س : ذكرتم في موضوع سلسلة مشايخ الطريقة الكسنزانية أن هذه الطريقة أنزلت من الله سبحانه على الرسول ﷺ ومنه انتقلت إلى الإمام علي (كرم الله وجهه) ومنه تفرعت بجناحين ثم التقى الجناحان عند الشيخ معروف الكرخي – وكما وضحتم فيما بعد – وسؤالي هو كيف ثبتت لكم هذه القضية ؟
ولماذا تفرعت من الإمام علي إلى جناحين ولماذا التقى الجناحان فيما بعد عند الشيخ معروف الكرخي ؟
الجواب : ثبتت لنا هذه القضية بالتواتر كما ثبتت كثيراً من الأحكام الشرعية كعدد الركعات وكيفية الصلاة والأذان لها وأن القبلة هي الكعبة وقصص السيرة النبوية الشريفة ومعجزات الرسول ﷺ ، فمن المعلوم بالضرورة أن حضرة الرسول ﷺ لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، وعن طريق الوحي جبريل ورد عن حضرة الرسول الأعظم ﷺ أنه قال : ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ) مجمع الزوائد ج: 9 ص: 114 ، وهو نص صريح في أن المراد بهذا العلم : هو العلم اللدني ، العلم الروحي ، إذ لو كان المقصود به علم الفقه أو التفسير أو غيرها من العلوم الإسلامية ، لما جاز الأخذ إلا عن طريق الإمام علي ، ولكن الحال أن معظم الصحابة يعدّون مراجع معتمدة في أخذ أمور الدين ، فهم في هذا يمثلون أبوباً للرسول في هذا المجال ، ولهذا كان لزاماً أن يُفهم بأن العلم الذي شبّهه حضرة الرسول ﷺ نفسه بكونه مدينته ، هو علم اختص به الإمام علي ولم يشاركه فيه أحد من الصحابة ، ولم يعرف في الإسلام علم بهذه الصفة إلا علم القلوب ، أو علم الأذواق ، وعلم الأحوال . وقد أجمع أرباب هذه : العلوم : أن إمامهم في هذا الطريق ومرجعهم فيه هو الإمام علي بوصفه باباً للحضرة المحمدية المطهرة . وهذه المدينة ، مدينة العلوم الروحية ، هي بمثابة الدولة الروحية ، وقد كان حضرة الإمام علي هو خليفة الرسول ووارثه في حكم هذه الدولة المتخصصة بالعلوم الروحية جنباً إلى جنب مع العلوم الظاهرية ، حيث يمثلان معاً جملة أحكام الشريعة الإسلامية . وقد تم انتقال زمام الدولة الروحية من يد حضرة الرسول الأعظم ﷺ إلى الإمام علي كرم الله وجهه في غدير ( خم ) حيث أعلن ولايته هذه بقوله : ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ) المستدرك على الصحيحين ج: 3 ص: 419 ، وقال ابن عجيبة : « أما واضع هذا العلم فهو النبي علمه الله إياه بالوحي والإلهام فنزل جبريل أولاً بالشريعة فلما تقررت نزل ثانياً بالحقيقة فخص بها بعضاً دون بعض وأول من تكلم فيها وأظهرها سيدنا الإمام علي وأخذ عنه الحسن البصري » .
وإن تفرع سلسلة الطريقة إلى فرعين لعلم الإمام علي كرم الله وجهه بالعلم اللدني الذي ورثه عن النبوة بانقطاع سلسلة الإمامة في وقت من الأوقات فجعلها في فرع ثانٍ يكون باقياً إلى يوم القيامة وإن الوصل بين هذين الجناحين هو الشيخ معروف الكرخي قدس الله سره فحين كان غلاماً وخادماً عند الإمام علي الرضا قال في حقه الإمام : ( معروف منا أهل البيت حباً وخلقاً لا عرقاً ونسباً ألحقناه بنا إعزازاً وتكريماً كما ألحق جدنا المصطفى ﷺ سلمان الفارسي بنا فقال : سلمان منا آل البيت ) ويقول الدكتور كامل الشبيبي عن الشيخ معروف قدس الله سره : ( يبدو أننا أمام سلمان أخر له في الزهد قدم صدق , وله من الولاية والمقام الروحي ما يجعله يفوز باحترام الناس ) وعنه قالت العلماء إن بينه وبين سيدنا سلمان الفارسي أوجه شبه لطيفة دقيقة وهي :أولا : فطرة التوحيد التي جبلا عليها . وثانياً : بحثهما عن الحقيقة . وثالثاً : إلحاق كل منهما بآل البيت . ورابعاً : ليس لكل منهما ذرية أو عقب لبقاء خصوصية الإلحاق . ومنذ ذلك الوقت استمرت ولاية الدولة الروحية تنتقل يداً بيد ومن شيخ إلى شيخ حتى وصلت إلى يومنا الحاضر وشيخنا الحاضر .