وردت كلمة التسبيح في القرآن الكريم بقوله تعالى : ( تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وان من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم انه كان حليما غفورا )(1) ، فجميع الحيوانات والنباتات والجمادات تسبح لله .
والسُبَحة: الخرزات التي يعد المسبح بها تسبيحه وهي ايضا التطوع من الذكر والصلاة والسبحة الدعاء وصلاة التطوع والنافلة .
والمسبحة بفتح السين وكسر الباء : الإصبع التي تلي الإبهام (2) .
والتسبيح وذكر الله سبحانه أمر مفروض في القرآن الكريم في أكثر من موضع ولما أكدت الآيات القرآنية على كثرة الذكر احتاج المؤمنون الى وسيلة لضبط العدد الذي حددته السنة النبوية الشريفة لكل تسبيحة ، وكان التسبيح يتم بعقد الأنامل ولما كانت هذه الطريقة تشغل فكر المسبح الى العد وتؤثر في خشوعه التجأ الصحابة الى وسائل أخرى عديدة فمنهم من استعمل الحصى وآخر استعمل النوى وغيره استعمل العقد في الخيط وهكذا …
وقد استعمل هذه التسابيح رجال من الصحابة البارزين الذين أخذ عنهم الحديث النبوي الشريف وكان يعتمد عليهم في وقتهم أعمدة من قواعد البنيان الإسلامي كأبي سعيد ألخدري وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وأبي الدرداء ، كما كان يفعل ذلك آل بيت النبي الأكرم ﷺ ومواليه وأزواجه ولم ينكره عليهم .
وان من المناسب هنا ان نتبع الأحاديث والآثار النبوية في هذا المجال :
– روي ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم عن ابن عمر قال رأيت النبي ﷺ يعقد التسبيح .
– اخرج الإمام احمد في الزهد قال: حدثنا عفان حدثنا عبد الواحد بن زياد عن يونس بن عبيد عن أمه قالت رأيت أبا صفية رجلا من أصحاب النبي وكان جارنا قالت: فكان يسبح بالحصى .
– قال ابن سعد في الطبقات اخبرنا عبيد الله بن موسى اخبرنا إسرائيل عن جابر عن امرأة حدثتنا فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إنها كانت تسبح بخيط معقود فيه .
– واخرج عبد الله بن الإمام احمد في زاوية الزهد من طريق نعيم بن محرز بن أبي هريرة عن جده أبي هريرة انه كان له خيط فيه الف عقدة فلا ينام حتى يسبح به .
– اخرج الإمام احمد في زاوية الزهد حدثنا مسكين بن بكير اخبرنا ثابت بن عجلان عن القاسم بن عبد الرحمن قال: كان لأبي الدرداء نوى في كيس فكان اذا صلى الغداة أخرجهن واحدة واحدة يسبح بهن حتى ينفدهن .
– اخرج بن سعد عن حكيم بن الديلمي ان سعد بن أبي وقاص كان يسبح بالحصى .
– اخرج الترمذي والحاكم والطبراني عن صفية بنت حيي قالت: دخل علي رسول الله ﷺ وبين يدي أربعة آلاف نواة اسبح بهن فقال ما هذا يا بنت حيي ؟ قلت: اسبح بهن قال: قد سبحت منذ قمت على رأسك أكثر من هذا ، قلت علمني يا رسول الله ؟ قال: قولي سبحان الله عدد ما خلق الله من شيء . فلا يخفى على ذي لب ان أربعة آلاف او أكثر يصعب عدها بالأنامل فلا بد لهم من آلة او وسيلة كانوا يستعينون بها .
وقد اتخذ السبحة وسيلة للوصول جميع مشايخ الطرق الصوفية وذلك لما أرادوا ضبط التسبيحات فاحتاجوا إليها ، وذكر ابن خليكان في وفيات الأعيان انه شوهد في يد أبي القاسم الشيخ جنيد البغدادي سبحة فقيل له أنت مع شرفك تأخذ بيدك سبحة ؟ فقال طريق وصلت به الى ربي لا أفارقه ، وذكر أبو القاسم هيـبة الله بن الحسن الطبري في كتاب كرامات الأولياء قال الشيخ الإمام العارف عمر البزاز : كانت سبحة الشيخ أبي الوفا عبد الرحمن التي أعطاها له السيد الشيخ محيي الدين عبد القادر الكيلاني اذا وضعها على الأرض تدور وحدها حبة حبة .
الهوامش:
1- سورة الإسراء ، الاية 44.
2- لسان العرب لابن منظور ، ج2 ، ص473.
المصدر:
السيد الشيخ محمد الكسنزان الحسيني -كتاب الطريقة العلية القادرية الكسنزانية- ص364.