السيد الشيخ الدكتور نهرو الشيخ محمد المحمد الكسنزان الحسيني
قال والدنا حضرة السيد الشيخ السلطان الخليفة محمد المحمد الكسنـزان قدس الله سره إن : « علم الطريقة هو العلم الأكبر » وفي محاولة منا لاستخلاص ما انطوت عليه هذه العبارة من معانٍ صوفية وإشارات معرفية ، تهم السالكين في الطريق ، والباحثين عن الحقيقة والتحقيق ، تقربنا من حضرته للسؤال والاستفسار فكان أن نوّرنا بشيء من مقصده فيها ، وبين لنا أن سبب وصفه قدس الله سره لعلم الطريقة بكونه ( العلم الأكبر ) وفي وصف آخر : ( علم العلوم ) مستفاد في موطن المقال من أمور ثلاث :
الأول : لكونه علم يسير بالمريد في طريق معرفة الله تعالى حق العرفان ، فإذا ما وصل المريد وحصل فإن علمه بذلك يكون أكبر من جميع العلوم الأخرى في شتى المجالات فليست معرفة الله جل في علاه كمعرفة ما سواه من الأشياء ، ولا يستويان مثلا ومن هنا أكد شيخنا قدس الله سره على القول بأن « العالم بمعرفة الله أكبر عالم » ، وبالتالي فعلمه هو العلم الأكبر .
الثاني : كون هذا العلم متخصص في تسهيل التقرب والوصول إلى الله تعالى ، من خلال الإخلاص في محبته والفناء في طاعته . ولما كان هذا العلم يقوم على ما يعرف بالتجربة الروحية ( الصوفية ) وهي تجسيد حي لتفاعل الإيمان والعمل الصالح مع بعضهما البعض ، فهو من هذا الوجه أكبر من جميع العلوم التي تبحث بما دون ذلك أو تلك التي لا تقرن التنظير بالتطبيق ، أو لا يتكامل فيها القول مع العمل تكامل الروح في الجسد .
الثالث : يقول حضرة السيد الشيخ السلطان الخليفة محمد المحمد الكسنـزان قدس الله سره : « كل العلوم محدودة في إطارها إلا علم الطريقة مفتوح على كل العلوم ، لأنه العلم بروح الأشياء أو بالجانب الروحي في الشيء » .
من هنا يتبين أن السبب وراء أفضلية علم الطريقة على ما سواه من العلوم الأخرى يرجع إلى أن العلوم الأخرى متعلقة بظاهر الأشياء لا بروحها بخلاف علم الطريقة القائم على أساس المعرفة بالجانب الروحي ، ولئن كانت حدود الأشياء أو محدودية دلالاتها الظاهرية تقصرها على ذلك البعد ، فإن تعلق علم الطريقة بالروح المطلقة للأشياء يجعل من علمها أكبر وأسمى مما سواه ، ولنضرب مثلاً يوضح المقصد هنا بشكل أكثر :
إن العالم الطبيـــــعي ينظر إلى الكائن الحي بعينه ويفحصه بمعداته العلمية المتفردة لديه ، ومهما بحث وجرب وحلل وركب فإنه لا يستطيع أن يتجاوز ما يقع أمام عينيه من خصائص مادية ملموسة ، وبالطبع فهو يصل إلى شيء وتفوته أشياء ، وعلى أساس ذلك يدون ملاحظاته حول منافع الأعشاب أو مضارها مثلاً .
وأما العارف الصوفي فإنه حين ينظر إلى عشب مثلاً أو أي شيء ، فإنه يرى – ومن دون تجربة أو فحص – بنور الله عز وجل ما أودع الله في تلك النبتة كل الخصائص النافعة أو الضارة وكل ما يتعلق بها لأن علمه بالله وليس بنفسه أو عقله وعلم الله كامل لا نقص فيه وهو يلهمه لمن يشاء من عباده المكرمين .
إن سمع العالم العادي وبصره محدودان في إطار الممكنات وحدودها بل وحتى عقله ، بينما سمع العارف وبصره ومعرفته تتجاوز حدود ذلك إذ لا يحدها زمان ولا يحصرها مكان ولا تتقيد بكيف أو كم .
إن هذه المرتبة من إطلاق المعرفة التي يصلها السالك في الطريقة والتي يصفها حضرة السيد الشيخ السلطان الخليفة محمد المحمد الكسنزان قدس الله سره بأنها : « مرتبة التنوير حيث تتنور حواسه وأعضائه ويصبح عنده الجلاء السمعي والجلاء البصري والجلاء القلبي ، ويحــــصل عنده الكــشف عن حقائق الأشياء » ، هي ذات المرتبة التي دلّ عليها حديث قرب النوافل الشهير والذي يقول فيه تعالى : ( لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل … كنت الخ ) .
وقد دل القرآن الكريم على أن السبيل للوصول إلى مرتبة معرفة الله تعالى ومن ثم المعرفة بنوره سبحانه وتعالى هو التقوى لقوله تعالى :وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ ( البقرة : 282 ) .
والتقوى هو بالتحديد العلم الذي ترسم الطريقة معالمه وتضع الأصول والقواعد التربوية لتحقق المريدين به ، يقول حضرة السيد الشيخ السلطان الخليفة محمد المحمد الكسنـزان قدس الله سره : « الطريقة منهج الوصول إلى مرتبة التقوى ، ومن يصل إلى التقوى فقد وصل إلى الله( عز وجل ) لأنه يكون حاضره وناظره ومعلمه في يقظته ونومه ، يكون دليله ومعينه في الدارين » .