ازدادت حاجة العالم في الآونة الأخيرة للكمال الروحي أيما ازدياد ؛ نتيجة بعده عن الدين الذي شرعه الله تعالى لصلاحهم وتوازن حالهم ، فهو ماء الروح، وترياق النفس البشرية الذي إن تخلى عنه وابتعد شعر بعطش شديد يشده إلى فطرة ربه التي فطر الناس عليها ، وهذا العطش يسمى عند أهل الاصطلاح من الصوفية ( العطش الروحي )، وإن خير من أجاد وأحسن في تعريفه هم أهل الذوق العارفون بالله تعالى .
يقول الشيخ عبد الله الهروي : « العطش : هو كناية في هذا الطريق عن غلبة الولوع بالمأمول ، أي : التعلق به بصفة المحبة …» (1) .
ويقول الشيخ محمد بن وفا الشاذلي : « العطش : هو لهب النفس بنار التطلع إلى ما به حصول الري » (2) .
ويقول الشيخ محمود بن حسن الفركاوي القادري : « العطش : هو الشوق المبرح ، فلا يسكن إلا بالشرب والوصل » (3) .
ويقول الشيخ إبن أنبوجة التيشيتي : « العطش : هو التجلي الذي ما دونه سحاب هوى ولا حجاب طبع ولا انتظار بعده » (4) .
أما درجات العطش فهي كما يراها الشيخ عبد الله الهروي : « العطش وهو على ثلاث درجات :
الدرجة الأولى : عطش المريد إلى شاهد يرويه أو إشارة تشفيه أو عطفة تؤويه .
والدرجة الثانية : عطش السالك إلى أجل يطويه ويوم يريه ما يغنيه ومنزل يستريح فيه .
والدرجة الثالثة : عطش المحب إلى جلوة ما دونها سحاب علة ولا يغطيها حجاب تفرقة ولا يعرج دونها على انتظار » (5) .
ويقول الشيخ كمال الدين القاشاني في سبب العطش الصوفي : « قالوا : إن العطش إنما يكون من أثر القلق الذي هو شدة حركة مزعجة واضطراب يعرض للمشتاق ، وإنما يحصل العطش في المشتاق من أثر تلك الحركة المزعجة بحيث يورث ذلك الأثر كآبة وحركة لا يرويه إلا قطرة من سلسبيل العناية والمدد فيما هو بصدده » (6) .
وفي حقيقة العطش وغايته يقول الشيخ محمد بن وفا الشاذلي : « حقيقته إمساك النفس عن الاستغناء ببذل لا يجد كمال مطلوبها عنده ، وغايته الحصول على مطلوب لا تدرك له غاية » (7) .
يروى أنه جاء شخص إلى حضرة الإمام الصادق – عليه السلام – وقال له : أريد أن تعلمني شيئاً أرى فيه حضرة الرسول في الرؤيا هذه الليلة ، فقال له الإمام : اذهب وكُل سمكاً كثيراً ولا تشرب الماء ، وانظر ماذا ترى . وكان الجو شديد الحرارة ، فذهب الرجل وعمل بكلام الإمام ، فلم يستطع النوم من شدة العطش وإذا غلبه النوم كان يرى البرق والبحار وكأنه يغرق أو ما شابه من أضغاث الأحلام ، وذلك من شدة عطشه ، وفي اليوم الثاني أخبر الإمام بما رأى ، فقال له حضرة الإمام – عليه السلام – : أرأيت كيف جعلك العطش الشديد ترى الماء في النوم واليقظة ولا تفكر إلا به ؟ كن عطشاناً بهذا الشكل لحضرة الرسول وسوف لا يفارقك في الليل أو النهار .
وأنت أيها المريد : إذا لم تكن شديد العطش إلى الله تعالى لا ترى نور الله ، إذا لم تكن شديد العطش إلى ذكر الله لا ترى الله .
قال الشيخ أحمد الكمشخانوي النقشبندي : « عطش الأبواب : هو العطش إلى الألطاف المقربة والعواطف المسكنة .
وعطش الأحوال : هو عطش السالك إلى ما يبلِّغه إلى المطلوب ويروِّحه بشهود المحبوب .
وعطش الأخلاق : هو العطش إلى وصول الخلاص عن البعد ، بالقبول .
وعطش الأودية : هو العطش إلى علو الهمة وتفريد الهم والوجهة.
وعطش البدايات : عطش البدايات : هو عطش المريد إلى ما يوجب اليقين من الشواهد ويخلصه من الشبهة والشكوك الفواسد .
وعطش الحقائق : عطش الحقائق : هو العطش إلى الاتصال والخلاص من الانفصال .
وعطش المعاملات : هو العطش إلى الاستقامة ، والبلوغ إلى الثقة بالله .
وعطش النهايات : هو العطش إلى جلوة لا يشوبها حجبة ، وجمع لا يعارضه تفرقة .
وعطش الولايات : هو العطش إلى الخلاص من التلوين بشهود الصفات ، والبلوغ إلى التمكين بشهود الذات » (8) .
مكتب الارشاد والمتابعة في الطريقة الكسنزانية
___________________
الفهرس:
(1) – الشيخ كمال الدين القاشاني – لطائف الأعلام في إشارات أهل الإلهام – ص 419 – 420 .
(2) – الشيخ محمد بن وفا الشاذلي – مخطوطة برقم ( 11353 ) – ص 14 .
(3) – الشيخ محمود بن حسن الفركاوي القادري – شرح منازل السائرين – ص 99 .
(4) – الشيخ عبيدة بن أنبوجة التيشيتي – ميزاب الرحمة الربانية في التربية بالطريقة التيجانية – ص 156 .
(5) – الشيخ عبد الله الهروي – منازل السائرين – ص 94 .
(6) – الشيخ كمال الدين القاشاني – لطائف الأعلام في إشارات أهل الإلهام – ص 419 – 420 .
(7) – الشيخ محمد بن وفا الشاذلي – مخطوطة برقم ( 11353 ) – ص 14 .
(8) – الشيخ أحمد الكمشخانوي النقشبندي – مخطوطة جامع الأصول في الأولياء – ص 252 .