الشيخ أبو العباس الصنهاجي :
« الشوق فهو من منازل العام إذ الشوق هو هبوب القلب إلى تمني غائب يحضر وإعواز الصبر عن فقده وارتياح السر إلى طلبه وهو من أضعف منازل القوم وأما الخواص فهو عندهم علة عظيمة لأن الشوق إنما يكون إلى غائب ومذهب هذه الطائفة إنما قام على المشاهدة ألم تر إلى ربك كيف مد الظل الآية .
فالطريق عندهم أن يكون العبد غائباً والحق حاضراً ولهذا المعنى لم ينطق بالشوق كتاب ولا سنة صحيحة لأن الشوق مخبر عن بعد ومشير إلى غائب وتطلع إلى مدرك وقد قال تعالى وهو معكــم أينمــا كنتـــم وفي معنى هذا قيل :
ولا معنى لشكوى الشوق يوماً
إلى من لا يزول عن العيان
أودعكم وأودعكــم جنـــاني
وأسبل عـبرة مثل الجمـان
ولو شــاء الإله لمــا افترقنا
ولكن لا خيـار مع الزمـان
وحكي أن الشبلي رأى مجنوناً في بعض الأيام يعدوا والصبيان خلفه يرمونه بالأحجار وقد أدموا وجهه وفتحوا رأسه فقام له الشبلي في زجرهم عنه فقالوا يا شيخ دعنا نقتله لأنه كافر قال وما الذي بان لكم من كفره فقالوا أنه يزعم أنه يرى ربه ويحادثه .
فقال أمسكوا عليّ قليلاً حتى أسأله ثم تقدم الشبلي إليه فوجده يتحدث ويضحك ويقول في أثناء ذلك هذا جميل منك تسلط عليّ هؤلاء الصبيان يفعلون بي هكذا فتقدم إليه وقال له يا أخي أصحيح ما يقول هؤلاء الصبيان عنك قال يا شبلي وما يقولون قال يقولون أنك ترى ربك وتحادثه فصاح صيحة عظيمة ثم قال يا شبلي وحق من تيمني بحبه وهيمني به بين بعده وقربه لو احتجب عني طرفة عين لتقطعت من ألم البين ثم ولي وأنشأ يقول:
خيالك في عيني وذكرك في فمي
ومثواك في قلبي فأين تغيب
خليلي ما للعاشقين قلـــــوب
ولا للعيون المغيّرات ذنوب
________
المصدر:- الشيخ أبو العباس الصنهاجي – محاسن المجالس – ص 93 – 95 .