معنى التصوف :
لغة : تعددت الأقوال في اشتقاق معنى التصوف ولكن جميع هذه الأقوال تنصبّ في مفهوم واحد .
وتعدد الأقوال فـي هذا العلم يثبت حقيقته العالية والراقية ، إذ كل الأقوال تستخرج اشتقاقاتها من أوصاف حسنة ، وهذا ينطبق على المعنى اللغوي أو الاصطلاحي أو العرفي .. لأن جميع من تناول التصوف بالتعريف ذكروا له أوصافاً جليلة وراقية ، مما يدل على علو شأن هذا العلم ورفعته . واختلافهم في وصفه جاء من اختلاف الرؤى لهذا الأمر العظيم .
فكل من وصفه وصف جهة معرفته وتذوقه له .. كما لو اجتمع قوم حول جبل شاهق عظيم وأرادوا وصفه فكل واحد منهم يصفه من جهة ما يرى ويلمس ويدرك وقد تختلف الأوصاف بشكل ما .. ولكنها جميعاً تؤكد وصفاً لشيء هائل وكبير . وكذلك هو علم التصوف .
قال الإمام الجنيد رحمه الله : ” التصوف : استعمال كل خلق سَني ، وترك كل خُلق دني ” .
قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رحمه الله : “التصوف تدريب النفس على العبودية ، وردها لأحكام الربوبية”.
قال شيخ الإسلام القاضي زكريا الأنصاري رحمه الله : ” التصوف علم تعرف به أحوال تزكية النفوس وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية ” .
وقال بعضهم : ” التصوف كله أخلاق فمن زاد عليك بالأخلاق زاد عليك بالتصوف “
قال أبو الفتح البستي رحمه الله تعالى :
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا
وظنه البعض مشتقاً من الصوف
ولست أمنح هذا الاسم غير فتى ً
صفا فصوفي حتى سُمّي الصوفي
الخلاصة :
التصوف علم يبحث في أهم أركان الدين ألا وهو الإحسان .. ويضع الطرق والوسائل التي توصل الإنسان إلى مقام الإحسان ، الذي عرفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه : ” أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك “ .
وذلك أن الشريعة الإسلامية تنقسم إلــــى ثلاثة أقسام ، وكل قسم من هذه الأقسام يتناول بالبحث موضوعاً خاصاً ، وهذا التقسيم اصطلاحي لجعل الشريعة الإسلامية منهج دراسي يسهل على طالب العلم درسه وفقهه .. وإلا فالعلوم أو الأقسام الثلاث تعني بمجموعها الكتاب والسنّة .
القسم الأول – العقيدة :
وهي الجانب الذي يبحث في التوحيد وما يليق بالإله جل جلاله وما لا يليق به عز وجل ويبحث في الأسماء والصفات والنبوات والغيبيات والآخرة .. إلخ . وهو ما يسمى علم التوحيد .
القسم الثاني – العبادات والمعاملات :
وهو الجانب الذي يبحث في العبادات من صلاة وصيام ….. إلخ ، وفي المعاملات كالبيع والشراء وغيرها من أبواب الفقه الإسلامي .
القسم الثالث – الأخلاق :
وهو الجانب الذي يبحث في الأخلاق وتزكية النفس وكيفية تخليتها من أمراضها وكل ما لا يرضي الله جل جلاله وتحليتها بالأوصاف الحميدة التي كان عليها سلف هذه الأمة وهذا ما سماه العلماء بـ ” التصوف ” ومنهم من سماه التزكية ومنهم من سماه علم السلوك .. وتسميات أخرى ، وكلها أسماء لمسمىً واحد … وهو العلم الذي يبحث في تخلية النفس من الأمراض التي تحجبها عن الله وتحليتها بالأخلاق التي ترضي الله جل جلاله فالتصوف كان حالة وسلوكاً تلقائياً للصحابة الكرام بحكم اتصالهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يكن هناك ما يدعو إلى تنبيههم إلى أحوال أو اصطلاحات كانوا قائمين بها فعلاً ذلك أن الأسوة عليه السلام بين أظهرهم وقد أمر الله عز وجل بالتأسي به صلى الله عليه وسلم فهم : أي الصحابة رضوان الله عليهم – يقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم إما سماعاً للأوامر والنواهي أو لحاله وسلوكه عليه الصلاة والسلام إذ التصوف هو العودة بالناس إلى جوهر الدين الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم .
فمثلاً نجد أن العربي القح الذي كان يتكلم العربية لم يكن ليحتاج إلى قواعد اللغة والإعراب والصرف ، فلغته تنساب من لسانه رقراقة سليمة لفظاً وتعبيراً ولكن مع مرور الزمن وتوسع رقعة العالم الإسلامي ودخول غير العرب في الإسلام ونقل بعض عادات الشعوب العجمية إلى المسلمين ، عندها تسربت الغفلة والشهوات ومال الناس إلى الدعة فتغيرت أحوال أكثر المسلمين ،عندها قام الغيورون على هذا الدين العظيم وهم العلماء الربانيون بمحاولة إعادة الناس إلى حقيقة الدين الذي كان عليه السلف الصالح من عهد الرسول إلى القرون الثلاث التي شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية ، فرسموا مناهج وطرق للأخذ بيد الناس إلى أهم أركان الدين ألا وهو مقام الإحسان الذي كان يعيشه الرعيل الأول من الصحابة وتابعيهم .
ومعلوم أن هذا المقام ” الإحسان ” له تعلق بالقلب ، والروح ، والنفس ، فيحتاج إلى مختصين به ، كما أن الفقه يحتاج إلى علماء مختصين به وكذلك غيره من العلوم فاصطلح أهل ذلك الوقت إلى تسمية هؤلاء الأقوام باسم المتصوفة وقد أسلفنا تفصيل أصل هذه التسمية فليرجع إليها .
متى نشأ هذا العلم ؟
وجد هذا العلم منذ أول آية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ” اقرأ باسم ربك الذي خلق .. “
” إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى .. ” لأنه أي التصوف هو الدين أو هو لبّ الدين . فالعهد المكي كان فترة تحلية وتزكية للوصول للمقام الراقي .. والكمال الإنساني وذلك بغرس الأخلاق المحمدية في نفوس الصحابة رضوان الله عليهــــم ، مثل التوبة
والخشية والإنابة والصبر والتواضع والمحبة والذكر والفكر والكرم .. إلخ .
وظل الأمر يسير على هذا النحو إلى أن هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة .
واستمر الصحابة يتدرجون في مقامات الكمال ، بل كان الرجل ما إن يضع يده بيد الرسول صلى الله عليه وسلم مبايعاً حتى يترقى إلى أعلى المقامات وأسمى الحالات وذلك لقوة نور النبوة .
وظل الأمر كذلك إلى أن انتقل المصطفى إلى جوار ربه ثم جاء التابعون فتربّوا على يد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان همهم الوصول إلى رضوان الله عز وجل فتزكت نفوسهم بتأثير النور المحمدي الذي سكن قلوب الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين ، وفي عصر التابعين دخل أناس في الإسلام أي كانوا حديثي عهد بكفر ، ومن جانب آخر – كما أسلفنا – فتحت الدنيا على المسلمين فركن البعض إلى الشهوات وحب الدنيا وبدأ البعض يبتعد عن حال السلف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أناس أكفاء في ذلك الوقت وما بعدهم يدعون الناس إلى العودة لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام أي حالة السلف الصالح وهؤلاء الدعاة هم الصوفية ….
دعوا الناس إلى العودة إلى مرتبة الإحسان التي كان يعيشها السلف الصالح .. وتخليص النفس من رعوناتها التي كبلتها وقيدتها عن مشاهدة أنوار الحق ، وتخليص القلب من حب الدنيا وإحياؤه بذكر الله عز وجل ، فقام هؤلاء الأكابر من الرجال بفتح بيوتهم لاستقبال الناس يدعونهم إلى هذا الطريق الراقي طريق الإحسان ، أو التصوف .. وفتحوا المعاهد التربوية أو ما يسمى بـ ” الزاوية أو التكية ” لملاحظة الناس وتربيتهم عن قرب فكانوا في كل عصر إلى يومنا هذا الذي نعيش فيه هم نماذج السلف الصالح الذين حافظوا على الحالة السلفية الحقيقية ، وليست التي يدعيها البعض زيفاً وبهتاناً .
واستطاعوا في الماضي بصدق توجههم ونقاء سريرتهم أن ينبهوا القلوب الغافلة فيحيونها بأنوار الذكر ، وفتحوا البلاد فدخل الناس في دين الله أفواجاً أفواجاً وما خالفهم إلا طلاب الدنيا أو الجهلة الذين حكموا على التصوف من خلال أشخاص دخلاء ، ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث وسؤال أهل الاختصاص امتثالاً لأمر الله ” فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ” .
وهؤلاء المعترضون لو حكم عليهم شخص من غير مذهبهم عليهم من خلال نفس نظرتهم القاصرة لأقاموا الدنيا وأقعدوها نقداً وتجريحاً . ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وبالمقابل هناك من عرف قدرهم ومكانتهم وهم الغالبية من السلف والخلف ، لأنهم الطائفة الباقية على الحق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . وكل العلوم التي ذكرناها بأقسامها الثلاث لا تقبل ما لم تكن مسندة ..
فالحديث ما لم تعرف درجته وسنده إلى سلسلة رواة ثقاة فهو مردود وكذلك الفقه .. والتصوف باعتباره من أشرف العلوم فهو من أكثرها حفاظاً على السند .
ولذلك فهو منقول عبر سلسلة من الرواة والمشايخ متصلة ومسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكل من يؤذن له بسلوك هذا الطريق فهو قد ارتبط بهذه السلسلة المباركة الموصولة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . وكل شيخ لا بد أن يكون مجازاً من شيخ قبله وهكذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولكن باعتبار أن هذا العلم ليس حروفاً تكتب إنما هو أحوال ومقامات وأذواق فلا بد أن يعيشها الإنسان كي يدركها .. لهذا أنكر البعض على هذا العلم وعلى من ينتسبون إليه … وإنكارهم سببه عدم وجدانهم وتذوقهم له . فمثلاً الخشية ليست فقهاً يكتب فـــي السطور أو في مؤلفات الفقهاء إنما هي حال أو مقام يعيشه من تعتريه الخشية .. وهذا الحال له أصوله من الكتاب والسنّة … ولكن هل يمكن الوصول إلى هذا المقام ؟ ..
جاء علم التصوف ليرسم منهجاً عن طريق مجموعة من القواعد والآداب للوصول إلى هذه الأحوال والمقامات .
حقيقة التصوف :
إن حقيقة التصوف أنه روح الشريعة الإسلامية ومعناها وقلبها وهو أي التصوف من ناحية رسم المنهج والسلوك فيه علم كسائر العلوم له مقدمات ونتائج ،وهو باعتبار معايشته والتفاعل معه ذوق ووجدان ، وهو من ناحية إعطاء كل من ينتمي إليه الدواء المناسب له من قبل الشيخ العارف بأدواء القلوب ، فن وحكمة فهو علم وذوق وفن . وهذه الثلاث هي مقومات الحياة الأبدية السعيدة وهو مقام الإحسان الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ” .
وهو التخلق بالصفات الحميدة التي جاءت في الكتاب والسنة ، وأمر بها الشرع الشريف والتخلي عن كل الصفات الذميمة التي نهى عنها الشرع الحنيف .
ومن جملة الصفات الحميدة : التوبة .. الخشية ، المحبة ، الخشوع ، التواضع ، الحضور ، الشكر ، الفكر … إلخ .
ومــــن الصفات الذميمة التي يتخلص منها السالك من خلال التصوف : الكبر ، العجب ، الرياء ، الحسد ، الحقد ، .. إلخ
ولتقريب هذا العلم وحقيقته من الأذهان نقول : إن الله أمر بالصلاة فقال : ” وأقيموا الصلاة ” .
فإذا أردنا الصلاة نذهب إلى الفقهاء فنتعلم منهم أن للصلاة شروطاً وأركاناً وواجبات ، كالطهارة من الحدثين واستقبال القبلة … إلخ . هذا العلم يسمى ” الفقه ” .
ولكن الله عز وجل يقول أيضاً ” قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ” فالخشوع أيضاً مطلوب في الصلاة كما إقامة الصلاة ، ولكننا لو فتشنا وبحثنا في كتب الفقه فلن نجد لكيفية الخشوع أو لتحصيله جواباً .
غير أن هناك علماً خاصاً مستقلاً كالفقه تماماً يعني بفقه القلوب فيبين السبيل الموصلة إلى الخشوع وهذا هو الفقه المسمى ” التصوف ” والتصوف لا يخرج مطلقاً عن حدود الشرع الشريف فتلبسه بالشرع الحنيف كتلبس الروح بالجسد .
ومع ابتعاد الناس عن الحالة الأولى للسلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين ظهر هذا العلم منضبطاً بقواعد واصطلاحات ومناهج شأنه شأن باقي العلوم ، كما أن الفقه والحديث لم تكن لها ضوابط وقواعد مكتوبة ومدونة ومرتبة بالشكل الذي نعرفه اليوم ، كعلم أصول الفقه ، مصطلح الحديث .
وفي تلك المرحلة الحاسمة قام علماء وأجلاء يدفعهم حب الله والإخلاص لدين الله جل جلاله قاموا فوضعوا قواعد الفقه والحديث وغيرها من العلوم الدينية ، كذلك التصوف في الصدر الأول كان معروفاً معاشاً ولما غاب ذوقه عن البعض فقام العلماء فوضعوا وضبطوا أصوله وطريقته .. ولكي لا يتلاعب به كل من هب ودب من المنتحلين والمدعين والمغرضين كان هذا العلم لا يؤخذ إلا عمّن كان مجازاً بهذا العلم الموصول بإجازات إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . يقول الإمام القشيري رحمه الله متحدثاً عن نشأة التصوف وحقيقته :
” أعلموا أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتسمَّ أفاضلهم في عصرهم بتسمية سوى صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام إذ لا أفضلية فوقها ، فقيل لهم الصحابة ، ثم اختلف الناس وتباينت المراتب ، فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة عناية بأمر الدين – الزهاد – والعباد ، ثم ظهرت البدعة وحصل التداعي بين الفرق فكل فريق ادعوا أن فيهم زهاداً ، فانفرد خواص أهل السنّة المراعون أنفسهم مع الله سبحانه وتعالى ، الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم التصوف ، واشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المأتين من الهجرة ” .
حكم التصوف :
بما أن التصوف يُعنى بفقه القلوب ، والقلب وقعت عليه جملة من الأوامر والنواهي الشرعية التي تجعله إن هو امتثل أمر الله قلباً منوراً وأهلاً لأن يكون محل نظر الله كما جاء ذلك في الحديث .
والأوامر مثل : الإخلاص ، المحبة ، الصدق ، الخشوع ، .. إلخ .
والنواهي مثل : الرياء ، العجب ، الحسد ، … إلخ .
إذا أدركنا معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ” رواه البخاري في كتاب الإيمان وإذا علمنا أن الجوارح تتحرك وفق ما يمليه عليها القلب إذ هو المحرك لها وهي تابعة له ، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم الصحابة رضي الله عنهم أهمية تنقية القلب وتزكية النفس حين قال ” إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم ” أخرجه مسلم في صحيحه
من أجل ذلك فإن الكنز الذي ينفع الإنسان يوم القيامة هو القلب المملوء بمحبة الله المعافى من الأمراض . قال تعالى ” يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ” .
لذلك كان التصوف بما يحمله من أهمية لربط الإنسان بربه عبر التزكية المخاطب بها كل المكلفين وتعليق الفلاح في الآخرة عليهم ” قد أفلح من زكاها ” والخسران والهلاك على من أتبع نفسه هواها ” وقد خاب من دساها ” .
من هنا كان التصوف – معرفته وسلوكه – من الفروض العينية على كل مسلم بالغ عاقل ، وهذا ما قاله السادة علماء الدين رضي الله عنهم وعلى رأسهم الإمام الغزالي رحمه الله والإمام جلال الدين السيوطي رحمه الله وغيرهم من أجلاء العلماء .
– قال حجة الإسلام الغزالي : ” الدخول مع الصوفية فرض عين إذ لا يخلو أحد من عيب إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ” .
– وروي عن الإمام مالك : ” من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ومن جمع بينهما فقد تحقق “
نقلاً عن حاشية العدوى على الزرقاني 2 / 195 . وشرح عين العلم وزين الحلم للملا علي القاري 1 / 33 .
– والإمام الشافعي يقول : صحبت الصوفية فلم أستفد منهم سوى حرفين . وفي رواية : سوى ثلاث كلمات : الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ، نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل ، العدم عصمة .
وقال أيضاً : حبب إليّ من دنياكم ثلاث : ترك التكلف ، وعشرة الخلق بالتلطف ، والاقتداء بطريق أهل التصوف . نقلاً عن تأييد الحقيقة العلية للسيوطي ص 15 وكشف الخفا للعجلوني 1 / 408
– أما الإمام أحمد فقد قال – بعد أن صحب أبا حمزة البغدادي – يوصي ولده عبد الله : يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم ، فإنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة ، ويقول أيضاً : لا أعلم أقواماً أفضل منهم – أي الصوفية –
– وسُئل مرة عن الصوفية أنهم يسمعون ويتواجدون ! فقال ” دعوهم يفرحون مع الله ساعة ” .
من كتاب غذاء الألباب بشرح منظومة الآداب للعلامة محمد السفاريني 1 / 120
– وكذلك الإمام العلامة الكبير والمفسر المشهور فخر الدين الرازي قال : ” المتصوفة قوم يشتغلون بالفكر وتجرد النفس عن العلائق الجسمانية ويجتهدون ألا يخلو سرهم وبالهم عن ذكر الله تعالى في سائر تصرفاتهم وأعمالهم ، منطبعون على كمال الأدب مع الله عز وجل وهؤلاء هم خير فرق ” الآدميين ” .
من كتاب اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص 72 .
– واسمع كلام النووي عن التصوف وتمعن في كلامه تنتفع بإذن الله . قال رحمه الله : ” أصول طريقة التصوف خمسة : تقوى الله في السر والعلانية ، اتباع السنّة في الأقوال والأفعال ، الإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار ، الرضى عن الله تعالى بالقليل والكثير ، الرجوع إلى الله تعالى في السراء والضراء ” .
– وهاك قول الشاطبي المعروف بدقته وتمحيصه : ” إن كثير من الجهال يعتقدون في الصوفية أنهم متساهلون في الإتباع ، والتزام ما لم يأت في الشرع التزامه مما يقولون به ويعملون عليه وحاشاهم من ذلك أن يعتقدوه أو يقولوا به . فأول شيء بنوا عليه طريقهم ابتاع السنّة واجتناب ما خالفها ، حتى زعم مذكِّرهم وحافظ مأخذهم وعمود نحلتهم أبو القاسم القشيري : أنهم اختصوا باسم التصوف انفراداً به من أهل البدع ، فذكر أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتسمّ أفاضلهم في عصرهم باسم علم سوى الصحبة ، إذ لا فضيلة فوقها ، ثم سمي من يليهم بـ ” التابعين ” ثم اختلف الناس لهم شدة عناية في الدين أي – الزهاد والعباد – قال أي القشيري ثم ظهرت البدع وادعى كل فريق أن فيهم زهاداً وعباداً فانفرد خواص أهل السنّة المراقبون الله في كل نفس والحافظون قلوبهم عن الغفلة انفرد باسم ” التصوف ” فتأمل تغنم والله أعلم .
– والعلماء الذين تحدثوا عن أهمية التصوف وضرورته للفرد المسلم بل وفرضيته على كل مسلم كثيرون … واستدلوا على صحة رأيهم هذا وهو أن علم التصوف فرض على كل مسلم بما يلي من الكتاب والسنّة وأقوال العلماء والصالحين .
1 – الكتاب :
– قال تعالى ” قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن “ الأعراف 33
وظاهر الفواحش معلومة للجميع بأنها الزنا ، الخمر ، السرقة ، ….. إلخ وما بطن …. أيضاً معلومة بأنها الكبر ، الرياء ، ……. إلخ .
– قال تعالى : ” ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن “ الأنعام 151
وذكرنا معنى الفواحش ما ظهر منها وما بطن .
– قال تعالى : ” قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها “ .
– وقال جل ذكره : ” هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ” .
2 – السنــّة :
كل الأحاديث التي تدعوا إلى ترك الأمراض النفسية والآفات والمعاصي القلبية كالحسد ، والرياء ، والكبر، والعجب وبالمقابل تحث وتأمر وتدعوا للصفات والأخلاق الحميدة كالحب والتوبة والصدق والإخلاص وغيرها فيمكن للمسترشد أن يراجعها في كتب الصحاح والسنن .
3 – أقوال العلماء :
ذكرنا سابقاً طرفاً من أقوال أكابر العلماء الذين أجمعت الأمة الإسلامية على إمامتهم وجلالة قدرهم كالأئمة الأربعة وغيرهم ونتابع الآن ذكر أقوال غيرهم من العلماء … ليعلم أن هذا العلم العظيم والركن الثالث من أركان الدين ، أجمعت الأمة من خلال جهابذة علمائها على أهميته وفرضية التصوف .
قال الإمام الجنيد رضــــي الله عنه / 297 / هـ : ” علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنّة ” . ويقول أيضاً : ” الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم واتبع سنّته ولزم طريقته ، فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه ” .
قال الإمام سهل التستري رضي الله عنه / 283 / هـ : ” أصولنا التمسك بكتاب الله تعالى والاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ” .
قال إبراهيم النصرآباذي رضي الله عنه / 369 / هـ : ” أصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة ، وترك الأهواء والبدع وتعظيم حرمات المشايخ ” .
قال الإمام ذو النون المصري رضي الله عنه / 245 / هـ : ” من علامات المحب لله عز وجل : متابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم في أخلاقه وأفعاله وأوامره وسننه ” .
قال الإمام سري الدين السقطي رضي الله عنه / 253 / هـ : ” المتصوف لا يتكلم بباطن علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب والسنّة ” .
وقال أيضاً : ” قليل في سنّة ، خير من كثير في بدعة ، كيف يقل عمل مع التقوى ؟ ! ” .
وقال الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه / 470 / هـ 561 ” كل باطن خالف ظاهراً فهو باطل ” .
قال الشيخ أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه 180 – 281 / هـ : ” لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتى يرتقى في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي والأمر وحفظ الحدود وأداء الشريعة ” .
قال الإمام محمد السلمي رضي الله عنه / 412 / هـ : ” ليس بصوفي من جهل أحكام الله وأحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم ” .
من خلال ما تقدم رأينا كيف أن التصوف لا يتجاوز بحدوده حدود الشرع قيد أنملة إذ هو العلم والسلوك الداعي إلى التمسك بالكتاب والسنّة ونبذ البدعة ، واتباع سبيل المؤمنين .. والوصول إلى جوهر الشرع وحقيقته التي كان عليها سلف هذه الأمة .. وكل ما خالف ذلك ليس بتصوف وإنما هو هوى أو شيء دس عليه وأقحم فيه والتصوف منه براء .
وذلك شأن أي علم من العلوم المادية والطبيعية .. فمثلاً لو رأينا طبيباً يشخّص الأمراض وفق هواه ويصف أدويته مخالفة للعلوم والمناهج التي درسها في كلية الطب .. فهل نستطيع أن نوجه انتقادنا واتهامنا إلى جميع الأطباء وننعتهم بالجهل أو بإلحاق الضرر بالناس … أم نقول أن علم الطب ومهنة الطب صحيحان غير أن هذا الطبيب بعينه هو المخطئ أو الشاذ عن أصول مهنته الصحيحة .
وكذلكم التصوف قد يدخل فيه الجهلة والشذاذ أو المغرضون ، ويتسمون باسمه زوراً وبهتاناً والتصوف منهم براء ، فيسلكون أو يقولون ما هو مخالف للشريعة المطهرة ، فهل من الإنصاف أن نجمل الصالح بالطالح ونشمل المحسن مع المسيء بحكم واحد . ؟ ! فالمشكلة هنا ليست مشكلة التصوف وإنما الداهية والمصيبة في هذا الدعي وهذا المغرض .
وكم قرأنا معاناة النبي صلى الله عليه وسلم ومعاناة صحابته من سوء المنافقين الذين انتشروا بين الصحابة ، وكم دخل بين علماء الحديث من المدجلين والوضّاعين وكذلكم المتصوفة تسلل بينهم من المدعين والمجرمين والوضّاعين .
أركان طريق التصوف :
تتلخص أركان طريق التصوف بعبارة المجاهدة ومخالفة النفس . ومخالفة النفس تكون بكبح جماح غوايتها وإلجامها بلجام الشرع وتسييرها على طريق الله عز وجل ومعاداة الشيطان وعدم الاكتراث لوسوساته .
قال تعالى : ” والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا “ . وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : ” رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر “ وهو جهاد النفس .
وقال صلى الله عليه وسلم ” لعل أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك “ . وقال عليه الصلاة والسلام : ” لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ” .
من أجل ذلك اتبع السلف الصالح سبلاً لترويض النفس وتهذيبها لترقيتها نحو مدارج الكمال . والنفس لها سبعة مراتب ، أي مراحل يمارسها ويعايشها السالك وكل مرحلة ألطف من التي قبلها وهي :
1 – النفس الأمارة . 5 – النفس الراضية .
2 – النفس اللوامة . 6 – النفس الراضية .
3 – النفس الملهمة . 7 – النفس الكاملة .
4 – النفس المطمئنة .
ويلاحظ أن هذه الأسماء للنفس كلها مستمدة من القرآن الكريم . وتتزكى النفس برفع الهمة ومجاهدة النفس ومخالفة الشيطان والتوبة من كل الذنوب والمعاصي ويكون ذلك بتحلية النفس بالصفات الحميدة والطاعة والالتزام بما جاء في كتاب الله عز وجل وسنّة رسوله عليه الصلاة والسلام . وبكثرة ذكر الله عز وجل فإن المسلم عندما يسلط على النفس الأمارة سيف المجاهدة ونور الذكر فإنها تضعف وتستكين وتتلطف وتترقى إلى النفس التي تليها وفي ساحات النفس المترقية يتجول الإنسان من مقام لآخر والمقامات والأحوال كثيرة يعاينها السالك أثناء مجاهدته ولو لم يعرف هذه المصطلحات وهذا التمييز المنهجي أعني – الأحوال والمقامات – لكنه لا بد أن يمر بها مادام سالكاً في طريق المجاهدة للوصول إلى نيل مرضاة الله .
ومن المقامات : التوبة ، الخشية ، المراقبة ، الصدق ، الشكر ، .. إلخ . فمثلاً مقام المراقبة يرد على القلب أحياناً ، وأحياناً يكون القلب في غفلة فيظل القلب في تغير وتبدل والإنسان السالك في مجاهدة إلى أن يستقر ويثبت فيكون هذا الثبات بعد التحول – مقاماً –
والمقام سمي مقاماً لثبوته وإقامته ، وسمي الحال حالاً لتحوله وعدم استقراره ، فمادام السالك سالكاً ومجاهداً لقطع عقبات الطريق لا بد أن يمر بأحوال ويستقر بمقامات لذلك قالوا : ” إن المنافق يبقى على حالة واحدة أربعين عاماً والمؤمن يتبدل كل يوم أربعين مرة ، وهذا التبدل محمود لأنه – أي السالك – في جهاد مستمر لتطهير نفسه من أدرانها فتراه يتحول ويتبدل إلى أن يجتاز مراحل النفس كلها فتصبح الصفات الحميدة في نفسه سجية – أي مقاماً – بعد أن كانت حالاً متبدلاً وهذه الحالة هي أعلى حالة يتطاول إليها ويتمناها كل ذي قلب سليم وعقل سوي عندها يكون هذا الإنسان المتصف بهذه الصفات مرآة لقول الله تعالى في خطابه لإبليس لعنه الله ” إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ” .
وقد ذكر علماء التصوف أن للطريق أركاناً وهذه الأركان هي بعض مفردات ووسائل المجاهدة . وهي أربعة أشياء :
1 – الجوع 2 – قلة الكلام 3 – قلة المنام 4 – العزلة
وجمعها بعضهم بقوله : قلة الطعام وقلة الكلام وقلة المنام وقلة الاختلاط بالأنام .
وجمعها أحدهم بقوله : بيت الولاية قسمت أركانه ساداتنا فيه من الأبدالما بين صمت واعتزال دائم والجوع والسهر النزيه الغالي
والمقصود بالجوع : هو أكل الحلال وعدم تجاوز الحد فيكون إسرافاً وقد كان المجاهدون أنفسهم يتدرجون في تقليل الأكل شيئاً فشيئاً .
كان أبو سليمان الداراني يقول : ” مفتاح الدنيا الشبع ، ومفتاح الآخرة الجوع ” .
ويقول مالك بن دينار رحمه الله : ” من أراد أن يفر الشيطان من ظله فليقهر شهوته ” .
ونرى مصداق هذا الركن من السلوك أعني – الجوع – له دليله من الكتاب والسنّة . قال تعالى : ” كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين “.
قال عليه الصلاة والسلام : ” بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه وأما العزلة : فهي الانقطاع عن الشر وأهله وتقليل الاختلاط مع أهل الغفلة والمعاصي بدون حاجة . وتعني مجالسة الصالحين والعلماء الصادقين امتثالاً لأمر الله : ” اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ” .
ومعلوم لكل عاقل أهمية الصحبة الصالحة ولذلك قالوا : الصاحب ساحب ” . وقالوا : ” بالمجالسة تكون المجانسة ” .
وقال تعالى : ” واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي “ .
وقال تعالى : ” واتبع سبيل من أناب إلي “ . وغيرها من الآيات الكثيرة .
وأما السنّة فهي طافحة بالحث على أهمية الصحبة قال عليه الصلاة والسلام : ” الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ” . أبو داوود والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ” قيل يا رسول الله أي جلسائيا خير ؟ قال : من ذكركم الله رؤيته ، وزاد من علمكم منطقه ، وذكركم في الآخرة عمله ” .
رواه أبو ليلى ورجاله رجال الصحيح كما في مجمع الزوائد 10 / 226
من خلال الآيات والأحاديث السابقة ندرك أهمية الصحبة ويتفرع عن ” الصحبة ” أهمية اختيار الشيخ الذي تصحبه ليدلك ويوصلك إلى الله ، هذا الشيخ / المرشد / الذي يحتاجه الإنسان كما يحتاج المريض للطبيب الحاذق ليعالج أمراض بدنه المحسوسة فكيف بمن سيعالج أمراض قلبي ونفسي ليخلصني من نار جهنم ! ؟
قال الفقيه المالكي عبد الواحد باعاشر في منظومته العقائدية وعبادات فقه مالك المسماة ” المرشد المعين ” مبيناً ضرورة صحبة الشيخ المرشد وما تنتج من آثار طيبة . قال رحمه الله :
يصحب شيخاً عارف المسالك يقيه في طرقه المهالك
يذكره الله إذا رآه ويوصل العبد إلى مولاه
يحاسب النفس على الأنفاس ويزن الخاطر بالقسطاس
ويحفظ المفروض من رأس المال والنفل ربحه به يوالي
ويكثر الذكر بصفو لبه والعون في جميع ذا بربه
يجاهد النفس لرب العالمين ويتحلى بمقامات اليقين
يصير عند ذاك عارفاً به حراً وغيره خلاق قلبه
فحبَّه الإله واصطفاه لحضرة القدوس واجتباه
ولذلك قالوا : ” ما فاز من فاز إلا بصحبة من فاز ” .
واختيار الإنسان شيخاً مربياً ليعرفه بعيوب نفسه ويشخّص أمراضه القلبية القاطعة عن الوصول إلى حضرة الله ويصف له الدواء الناجع ، هذا الالتزام بهذا الشيخ هو أمر حتمي لازم ولا يمتري فيه عاقلان، فالشيخ المرشد هو وسيلة أي – دليل – وليس غاية .. ولذلك وجب على مريد الوصول التأدب والطاعة لهذا الدليل فمحبة الشيخ – الدليل – تورث طاعته وطاعته تورث الاقتداء به ” أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ” .
قال بعض العارفين : عن شروط المرشد المؤدب المسلّك أربعة :
- أن يكون عالماً بالفرائض العينية .
- أن يكون عارفاً بالله تعالى .
- أن يكون خبيراً بطرائق تزكية النفس وبتربيتها .
- أن يكون مجازاً من شيخ بالإرشاد وهذا الشيخ أيضاً مجاز من شيخ قبله وهكذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولذلك كان ابن سيرين يقول : ” إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ” . رواه مسلم
أما السهر : – أو قلة النوم – فالمقصود منه قيام الليل بطاعة الله ولا يشترط الليل كله ولا تشترط عبادة معينة بل إن صلى ولو ركعات قليلة وقرأ شيئاً من القرآن وذكر الله ودعا أو راجع علماً أو أي قربة من القربات عندها يكون من الطائعين وبعد ذلك ينام ليتقوى على القيام لصلاة الفجر نشيطاً ذا همة عالية ، وينبغي للسالك ألا يتجاوز الحد في السهر لغير الضرورة فيكون مفرطاً خصوصاً إن فاتته صلاة الفجر أو كان وقته في غير طاعة الله عز وجل .
والأدلة والشواهد في فضل العبادة ليلاً من الكتاب والسنّة كثيرة ومعروفة ومشهورة وهي اكثر من أن تحصى .
أما قلة الكلام :
فقد قيل : ” العزلة خير من جليس السوء ، والجليس الصالح خير من العزلة ” .
ينبغي على المسلم أن يعوّد لسانه على قول الخير وذكر الله وألا يحرك لسانه بما يندم عليه وإن أراد التكلم فليقل خيرا ً أو ليصمت كما في الحديث وأن يكون مقلاً من أحاديث الدنيا وأن يقطع لسانه عن الغيبة والنميمة والكذب .. إلخ .فقلة الكلام تعني الصمت عما لا يرضي الله عز وجل من اللغو . قال تعالى : ” وإذا مروا باللغو مروا كراماً “ .
فلصحبة الشيخ العارف تأثير على السير الروحي للمريد كما أن المرء لا يرى عيوب وجهه إلا في مرآة صافية تكشف له حقيقة حاله فكذلك لابد له من شيخ عارف عالم بعيوب النفس وطرق علاجها .
فهذا هو الوارث المحمدي الذي يستمد من رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفات التي يتأثر بها المريد فتنطبع بذلك سجاياه . قال صلى الله عليه وسلم: ” المؤمن مرآة أخيه “ . أبو داوود عن أبي هريرة عن ابن عباس رضي الله عنهما : ” قيل يا رسول الله : أي جلسائنا خير ؟ قال : من ذكركم الله رؤيته ، وزاد في عملكم منطقه ، وذكركم في الآخرة عمله “ . رواه أبو ليلى .
العقيدة والفقه عند أهل التصوف :
في الحقيقة ترددت فــــي وضع هذا العنوان ضمن بحث التصوف … كي لا يخيل لأحد أن للمتصوفة عقيدة خاصة ، ولكن عندما سمعت أن هناك من يتهم أو يظن أن للمتصوفة عقيدة تباين عقيدة أهل السنّة والجماعة ، عندها وضعت هذا العنوان .
وإلا فإن عقيدة أهل التصوف هي عقيدة أهل السنّة والجماعة ، / ما تربدية + أشعرية / أي ما كان عليه عامة المسلمين وما أجمع عليه سواد الأمة منذ عهد النبي حتى يومنا هذا .
وكذلك الفقه : هو فقه أهل السنّة والجماعة واعتماد الأئمة الأربعة في الفقه وهم : أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة الهدى والعلم المعروفين والمدونة آراؤهم وتفسيراتهم واستنباطاتهم في كتب الفقه .
ولذلك فمن الخطأ أن نسأل ما عقيدة أهل التصوف ! فإن هذا السؤال مثل من يسأل ما هي عقيدة أهل الفقه أو الأئمة الأربعة . أو ما هي عقيدة علماء الحديث ؟ !
فالجواب معروف أن عقيدة أهل الفقه وأهل الحديث وأهل التصوف والتفسير والتاريخ هي عقيدة واحدة وهي أهل السنّة والجماعة .
إلا أن هناك بعض الفرق الشاذة التي خرجت في فترة معينة من مر الأمة الإسلامية وهي لا تساوي إلا نسبة قليلة جداً لعموم الأمة الإسلامية والبعض فيها انقرض وباد ولم يبق منه ومن عقيدته إلا ما كتب في السطور نقرأها عند قراءة تاريخ الفرق. وما زال القليل من أهل العقائد الفاسدة إذا ما قورن بمجموع الأمة الإسلامية.
أما عقيدة المتصوفة فهي التي يلتزمها أهل السنّة والجماعة كما ذكرها الإمام الشعراني في كتابه ” الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية ” ص 20 وهي :
اعلم يا أخي أن القوم أجمعوا على أن الله تعالى إله واحد لا ثاني له ، منزه عن الصاحبة والولد ، مالك لا شريك له ، صانع لا مد برمعه ، موجود بذاته من غير افتقار إلى موجد يوجده ، بل كل موجود مفتقر إليه في وجوده فالعالم كله موجود به ، وهو تعالى موجود بذاته ، لا افتتاح لوجوده ولا نهاية لبقائه ، بل وجوده مطلق مستمر قائم بنفسه ، ليس بجوهر فيقدر له المكان ، ولا بعرض فيستحيل عليه البقاء ، ولا بجسم فتكون له الجهة والتلقاء مقدس عن الجهة والأقطار مرئي بالقلوب والأبصار ، استوى على عرشه كما قال وعلى المعنى الذي أراده كما أن العرش وما حواه به استوى ، له الآخرة والأولى ، ليس له مثل معقول ، ولا دلت عليه العقول ، لا يحده زمان ، ولا يقله مكان ، وهو الآن على ما عليه كان ، خلق المتمكن والمكان ، وأنشأ الزمان ، وقال أنا الواحد الحي الذي لا يؤده حفظ المخلوقات ولا يرجع إليه صفة لم يكن عليها من صفة المصنوعات ، تعالى أن تحله الحوادث أو يحلها أو تكون قبله أو يكون قبلها ، بل يقال : كان ولا شيء معه ، لأن القبل والبعد من صيغ الزمان الذي أبدعه ، فلا عليه تعالى ما لم يطلقه على نفسه فإنه أطلق على نفسه : الأول والآخر ، لا القَبل والبَعد .
فهو القيوم الذي لا ينام ، والقهار الذي لا يرام ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، خلق العرش وجعله حد الاستواء وأنشأ الكرسي وأوسعه الأرض والسماء ، اخترع اللوح والقلم الأعلى وأجراه كاتباً في خلقه إلى يوم الفصل بالقضاء ، أبدع العالم كله على غير مثال سابق ، وخلق الخلق ، وخلق ما خلق .
أنزل الأرواح في الأشباح أمناً ، وجعل هذه الأشباح المنزلة إليها الأرواح في الأرض خلفاً ، وسخر لها ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه فلا تتحرك ذرة إلا عنه ، خلق الكل من غير حاجة إليه ولا موجب أوجب ذلك عليه ، لكن علمه بذلك سبق ، فلا بد أن يخلق ما خلق . فهو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير ، أحاط بكل شيء علماً ، وأحصى كل شيء عدداً ، يعلم السر وأخفى ، يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ، كيف لا يعلم شيئاً خلقه ” ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ” ، علم الأشياء قبل وجودها ثم أوجدها علـى حد ما علمها ، فلم يزل عالماً بالأشياء ، لم يتجدد له علم عند تجدد الأشياء بعلمه ، أتقن الأشياء وأحكمها ، يعلم الكليات والجزئيات على الإطلاق فهو عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون فعال لما يريد ، فهو المريد للكائنات في عالم الأرض والسموات ، لم تتعلق قدرته تعالى بإيجاد شيء حتى أراده ، كما أنه لم يرده سبحانه وتعالى حتى علمه ، إذ يستحيل أن يريد سبحانه وتعالى ما لم يعلم أو يفعل المختار المتمكن من ذلك الفعل ما لا يريده ، كما يستحيل أن توجد هذه الحقائق من غير حي ، كما يستحيل أن تقوم هذه الصفات بغير ذات موصوفة بها .
فما في الوجود طاعة ولا عصيان ، ولا ربح ولا خسران ولا عين ولا حر ولا برد ولا حر ولا حياة ولا موت ، ولا حصول ولا قوت ولا نهار ولا ليل ، ولا اعتدال ولا ميل ، ولا بر ولا بحر ، ولا شفع ولا وتر ولا جوهر ولا عرض ، ولا صحة ولا مرض ، ولا فرح ولا ترح ، ولا روح ولا شبح ، ولا ظلمة ولا ضياء ، ولا أرض ولا سماء ولا تركيب ولا تحليل ، ولا كثير ولا قليل ، ولا غداة ولا أصيل ، ولا بياض ولا سواد … ولا شيء من جميع المتضادات والمختلفات والمتماثلات إلا هو مراد الحق تعالى وكيف لا يكون مراداً له وهو أوجده فكيف يوجد المختار ما لا يريد .. لا رادّ لأمره .. ولا معقب لحكمه ، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك عمن يشاء ، ويعز من يشاء ويذل من يشاء ويضل من يشاء ويهدي من يشاء ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .
لو اجتمع الخلائق كلهم على أن يريدوا شيئاً لم يرده الله تعالى لهم أن يريدوه ما أرادوه ، أو أن يفعلوا شيئاً لم يرد الله إيجاده وأرادوه ما فعلوه ولا استطاعوه ولا أقدرهم عليه … فالكفر والإيمان ، والطاعة والعصيان ، من مشيئته وحكمته وإرادته ولم يزل سبحانه موصوفاً بهذه الإرادة أزلاً و العالم معدوم ثم أوجد العالم من غير تفكر ولا تدبر ، بل أوجده عن العلم السابق ، وتعيين الإرادة المنزهة الأزلية القاضية على العالم بما أوجدته عليه من زمان ومكان وأكوان وألوان ، فلا مريد في الوجود علـى الحقيقة سواه ، إذ هو القائل سبحانه : ” وما تشاؤن إلا أن يشاء الله ” وأنه تعالى كما علم وحكم وأراد فخص وقدر ، فأوجد ، كذلك سمع ورأى ما تحرك وسكن ، أو نطق في الورى من العالم الأسفل والأعلى ، لا يحجب سمعه البعد ، فهو القريب ولا يحجب بصره القرب فهو البعيد ، يسمع كلام النفس في النفس ، وصوت المماسة الخفية عند اللمس ، يرى السواد فـــي الظلماء ، والماء في الماء لا يحجبه الامتزاج ولا الظلمات ، ولا النور ، وهو السميع البصير .
تكلم سبحانه وتعالى لا عن صمت متقدم ولا سكون متوهم بكلام قديم أزلي كسائر صفاته من علمه وإرادته وقدرته .
كلم به موسى عليه الصلاة والسلام سماه التنزيل والزبور والتوراة والإنجيل والفرقان ، من غير تشبيه ولا تكييف ، إذ كلامه سبحانه من غير لهاة ولا لسان ، كما أن سمعه من غير أصمخة ولا أجفان ، كما أن علمه مــن غير اضطرار ولا نظر ولا برهان ، كما أن حياته من غير بخار تجويف قلب حدث عن امتزاج الأركان ، كما أن ذاته لا تقبل الزيادة ولا النقصان .
فسبحانه من بعيد دان ، عظيم السلطان ، عميق الإحسان ، جسيم الامتنان ، كل ما سواه فهو عن وجوده فائض وفضله وعدله الباسط والقابض ، أكمل صنع العالم وأبدعه حين أوجده واخترعه لا شريك له في ملكه ولا مدبر معه فيه ، إن أنعم فنعّم بذلك فضله ، وإن أبكى فعذب فذلك عدله ، لم يتصرف في ملك غيره فينسب إلى الجور والحيف ، ولا يتوجه عليه لسواه حكم فيتصف بالجزع لذلك والخوف ، كل ما سواه فهو تحت سلطان قهره وتصرف عن إرادته وأمره فهو الملهم نفوس المكلفين للتقوى والفجور أي لتعمل بالتقوى وتتجنب الفجور ، فهو المتجاوز عن سيئات من شاء هنا وفي يوم النشور ، لا يحكم عدله في فضله ، ولا فضله في عدله لقدم صفاته كلها ، وتنزهها عن الحدوث أخرج العالم قبضتين ، وأوجد لهم منزلتين ، فقال : هؤلاء للجنة ولا أبالي ، وهؤلاء للنار ولا أبالي ، ولم يعترض عليه معترض هناك إذ لا موجود كان ثمّ سواه ، فالكل تحت تصريف أسمائه فقبضة تحت أسماء بلائه وقبضة تحت تصريف آلائه لو أراد سبحانه أن يكون العالم كله سعيداً لكان ، أو شقياً لما كان في ذلك من شأن .لكنه سبحانه لم يرد ذلك فكان كما أراد فمنهم الشقي والسعيد هنا وفي يوم المعاد ، فلا سبيل إلى تبدل ما حكم عليه القديم قد قال تعالى في حديث فرض الصلاة : ” هي خمس وهي خمسون ، ما يبدل القول لديّ وما أنا بظلاّم للعبيد لتصرفي في ملكي وإنفاذ مشيئتي وذلك لحقيقة عميت عنها البصائر ولم تعبر عليها الأفكار ولا الضمائر إلا بوهب إلهي ، وجود رحماني ، لمن اعتنى الله به من عباده وسبق له في ذلك في حضرة إشهاده ، فعلم حين أعلم أن لا ألوهية أعطت هذا التقسيم وأنها من دقائق القديم ، فسبحان من لا فاعل سواه ، ولا موجود بذاته إلا إياه ، والله خلقكم وما تعملون ” لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون ” ” قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين ” .
وكما شهدنا لله تعالى بالوحدانية وما يستحقه من الصفات العليلة ، كذلك نشهد لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة إلى جميع الناس كافة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، وأنه صلى الله عليه وسلم بلّغ جميع ما أنزل إليه من ربه وأدى أمانته ، ونصح أمته ، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع على كل من حضره من الأتباع ، فخطب وذكر وخوف وأنذر ، ووعد وأوعد ، وأمطر وأرعد ، وما خص بذلك التذكير أحداً دون أحد عن إذن الواحد الصمد ، ثم قال : ” ألا هل بلّغت ؟ ” فقالوا جميعاً : ” قد بلّغت يا رسول الله ” فقال صلى الله عليه وسلم : ” اللهم اشهد ” .
ونؤمن بكل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مما علمنا ومما لم نعلم ، فمما علمنا وتحققنا مما جاء به وقرر ، أن الموت عن أجل مسمى عند الله إذا جاء لا يؤخر فنحن مؤمنون بهذا إيماناً لا ريب فيه ولا شك كما آمنا وأقررنا وصدقنا أن سؤال منكر ونكير في القبر حق ، وأن عذاب القبر حق ، والبعث من القبور حق ، والعرض على الله تعالـى حق ، والحوض حق ، والميزان حق ، وتطاير الصحف حق ، والصراط حق ، والجنة النار حق ، وطائفة أخرى لا يحزنهم الفزع الأكبر حق ، وأن شفاعة الأنبياء والملائكة وصالحي المؤمنين حق ،وشفاعة أرحم الراحمين حق ، فتشفع أسماء الحنان والرحمة ، عند أسماء الجبروت والنقمة .
وكذلك نؤمن بأن إيمان أهل النار كفرعون وغيره غير مقبول ولا نافع ، وأن جماعة من أهل الكبائر الموحدين يدخلون جهنم ، ثم يخرجون بالشفاعة حق ، وأن كل ما جاءت به الكتب والرسل من عند الله تعالى عُلم أو جُهل حق .
وكذلك نؤمن بأن التأبيد للمؤمنين في النعيم المقيم حق ، والتأبيد للكافرين والمنافقين والمشركين والمجرمين حق ، فهذه عقيدة القوم رضي الله عنهم أجمعين ، وهي عقيدة عليها حيينا ، وعليها نموت ، كما هو رجاؤنا في الله عز وجل ، فنسأل الله من فضله أن ينفعنا بهذا الإيمان ويثبتنا عليه عند الانتقال إلى الدار الحيوان ، ويحلنا دار الكرامة والرضوان ، ويحول بيننا وبين دار سرابيل أهلها القطران ، وأن يجعلنا من العصابة التي تأخذ كتبها بالإيمان ، وممن ينقلب من الحوض وهو ريان ويرجح له الميزان ، ويثبت منه على الصراط القدمان ، إنه المنعم المحسن .
اللهم آمين هذه عقيدة أهل التصوف وهي عقيدة عامة للمسلمين عبر تاريخهم الطويل من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يومنا .
هل تكفى المداومة على الأذكار دون متابعة شيخ مرب ٍ ؟
من داوم على الأذكار وامتثل الأوامر الدينية في الكتاب والسنّة فهذا يسير على درب السلامة وليس بينه وبين الجنة حاجز أو حجاب .
لكن يخشى عليه من أمراض النفس التي قد تزين له أعماله فيتسلل إلى نفسه الرياء أو العجب أو الكبر أو أن يدخل عليه الشيطان من مداخل كثيرة فينزله عن جادة الصواب .
فالأكمل والأحوط أن يكون له شيخ مرشد يبصره بمداخل الشيطان على النفس ويبين له أمراض النفس ، وذلك من خلال نظر الشيخ إليه وصحبته له .
فإن من التزم ما جاء في الكتاب والسنّة وتابع مداوماً على الأذكار وصحب شيخاً مربياً فإن مثل هذا يكون وصوله إلى مقامات الكمال وإلى الله أسرع وأسلم وأحفظ .
فإن مثل من يسير إلى الله عز وجل وهو بصحبة شيخ ومن يسير وليس معه شيخ ، كمن يسير في طريق متجهاً إلى بلد ما … فإن الأول يسير ومعه دليل عارف بأصول الطريق الذي يسيران فيه فيدله إلى القصد من أسرع الطرق وأقرب المسالك ، ويجنبه منزلقات الردى ويحميه من قطاع الطرق الذين يجهدون لقطعه عن مواصلة السير إلى مقصوده ومبتغاه .
أما الثاني فإنه قد يصل إلى مقصوده ويصل إلى البلد ولكن ربما تاه وضلّ الطريق الصحيح فتتشتت به السبل وتتشابه أمامه الطرق فلا يعرف ما هو أسلمها وأسهلها . وربما تلقاه قطاع الطرق وأضلوه عن الطريق فتاه دون أن يعلم أنه تائه ..
” قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً ..الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً “
وكذلك مثله – الثاني – كمن يتعاطى الدواء دون استشارة الطبيب المختص مما قد يعرضه للآفات والأمراض .
وذكر الله دواء لأمراض القلوب وعلل النفوس بأي صيغة كانت وكل هذه الصيغ الواردة في السنّة الشريفة وأقوال الصالحين هي في الحقيقة مركبات نورانية مستخرجة من عيادة الطب النبوي وكل صيغة لها تأثير خاص على القلب والنفس وكذلك فإن العارفين أطباء القلوب الذين هم ورثة رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصصون لمريديهم من هذه الأدوية النبوية ما يناسب أحوالهم وحاجاتهم لترقيهم في السير إلى الله تعالى .
وهذه أبيات تلخص أحكام التصوف وهي لشيخ عارف بالله سبر أغوار الطريق وقدم لنا نتيجة جهده بأبلغ كلام للعارف الإمام الروّّاس :
طريقتنا من أخلص القلب ضمنها
غدا بضمان الله يُحبى ويكرم
طريقتنا تنجي الفؤاد من الغوى
وتحفظه من زيفه وتسلم
طريقتنا حال النبي وطوره
وعن سرّه للعارفين تترجم
طريقتنا صدق وزهد ورأفة
وذلٌّ إلى المولى ومنهج قوم
طريقتنا أن تصلح العبد صحبة
فنحن سكوت والهوى يتكلم
طريقتنا أن يجعل الشرع سلّماً
أجل وبه السُّلاكُ ترقى وتعظم
طريقتنا ذكر ٌ بلا عدد على
موارد أنفاس تمر وتنظم
طريقتنا حب النبي وآله
وأصحابه والذكر للخير عنهم
طريقتنا ود ٌّ لكل موحدٍّ
وأن نسدي إحساناً لمن هو مسلم
طريقتنا وجه مع الناس حاضر
وقلب بذكر الله لا يتلعثم
طريقتنا أن نملأ العين دمعة
إذ الناس في فرش البطالة نوّم
طريقتنا هجر الكذوب وتركه
وحب صدوق هكذا القوم ألزموا
طريقتنا رد ُّ الشطوحات كلها
إذ لم يكن منها المؤل يُفهم
طريقتنا أن يأخذ القلب عبرة
ولو من هبوب الريح إذ يتنسم
___________
المصدر : منتدى ملتقى الحوار العربي .
http://www.hdrmut.net/vb/showthread.php?t=145043