قديما قيل : التربية في الصغر كالنقش على الحجر ، ويبدو ان موروث امتلاك الحقيقة المطلقة الذي تعتنقه كل فرقه يؤتي أكله عنفا وتطرفا اذا ما وجد مناخا مناسبا وظروفا مؤاتيه ، والا فماذا نسمي ما نراه من ردود الأفعال المتبادلة بين الكثير من عوام السنة والشيعة من مسلمي العراق ؟
صدق رسول الله حين قال : الفتنة نائمة لعن الله من ايقضها صدق والله من لا ينطق عن الهوى ، فالفتنة موجودة اصلا في النفوس لكنها نائمة تنتظر من يوقضها ، وما ان وجدت متنفسا حتى عبّرت عن نفسها بادمى صورها ، انتهاك للأماكن المقدسة وتدمير لبيوت الله وحرق لممتلكاتها وتمزيق لكتاب الله فضلا عن إزهاق الأنفس وترويع الناس وتعطيل المصالح وتشويه سمعة المسلمين ..
ترى اما من سبيل لقتل الفتنة في النفوس وجعل نومتها أبدية ..؟
لعل ذلك يبدو مستبعدا عند البعض ولكننا نرى انه ليس مستحيلا بل يمكن تحققه على مستوى الفرد والمجتمع اذا ما اراد اولي الأمر من ذوي الزعامات الدينية ذلك ، فالنفس كما يقول الصوفية كالطفل ان تهمله شب على حب الرضاع وان تفطمه ينفطم .
المسالة مسألة تربية قبل ان تكون مسألة تعليم ومجتمعاتنا الإسلامية تركز مع الأسف على العكس والنتيجة ما نرى ونسمع ، ولو تمسك الجميع ولو بقاعدة تربوية واحدة وزرعوها في نفوس الأتباع ولتكن قاعدة لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ووسعوا أفئدتهم لمعنى الأخوة ومراتبها المتعددة والتي تشمل الأخوة المادية والإخوة الدينية والأخوة الإنسانية وأعلاها الأخوة الإيمانية لما كان لأي مسلم ان يستسهل الاعتداء على إيمانه برفع السلاح في وجه اخيه المسلم او أي إنسان على أي معتقد كان ، ولأصبحنا مُصَدّرين لشعارات احترام الآخر وحرية التعبير المنضبطة كونها نابعة من صميم عقيدتنا وتعاليم ديننا ولم نصل لما نحن عليه الآن من جدل حول هذه المفاهيم والتردد من التعامل بها خوفا من تهم الاستغراب او التأثر بالاستشراق ..
لعل اهل الحل والعقد من الساسة والمصلحين يمكنهم ان يهدؤوا الأمور التي هددت بالحرب الأهلية في العراق وفي مناطق متعددة من العالم الإسلامي كالهند وباكستان والجزائر والبوسنة وغيرها ولكنهم قطعا لن يستطيعوا ان يقتلعوا جذور الفتنة من النفوس وجلّ ما يقدرون عليه – ان قدروا – هو ان يعيدوها إلى نومتها الأولى وربما إلى غفوتها فمن الصعوبة بمكان العودة إلى النوم بعد الاستيقاض ..
واذا كنا ممن يريد لهذه الأمة ان تخرج من دائرة حوار الصمّ فأننا نلفت النظر إلى السبب الرئيسي وراء كل ما نحن فيه هو الجهل أو التجاهل بطرق تزكية النفس وتطهيرها من الشهوات والرذائل وبطرق تربيتها على فضائل التسامح والمحبة والخُلق الإسلامي العظيم وتهميش دور تلك الطرق وجعله ثانويا في حياة المسلمين ، بل ويسعى البعض للتشكيك في تلك الطرق والطعن في شرعيتها وأهميتها في الحياة الاجتماعية متمسكا بحالات فردية لا تعبر عن روح الرسالة والإسلامية ولا جوهرها الصوفي الأصيل.