
وقال:”مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة “
وقال:”علمنا هذا مشيد بحديث رسول الله
وقال:”الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول و سئل عن التصوف فقال:”تصفية القلب عن موافقة البرية ومفارقة الأخلاق الطبيعية وإخماد الصفات البشرية ومجانبة الدواعي النفسانية ومنازلة الصفات الروحانية والتعلق بالعلوم الحقيقية واستعمال ما هو أولى على الأبدية والنصح لجميع الأمة والوفاء لله على الحقيقة واتباع الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم في الشريعة”
وقال: إذا رأيت الصوفي يعنى بظاهره فاعلم أن باطنه خراب ليس التصوف لبس الصوف ترقعه.
قال أبو سعيد الخراز البغدادي من أوائل الصوفية وأئمتهمت(279ه) : “صحبت الصوفية خمسين سنة ، فما وقع بيني وبينهم خلاف ، قيل : ولم ذلك ؟ قال :لأني كنت على نفسي” – يعني أنه كان منشغلا بعيوب نفسه ، ومن يكن كذلك لا ينظر الى عيوب غيره.
قال أبوعلي اليوسي :كان شيخ الطائفة أبو القاسم الجنيد في زمانه يقول :أهل التصوف قد مضوا صار التصوف مخرقة الأبيات المعروفة فما بالك بزماننا الخ..(كلام نفيس) كان الإقبال على الدين والزهد في الدنيا غالبا على المسلمين في صدر الإسلام.
وتقوم طريقة الجنيد – كما حددها- على ثماية شروط
دوام الوضوء، والخلوة، ونية الاختلاء ، والمداومة على الذكر، ودوام الصوم ،وترك الخاطر، ودوام ربط القلب بالشيخ ، ودوام الرضى بقضاء الله وترك الاعتراض على الله وعلى الشيخ ويتصل الجنيد برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم بعدة أسانيد من أشهرها :
الجنيد عن السري السقطي عن داود الطائي عن حبيب العجمي عن الحسن البصري عن علي بن أبي طالب عن النبي وللعلماء بالرجال في هذه الأسانيد مقال يقول د.حسن جلاب:”وتتجمع أسانيد الطرق الصوفية المغربية عند الجنيد لتتفرع بعد ذلك ، إذ لا نكاد نجد طريقة لا تتصل بها إلا نادرا ، وحتى في هذه الحالة غالبا ما تتوفر هذه الطريقة على سند ثان يوصلها الى الجنيد.
وتفسرهذه الظاهرة بحرص الطرق على أن تكون سائرة على نهج السنة المحمدية لشهرة الجنيد بذلك”
_______________
المصدر :- منتدى الحوار الاسلامي
http://al7ewar.net/forum/showthread.php?p=31589