هو شعور بالتقصير وتوقع حصول عقوبة نتيجة ذلك التقصير فيحدث قلق في النفس وارتباك وفقدان السيطرة على التصرفات , وهو مشترك بين عامة الناس إذا كل الخوف مصدره واحد هو الذي ذكرناه أي توقيع حصول مكروه وخوف المؤمنين من الله سبحانه وتعالى هو ما يخصنا فقد وردت آيات كثيرة في القران الكريم بألفاظ متعددة مثل (الخوف ,والخشية, الرهبة, التقوى ) .
قال تعالى: ( وخافون إن كنتم مؤمنين)(2) , حيث جعل الله سبحانه وتعالى الخوف منه شرطا للأيمان به , وقال تعالى: (ولمن خاف مقام ربه جنتان)(3), وقال تعالى: (وإما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى . فان الجنة هي المأوى)(4), تبشير بمقام أهل الخوف من الله ومن خاف الله أدى حقوقه عليه وبذلك يكون مستحقا للثواب .
وقال تعالى في الوصف الملائكة: (يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون)(5) وقال تعالى في وصف القران الكريم : (تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم)(6), وقال تعالى : (لو أنزلنا هذا القران على جبل لريته خاشعا متصدعا من خشية الله)(7) .
وعباد الله المؤمنون يشمل الملائكة والأنبياء والصالحين السالكين السائرين على نهج الرسولﷺ فقد نقل عنه ﷺ انه قال: (ما جاءني جبريل قط إلا وهو يرتعد فرقا من الجبار), وقال تعالى مخبرا عن موسى عليه السلام: (وخر موسى صعقا), وروى عن الرسول ﷺ :انه كان إذا دخل في الصلاة يسمع لصدره أزيزا كأزيز المرجل(8) .
ومن عرف الله وعلم إن قدرته محيطة بكل شيء خافه حق مخافته قال تعالى: ( إنما يخشى الله من عباده العماء)(9), وعن الرسول ﷺ قال: (قال الله تعالى وعزتي لا اجمع على عبدي خوفين ولا اجمع له امنين فان امنني في الدنيا أخفته يوم القيامة وان خافني في الدنيا امنته يوم القيامة)(9).
فالعبد المؤمن يجب إن لا يامن من خوف الله في الدنيا وهذا شان السادة أهل الطريقة والسالكين وهم الذين يؤدون الطاعات والالتزامات تجاه الخالق ويخافون إن لا تقبل . عن عائشة رضي الله عنها قالت يا رسول الله الذين يأتون ما أتوا وقلوبهم وجلة هو الرجل يسرق ويزني ؟ قال : ( لا بل الرجل يصوم ويصلي ويتصدق ويخاف إن لا يقبل منه)(10).
وخوف المؤمن من الله يورث هيبة له عند الناس قال الرسول ﷺ : ( من خاف الله تعالى خافه كل شيء ومن خاف غير الله خوفه الله من كل شيء)(11) , وقال الرسول ﷺ : ( عينان لا تمسها النار عين باتت تحرس في سبيل الله عين بكت من خشية الله) , ومن حديث للرسول ﷺ : ( سبعة يظلهم الله في ظله … ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه) (12), وكذلك كان صاحبه رسول اللهﷺ يخافون الله متأسين برسوله الكريم فعن عبد الله بن الرومي قال : بلغني إن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : ( لو أني بين الجنة والنار ولا ادري إلى أيتها يؤمر بي لاخترت إن أكون رمادا قبل إن اعلم إلى أيتها أصير) . وعن انس بن مالك رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله ﷺ خطبة ما سمعت مثلها قط فقال: ( لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا لبكيتم كثيرا)(13 ), فغطى أصحابه وجوههم ولهم خنين .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ : (من خاف ادلج ومن ادلج بلغ المنزل إلا إن سلعة الله غالية , إلا أن سلعة الله الجنة)(14).
والخوف يجب إن لا يغلب على السالك حتى يدخل في اليأس لان الله سبحانه وتعالى يقول : ( يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله)(15) .
فلا بد إن يجمع بين الخوف والرجاء فخوف من عذاب الله وغضبه ورجاء في رحمته جل جلاله .
قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام ( ومن عبد الله على ميزان الخوف والرجاء لا يضل ويصل إلــى مـا هــو له )(16) .
وروي عن الإمام علي كرم الله وجه قال لبعض الخائفين وقد تاه عقله فأخرجه من الخوف إلى القنوط ما اصارك إلى ما أرى ؟ فقال: ذنوبي عظيمة.
فقال:( ويحك إن رحمة الله تعالى أعظم من ذنوبك).
فقال الرجل : إن ذنوبي أعظم من إن يكفرها شيء.
فقال الإمام علي كرم الله وجهه (إن قنوطك من رحمة الله أعظم من ذنوبك) (17) .
وقال السيد الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس الله سره : ( ليس على وجه الأرض احد أخاف منه وارجوه ,لا من الجن ولا من الإنس ولا من الحيوانات والحشرات ولا من جميع المخلوقات , لا أخاف إلا من الله عز وجل كلما امنتني زدت من الخوف لأنه فعال لما يريد , ولا يسال عما يفعل وهم يسالون) (18).
وقال : ( أيضا المتقون , هم الذين يتقون الله عز وجل في الجلوات والخلوات , ويراقبونه في جميع الحالات , ترتعد فرائض قلوبهم منه في الليل والنهار . يخافون البيات من مجيء الآفات التي تقطعهم عنه ,مع عدم الصبر , فينقلون إلى الكفن , يخافون من مجيء ملك الموت على نبينا وعليه الصلاة والسلام وهم على اشر عمل , يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة , خائفة من الرد , خائفة من علم الله عز وجل فيهم) .
كان الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى إذا لقي سفيان الثوري رحمه الله تعالى يقول له : ( تعال حتى نبكي على علم الله عز وجل فينا) . ما أحسن هذا الكلام , هو الكلام عارف بالله عز وجل , عالم به وبتصاريفه , اما أقوله علم الله عز وجل الذي أشار إليه نبكي على علم الله فهو قوله تعالى : (هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي وهؤلاء إلى النار ولا أبالي) . وخلط الكل موضعا واحدا فلا يدري من أي الفريقين هو . المتقون لم يغترو بما ظهر من أعمالهم , لان أعمالهم بخواتيمها , المتقون هم التاركون للمعاصي والزلات , ما اظهر منها وبطن . وقال يحيى بن معاذ من عبد الله تعالى : (بالخوف دون الرجاء غرق في إبحار الأذكار ومن عبد الله بالرجاء دون الخوف تاه في مفاوز الاغترار ومن عبد الله بالخوف والرجاء معا اســتقام في الأذكــــار )(19) . وقد أدرك أهل الطريقة أساس الخوف ومواقعه واستطاعوا تحديد انتقالاته في الجسد وبينوا نتائج هذا الانتقال فقد ذكر أبو طالب المكي في كتابه قوت القلوب إن الخوف قد يفيض من القلب إلى المرارة ويقتل صاحبه وهو الذي يموت بالغشي والصعق وقد يطير الخوف من القلب إلى الدماغ فيحرق العقل ويتيه العبد , وقد يمكن الخوف في الكبد فيورث الكمد اللازم والحزن الدائم ويحدث الفكر الطويل وعند هذا يذهب النوم ويدوم السهر ويروي أبوا طالب المكي إن هذا أفضل أحوال الخوف وهو خوف العالمين .
وكان الحسن البصري قدس الله سره يقول : ( يخرج من النار رجل بعد ألف عام يا ليتني كــنت ذلك الرجــل )(20), وقوله هذا لخوفه من الخلود في النار ورأى الشيخ داود الطائي قدس الله سره امرأة تبكي على قبر ولدها وهي تقول : يا ابناه ليت شعري أي خديك بدا به الدود أولا ؟ فصعق وسقط مكانه .
وقال الإمام الغزالي : ( واعلم إن حقيقة الخوف هو تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في المستقبل وقد يكون ذلك من جريان الذنوب , وقد يكون الخوف من الله تعالى بمعرفة صفاته التي توجب الخوف لا محاله وهذا أكمل وأتم لان من عرف الله خافه بالضرورة قال تعــالى : ( إنـــما يخــشى الله من عــباده العلــماء)(21) ) .
وقيل إن الله تعالى جمع للخائفين ما فرقه على المؤمنين وهو الهدى والرحمة والعلم والرضوان قال تعالى : (هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون)(22), وقال تعالى : ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه)(23) .
ويصنف ابن عجيبة مراتب الخوف إلى ثلاث مراتب فقال : (خوف العامة من العقاب وفوات الثواب , وخوف الخاصة من العتاب وفوات الاقتراب , وخوف خاصة الخاصة من الاحتجاب بعروض سوء الأدب)(25) .
وقال الفضيل بن عياض :(إذا قيل لك تخاف الله فانك إن قلت لا كفرت وان قلت نعم كذبت فليس وصفك وصف من يخاف) .
الهوامش:
(1) الغزالي : إحياء علوم الدين , ج4 ص336.
(2) أل عمران : 175.
(3) الرحمن : 46 .
(4) النازعات : 40, 41 .
(5) النحل : 50 .
(6) الزمر : 23 .
(7) الحشر : 21 .
(8) رواه أبو داود والتزمذي في الشمائل والنسائي
(9) فاطر : 28 .
(10) أخرجه ابن حبان في الصحيح والبيهقي ورواه ابن المبارك .
(11) رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم وقال الصحيح الإسناد .
(12) رواه ابن حبان وابن أبي الدنيا .
(13) متفق عليه من حديث أبي هريرة .
(14) رواه الترمذي وقال حديث حسن .
(15) الزمر : 53 .
(16) عادل خير الدين : العالم الفكري للإمام جعفر الصادق- ص307
(17) أبو طالب المكي : قوت القلوب -ج2 ص157 .
(18) جلاء الخاطر من كلام الشيخ عبد القادر ,ص26 .
(19) أبو طالب المكي : قوة القلوب – ج2 ص158 .
(20) الغزالي : إحياء علوم الدين- ج4 ص174.
(21) فاطر : 28 .
(22) الأعراف : 154 .
(23) البينة :8 .
(24) ابن عجيبة : معراج التشوف إلى حقائق التصوف – ص6 .
المصدر:
السيد الشيخ محمد الكسنزان-كتاب الطريقة العلية القادرية الكسنزانية- ص220-224 .