ان اهل الطريقة من السالكين لم يفعلا فعلا ما لم يكن فيه تصريح من كتاب الله الكريم او من سنة رسوله الكريمﷺ فالسماع وان كان لا زال في نقاش عند بعض من اكره من الذين ياخذون الامور بظواهرها , يبقى ركنا مهما من اركان الطريقة لان فيه حياة القلوب واثارة الشوق للمحبوب وهو الله سبحانه وتعالى او لرسوله ﷺ لاوليائه من المشايخ الكرام الذين هم وسيلة السالك الوصول الى الله تعالى .
وهو قبل هذا واهم من كل ما قيل : المتمعن بايات الله الكريمة عند سماع القران واياته ففي الصوت الحسن والقراءة الجيدة يكون وقع كلمات الله على القلب اكثر شدة وتاثيرا واكثر شوقا لسماع المزيد والاستئناس بكلمات الله العلي القدير . وشدة الخوف والخشية من بعض الايات الكريمة , حتى بعضهم يقع مغشيا عليه من الخوف او يخر صعقا , وكيف لا ؟
والله سبحانه وتعالى يقول في القران الكريم : ( لوا انزلنا هذا القران على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية الله )(1) , ولكن القلوب الصدئة الميتة لا تؤثر فيها قراءة القران شيئا , فاولئك مثلهم كمثل الحمار يحمل اسفارا , اما الذين اذا ما سمعوا اية نزلت على الرسول ﷺ فاضت اعينهم من الدمع فاولئك في مقام الصدق ولاخلاص وبشرهم الله سبحانه وتعالى بقوله : ( فبشر عباد . الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه اولئك الذين هداهم الله واولئك هم اولوا الالباب )(2) , فلقد ربط سبحانه وتعالى بين السماع : (الذين يستمعون القول ) وبين الهدى وانهم هم ( اولوا الباب ) أي اصحاب العقول فمن يكن اذ عقل فهو عالم ومن كان عالما بالله خشع من القول الله تعالى : ( انما يخشى الله من عباده العلماء )(3) , وقال تعالى : ( واذا سمعوا ما نزل الى الرسول ترى اعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق )(4) , وقد قيل في تفسير هذه الاية : وهذا سماع ترد حرارته على برد اليقين فتفيض العين بالدمع لانه تارة يثير حزنا والحزن حار وتارة يثير شوقا والشوق حار وتارة يثير ندما والندم حار فاذا اثار السماع هذه الصفات من صاحب قلب مملؤ ببرد اليقين ابكى وادمع , لان الحرارة والبرودة اذا اصطدم اعصرا ماء .
وقال تعالى : ( تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم )(5) , فاذا الم سماع بالقلب يخف الما احيانا فيظهر اثره في الجسد ويقشعر منه الجلد .
وفي وصفه تعالى لـ(عباد الرحمن )قال تعالى : ( والذين اذا ذكروا بايات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا)(6) , أي يسمعونها ويتاثرون بها . وقد سال الجنيد : ما بال الانسان يكون هادئا فاذا سمع السماع اضطراب ؟
فقال: ان الله تعالى لما خاطب الذر في الميثاق الاول بقوله : ( الست بربكم قالوا بلى )(7) , اسغرقت عذوبة سماع الكلام والارواح ,فلما سمعوا السماع حركهم ذكر ذلك .
ان تدبر لقران الكريم ضرورة ايمانية والانصات كذلك وهو امر الهي امرنا به قال تعالى : ( واذا قرئ القران فاستمعوا له وانصتوالعلكم ترحمون )(8) ثم قال سبحانه وتعالى : (فلا يتدبرون القران ام على قلوب اقفالها )(9) .
اما الاحاديث النبوية الشريفة التي يفهم منها اباحة السماع تصريحا او تلميحا فهي كثيرة تستقى من الحوادث التي قيلت فيها هذه الاحاديث الشريفة سواء ما كان منها مخصوص بقراءة القران الكيم او الاشعار او القصائد او الغناء في مناسبات قال ﷺ : ( حسنوا القران باصواتكم فان الصوت الحسن يزيد القران حسنا ) وقال ﷺ : ( لكل شيء حلية وحلية القران الصوت الحسن ) وفي رواية انه ﷺ قال لابي موسى الاشعري: ( لو رايتني وانا استمع لقراءتك البارحة لقد اوتيت مزمارا من مزامير داود )(10) .
وروى عن عبد الله بن مسعود قال : قال لي رسول الله ﷺ : ( اقرا علي القران ) قال : فقلت : يا رسول الله اقرا عليك وعليك انزل قالﷺ : ( اني اشتهي ان اسمعه من غيري ) فقرات النساء حتى اذا بلغت ( فكيف اذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بكم على هؤلاء شهيدا )(11) . غمز لي رجل الى جنبي فرفعت راسي فرايت دموعه ﷺ تسيل .
وروى ابن ماجة في سنته عن عبد الرحمن بن السائب قال : قدم علينا سعد بن ابي وقاص وقد كف بصره فسلمت عليه فقال: من انت ؟
فاخبرته فقال: مرحبا .
يا ابن اخي بلغني انك حسن الصوت بالقران . وقد سمعت رسول اللهﷺ يقول: ( ان هذا القران نزل بحزن فاذا قراتهوه فابكوا و ان لم تبكوا فتباكوا وتفننوا به , فمن لم يتقن به فليس منا )(12) .
اما سماعه ﷺ الشعر فهو ليس مما يحتاج الى اثبات فقد ثبت انه ﷺ استمع الى حسان بن ثابت شاعر الرسولﷺ ويقول له : ( ان روح القدس مع حسان ما ادم يدافع عن رسول الله )(13) .
وقد انشد النابغة الجعدي :
ولا خير في حكم اذا لم يكن له بواد تحمي صفوة ان يـكدرا
ولا خير في امر اذا لم يكـن له حكيم اذا ما اورد الامر اصدرا
فقالﷺ : ( احسنت يا ابا ليلى لا يفيض الله فاك )
فعاش النابغة اكثر من مائة سنة وكان احسن الناس ثغرا (14) .
وروى عن انس بن مالك ان النبيﷺ مر ببعض المدينة فاذا هو بجوار يضربن بالدفوف ويتغنين ويقلن : نحن جوار من بني النجار يا حبذا محمد من جار فقال النبي ﷺ : ( الله يعلم اني لا حبكن)(15) .
الهوامش :
(1) الحشر : 21 .
(2) الزمر : 18,17 .
(3) فاطر : 28 .
(4) المائدة : 83 .
(5) الزمر : 23 .
(6) الفرقان : 73 .
(7) الاعراف : 172 .
(8) الاعراف : 204 .
(9) محمد : 24 .
(10) رواه مسلم في صحيحه .
(11) النساء : 41 .
(12) سنن ابن ماجة – ج1- ص424 .
(13) عوارف المعارف للسهروردي – ص108 .
(14) سنن ابن ماجة – ج2 ص612 .
(15) سنن ابن ماجة – ج2 ص612 .
المصدر :
السيد الشيخ محمد الكسنزان الحسيني – كتاب الطريقة العلية القادرية الكسنزانية ص322-325 .