مصطفى القاسم أبو رمان
التصوف بمثابة طريقة حياة اسلامية وبناء محتمع أخلاقي عاشه أهل الاردن، كما عاشته غالب المجتمعات الاسلامية. وجذور التصوف في الاردن ممتدة عبر القرون يشهد بذلك التاريخ والآثار الاسلامية والحديث عنه لحاجتنا اليه كمنهج افتقدناه الا ما كان في بعض الزوايا والمساجد مقتصرا على أبناء الطريق وهم المريدون، الذين يسلكون التصوف طريقا ومنهجا واذكارا وتربية. ففي العصور الماضية كان التصوف يصبغ المسجد والمجتمع الاردني بصورة عامة، من غير زاوية ولا سلوك، حتى ظهرت فينا حركات تحارب هذا المنهج وتدّعي أنه ليس من الاسلام! التصوف في حقيقته هو الاسلام. فلا يوجد في التصوف أمر الا وعليه دليل من الكتاب والسنة؛ فمن كلام البسطامي: “لو نظرتم إلى رجل يرتقي في الهواء فلا تقتدوا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة”. وأقوال الائمة والعلماء من السلف والخلف الصالح لا تخرج عن ذلك وهم أبعد الناس عن المخالفة، وان كان لكل قاعدة شواذ فالشواذ مردودة عليهم بدعهم ومخالفاتهم، وهذا موجود في كل مذهب وطريقة. فطريق التصوف مشيد بالكتاب والسنة ولا يقبل الصوفي لنفسه مخالفة لهما في جميع أحواله. صحيح أنّ الاسلام -عقيدة وعبادة وتربية وأخلاق- هو سلوك انساني للفرد المسلم دون أن يكون منسوبا لطريقة صوفية معينة، لكن الطريقة هي مدرسة تعليمية وتربوية تنشئ أبناءها وتزكيهم من خلال المقامات والاحوال التي يمر بها المريد والسالك.
الحاجة للتصوف
في ظل ما نشاهده من أزمة الاخلاق والافتراق في الامة وكثرة الفتن وما يطلقه البعض من التكفير للآخر ومصادرة الرأي وفرض الرأي على الآخر، مالم نألفه من قبل ولم نتربّ عليه مع الآباء والاجداد ومع الاستاذ في المدرسة ومع الجار في الحي والقرية وفي المسجد والى غير ذلك من أحوال، نجد أن الحاجة ملحة للخروج من هذه الازمة والعودة الى الاصول في حياتنا الا وهي “التربية الصوفية” وحتى لا تكون هذه التربية حبيسة الزوايا وبعض المساجد والتكايا لا بد من نهضة اسلامية أخلاقية سلوكية يرفع رايتها كل مواطن حريص على عقيدته ووطنه وأسرته ومجتمعه. هذه البداية التي منها ننطلق إلى مجتمع اسلامي صوفي في عقيدته وأخلاقه وسلوكه، أمّا عكس ذلك فدخيل علينا.
سلوكيات صوفية للمجتمع الأردني
أعلام التصوف من الشمال للجنوب قبورهم ومزاراتهم منذ القرون الاولى؛ فمن الامام الجنيد البغدادي المشهور بين أهل التصوف بسيد الطائفتين، الذي تسمى بلدية “الجنيد” بعجلون باسمه الى أكثر القرى الشمالية لا تخلو من مقام لولي صالح أو عالم عامل. وكثير من العشائر فيها جد صالح تعرف الاردن كلها ذلك وتنتسب اليه وتفتخر به وتسلك طريقته. وفي الوسط؛ مقام الخضر عليه السلام، يزور هذا المقام في ماحص المسيحيون والمسلمون على حد سواء.
وفي الجنوب؛ أبو سليمان الداراني من أعلام التصوف في القرن الثالث 215 في منطقة الشوبك. اذا رجعت لترجمته تجد وفاته في احدى قرى دمشق لكنني وقفت على قبره في الشوبك. هذا أذكره، كمثال، والا فلا حصرللاولياء في الاردن.
أما الطرق الصوفية في الاردن؛ فهنالك الشاذلية، وتنتشر في كافة أنحاء المملكة والشاذلية اليشرطية والطريقة القادرية والرفاعية والنقشبندية والخلوتية الرحمانية وممتدة في فلسطين والاردن.
زوايا ومساجد وأتباع
بل ان المسجد الاقصى كان خلوة وساحة علمية لسالكي طريق التصوف. فالإمام الغزالي معروف عنه أنه اتخذ المسجد الاقصى خلوة له، ولما كانت الاردن طريقا للشامي والحجازي والعراقي والتركي وغيرهم فقد كانت الاردن أيضا مقرا لكثير من العلماء ذكرهم التاريخ، بأسماء مدنهم وقراهم كالكركي والعجلوني والبلقاوي والاربدي والباعوني والباعونية.. أما حديثا، ومنذ قرن، لم نسمع عن عالم ولا قاض الا كان من أتباع المذهب الحنفي أو الشافعي، أما المالكية فمن تتلمذ منهم على الشيخ الشنقيطي، فقط، وكلهم وبلا استثناء كانوا صوفيين في مشاربهم وأخلاقهم ولهم بذلك سند طريقة. ليس هذا المهم الا أن سلوكهم في المجتمع كان صوفيا تربية وسلوكا وارشادا. إنّ آثار أهل التصوف من شمال الاردن لجنوبه قباب ومساجد وعلماء سيرتهم وذكراهم باقية ليومنا هذا. فلا تبكوا على التوحيد في الاردن، فسلوك أهل الاردن وأخلاقهم توحيد خالص وتمسك بالسنة وعون للمحتاج وصلة للارحام واصلاح ذات البين وتعظيم للشعائر وتراحم وألفة ومودة. المزاج الاجتماعي الأردني صوفي بامتياز، ما عدا ذلك فهو طارئ والجغرافيا والتاريخ أكبر دليل!
______
المصدر :- موقع جريدة الغد
http://www.alghad.jo/?news=192513