في فضائل الحضرة المحمدية صلى الله عليه وسلم
د.رشيد كهوس /كاتب وباحث
تمهيد
الحمد لله رب العالمين خالق الخلائق أجمعين، برحمته وفضله نستزيد من النوال، أحمده حمد عبد مذنب بادي العجز والكلال، وألجأ إليه مستشفعا بحبيبه وصفوة خلقه سيدنا محمد سيد ولد آدم في يوم لا بيع فيه ولا خلال، وأستغفره وأتوب إليه من رديء الخلق وسيء الأعمال، وأعبده حزينا على تقصيري والإهمال، وأستعينه وأستهديه ليهدينا صراط الذين أنعم عليهم من المقربين أهل المحبة و الكمال.
والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا وحبيبنا مولانا محمد من أوتي من كل حسن كمال الكمال، وتمام الجمال، ووعد بالمقام المحمود في المآل، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين وذريته والآل، وعلى أصحابه الأخيار الذين بلغوا الآمال وكانوا كالجبال بالمحبة والإجلال، وعلى من اتبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار وفي كل الأحوال.
أما بعد: فيقول ربنا تبارك وتعالى:(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ، فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم)التوبة:128-129.
صلاة لها ريح من المسك أطيب
بأحمد كل الأرض نارت وأشرقت
ففي نوره كلّ يجيء ويذهب
بداه جلال الحق للخلق رحمة
فكل الورى في برّه يتقلب
بدا مجده من قبل نشأة آدما
وأسماؤه من قبل في العرش تُكتب
بمبعثه كل النبيين بشرت
ولا مرسل إلا به كان يخطب
بتوراة موسى نعته وصفاته
وإنجيل عيسى في المدائح يُطْنِبُ
بشير نذير مشفق متعطف
رؤوف رحيم محسن لا يُثَرِّبُ
نبينا أعلى نبي وأرفع
روى الإمام أبو نعيم والطبراني رحمهما الله عن الصديقة بنت الصديق السيدة الطاهرة العفيفة النقية مولاتنا عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله سلم عن جبريل قال:”قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد أفضل من محمد، ولم أر بني أب أفضل من بني هاشم”.
وروى الإمام ابن عساكر رحمه الله عن سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: هبط جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ربك يقول:” إن كنت قد اتخذت إبراهيم خليلا فقد اتخذتك حبيبا، وما خلقت خلقا أكرم منك، ولقد خلقت الدنيا وأهلها لأعرفهم كرامتك ومنزلتك عندي، ولولاك ما خلقت الدنيا”.
هذا الحديث جامع وشامل، يبين لنا مكانة المحبة ومقامها، فلولاها ما وجد شيء على هذا الكون، إنها أعلى مقامات الولاية، ومفتاح لكل خير ومغلاق لكل شر، من أوتيها فقد أوتي خير الدنيا والآخرة ومن حرمها فقد حرم كل فضل وخير.
صلى الله وسلم وبارك على حضرة الحبيب الذي زكى الله عقله فقال:”ما ضل صاحبكم وما غوى” النجم:2. وزكى لسانه فقال:”وما ينطق عن الهوى” النجم:3. وزكى فؤاده فقال:”ما كذب الفؤاد ما رأى” النجم:11. وزكى بصره فقال:”ما زاغ البصر وما طغى” النجم:17. وزكاه كله فقال:”وإنك لعلى خلق عظيم” القلم:4.
بدنيا وفي يوم المَعاد يضعف
فتشفع في كل الخلائق للذي
تكون لديه بالشفاعة تتحف
فهناك وأعطاك ما أنت آمل
ويرضيك فينا حين في الحشر توقف
فذلك وعد الله في سورة الضحى
وما هو وعد الله ما هو يخلف
يقول الشيخ الإمام يوسف بن إسماعيل النبهاني رحمه الله في كتابه “حجة الله على العالمين في معجزات سيد المرسلين”:”اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سيد المتواضعين على الإطلاق، وقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام في ذلك أحاديث كثيرة ونحوها في بيان فضائله صلى الله عليه وسلم، فإنما ذلك من جملة الدين الذي يجب عليه صلى الله عليه وسلم تبليغه ولا يجوز كتمه ليُعرف أمته رفعة منزلته فيزدادوا في توقيره ومحبته، وذلك من أهم أمور الدين مع أنها وحي من الله كما قال تعالى:”وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى” النجم3-4.اهـ.
أول شافع وأول مشفع
عن سيدنا بريدة رضي الله عنه أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قال:”إني لأرجو أن أشفع يوم القيامة إلى عدد ما على الأرض من شجرة ومدرة” رواه الإمام أحمد رحمه الله وغيره.
وروى الإمام أبو داود رحمه الله عن سيدنا سعد رضي الله عنه أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قال:”إني سألت ربي شفاعتي لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت ساجدا شكرا لربي، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت ساجدا شكرا، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخر، فخررت ساجدا شكرا لربي”.
وقال الإمام الشعراني رضي الله عنه في كتابه “اليواقيت والجواهر”:”…وإنما أخبر صلى الله عليه وسلم بأنه أول شافع وأول مشفع شفقة علينا لنستريح من التعب الحاصل بالذهاب من نبي بعد نبي في ذلك اليوم العظيم وكل منهم يقول نفسي نفسي، فأراد إعلامنا بمقامه يوم القيامة لنصبر في مكاننا مستريحين حتى تأتي نوبته صلى الله عليه وسلم ويقول :أنا لها، أنا لها، فكل من لم يبلغه هذا الحديث أو بلغه ونسيه لابد من ذهابه إلى نبي بعد نبي بخلاف من بلغه ودام معه إلى يوم القيامة”.
يود لنا أن نترك البغي والغِشَّا
شمائله الإحسان والجود والوفا
لقد طاب منه الأصل والفرع والمنشا
شبيه به وبْل السحاب وإنه
ليعطي ولا فقر يخاف ولا يخشى
شفاعته يرجو المسيء الذي جنى
نهارا وليلا يكسب الإثم والفحشا
للمحبين إمام، وللناس كافة بشيرا ونذيرا
يقول ربنا تبارك وتعالى في حق نبيه وحبيبه وصفيه ومجتباه :” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، وقال جل في علاه:(يا أيها النبي إنا أرسلناك شهيدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) الأحزاب45-46.
فهو قدوتنا وبشيرنا ونذيرنا ومخرجنا من ظلمات الجهل والطيش إلى نور السماحة والرحمة، ومن كهوف الظلمة إلى ضوء المحبة، يقول ربنا تبارك وتعالى:”لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا” الأحزاب21.
روى الإمام أبو داود رحمه الله عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم:”إذا أراد الله أن يقضي بين خلقه نادى مناد: أين محمد وأمته؟ فأقوم وتتبعني أمتي غرا محجلين من أثر الطهور، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:فنحن الآخرون والأولون وأول من يحاسب، وتفرج لنا الأمم عن طريقنا وتقول الأمم:كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء كلها”.
وروى الإمام البخاري رحمه الله عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم:”يضرب الصراط بين ظهري جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم”.
وروى الإمام مسلم رحمه الله عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “آتي بباب الجنة فأستفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك”. وفي رواية الإمام الطبراني رحمه الله:”فيقوم الخازن فيقول:”أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك ولا أقوم لأحد بعدك”.
زكا قدره من ذا يجاريه في العلا***يبارز من أمسى له العرش يبرز
عن سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه قال: قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي. فقال الله: يا آدم كيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟ قال: لأنك يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. فقال الله تعالى: صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي، وإذ سألتني بحقه قد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك”. رواه الإمام البيهقي رحمه الله في دلائل النبوة والحاكم رحمه الله وصححه.
و روى الإمام الطبراني وابن حبان رحمهما الله عن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قال:”أتاني جبريل فقال: إن ربي وربك يقول لك: تدري كيف رفعت ذكرك؟ قلت: الله أعلم، قال: يقول: إذا ذُكرتُ ذُكرتَ معي”. قال الإمام الشافعي رضي الله عنه:”معنى قول الله تعالى:ورفعنا لك ذكرك، لا أُذكر إلا ذُكرت معي، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله”.
ومن فضائله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما رواه الإمام مسلم رحمه الله عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار”.
روى الشيخان رحمهما الله عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:”لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين”.
وروى ابن السمعاني رحمه الله عن سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:”أدبني ربي فأحسن تأديبي”.
روى الإمام البغوي رحمه الله عن سيدنا جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:” إن الله بعثني بتمام مكارم الأخلاق وكمال محاسن الأفعال”.
روى الإمام الحاكم رحمه الله وغيره عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:” إنما أنا رحمة مهداة” وهو كقوله تعالى:”وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” الأنبياء107.
فضائل أمة الحبيب صلى الله عليه وسلم
قال ربنا الكريم:”وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا” البقرة143.
ويأتي الحديث النبوي يشرح ويبين المقصود من هذه الآية الكريمة، روى الإمام الطبراني عن سيدنا سلمة بن الأكوع رضي الله عنه عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم أنه قال:”أنتم شهداء الله غي الأرض والملائكة شهداء الله في السماء”.صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع.
وقال سبحانه وتعالى:”كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله” آل عمران110.
ويأتي الحديث النبوي الشريف يزيد الآية تأكيدا، روى الإمام أحمد رحمه الله والترمذي وابن ماجه رحمهم الله -وحسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع – عن سيدنا معاوية بن حيدة رضي الله عنه عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم أنه قال:”إنكم تُتِمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله”.
فكفى لهذه الأمة فخرا وكفى لها عزا أن جعلها ربها تبارك وتعالى خير الأمم وشاهدة عليها إلى يوم القيامة، هي آخر الأمم لكنها أولها ،وأول من يعبر على الصراط، ولا يوزن لأمة حتى يوزن لأمة الحبيب صلى الله عليه وسلم.
لكن هذه الأمة المكرمة بالخيرية “منومة بالتخدير الكلي الذي ما ترك مجالا من مجالات الحياة إلا أنس فيها تعاليم الإسلام وأهداف الإسلام ومعنى الإسلام.غزو شامل،وقبضة باطشة،وتهديد ووعيد لزجر كل نَأْمة إسلامية تحررية وتمييعها وقتلها” مقدمات لمستقبل الإسلام للإمام المربي سيدي عبد السلام ياسين رضي الله عنه ص21
أخرج الإمام مسلم وأبو داود والترمذي رحمهم الله عن سيدنا ثوبان رضي الله عنه قال: قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم:”إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ مُلكها ما زوى لي منها”.
وعَنِ سيدنا أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ قَالَ نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوَّلُ زُمْرَةٍ مِنْ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ صُورَةُ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَأَشَدِّ ضَوْءِ نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ ثُمَّ هُمْ مَنَازِلُ بَعْدَ ذَلِكَ” رواه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده كتاب باقي مسند المكثرين باب باقي المسند السابق.
وعَنْ سيدنا أَبِي نَضْرَةَ رضي الله عنه قَالَ خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ قَالَ:” قَالَ سيدنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله سَلَّمَ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلَّا لَهُ دَعْوَةٌ تَنَجَّزَهَا فِي الدُّنْيَا وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي وَأَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي قَالَ وَيَطُولُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عَلَى النَّاسِ حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى آدَمَ أَبِي الْبَشَرِ فَيَشْفَعَ لَنَا إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا فَيَأْتُونَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُولُونَ يَا آدَمُ أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا فَيَقُولُ إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ إِنِّي قَدْ أُخْرِجْتُ مِنْ الْجَنَّةِ بِخَطِيئَتِي وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي وَلَكِنْ ائْتُوا نُوحًا رَأْسَ النَّبِيِّينَ فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا فَيَقُولُ إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ إِنِّي قَدْ دَعَوْتُ دَعْوَةً غَرَّقَتْ أَهْلَ الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي وَلَكِنْ ائْتُوا إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ يَا إِبْرَاهِيمُ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا فَيَقُولُ إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ إِنِّي قَدْ كَذَبْتُ فِي الْإِسْلَامِ ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ حَاوَلَ بِهِنَّ إِلَّا عَنْ دِينِ اللَّهِ قَوْلُهُ إِنِّي سَقِيمٌ وَقَوْلُهُ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا وَقَوْلُهُ لِامْرَأَتِهِ إِنَّهَا أُخْتِي وَلَكِنْ ائْتُوا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام الَّذِي اصْطَفَاهُ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَكَلَامِهِ فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ يَا مُوسَى أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَكَلَّمَكَ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا فَيَقُولُ إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ إِنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي وَلَكِنْ ائْتُوا عِيسَى رُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ يَا عِيسَى أَنْتَ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا فَيَقُولُ إِنِّي لَسْتُ هُنَاكُمْ قَدْ اتُّخِذْتُ إِلَهًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَإِنَّهُ لَا يُهِمُّنِي الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي ثُمَّ قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ كَانَ مَتَاعٌ فِي وِعَاءٍ قَدْ خُتِمَ عَلَيْهِ أَكَانَ يُقْدَرُ عَلَى مَا فِي الْوِعَاءِ حَتَّى يُفَضَّ الْخَاتَمُ فَيَقُولُونَ لَا فَيَقُولُ إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ قَدْ حَضَرَ الْيَوْمَ وَقَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْتُونِي فَيَقُولُونَ يَا مُحَمَّدُ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَلْيَقْضِ بَيْنَنَا فَأَقُولُ نَعَمْ أَنَا لَهَا حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَصْدَعَ بَيْنَ خَلْقِهِ نَادَى مُنَادٍ أَيْنَ أَحْمَدُ وَأُمَّتُهُ فَنَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ فَنَحْنُ آخِرُ الْأُمَمِ وَأَوَّلُ مَنْ يُحَاسَبُ فَتُفْرَجُ لَنَا الْأُمَمُ عَنْ طَرِيقِنَا فَنَمْضِي غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الطُّهُورِ وَتَقُولُ الْأُمَمُ كَادَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ تَكُونَ أَنْبِيَاءَ كُلُّهَا قَالَ ثُمَّ آتِي بَابَ الْجَنَّةِ فَآخُذُ بِحَلْقَةِ بَابِ الْجَنَّةِ فَأَقْرَعُ الْبَابَ فَيُقَالُ مَنْ أَنْتَ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ فَيُفْتَحُ لِي فَأَرَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ عَلَى كُرْسِيِّهِ أَوْ سَرِيرِهِ فَأَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا وَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي وَلَا يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي فَيُقَالُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ تُسْمَعْ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ قَالَ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ أَيْ رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيُقَالُ لِي أَخْرِجْ مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا فَأُخْرِجُهُمْ ثُمَّ أَعُودُ فَأَخِرُّ سَاجِدًا وَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي وَلَا يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي فَيُقَالُ لِي ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ أَيْ رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيُقَالُ أَخْرِجْ مَنْ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ كَذَا وَكَذَا فَأُخْرِجُهُمْ قَالَ وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ مِثْلَ هَذَا أَيْضًا حَدَّثَنَا حَسَنٌ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ أَنَّهُ قَالَ فِي الْأَوَّلِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ مِنْ الْإِيمَانِ وَالثَّانِيَةِ بُرَّةٍ وَالثَّالِثَةِ ذَرَّةٍ” أخرجه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده كتاب ومن مسند بني هاشم باب بداية مسند عبد الله بن العباس.
وعَنْ سيدنا عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما قَالَ:” خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ نُرِيدُ الْمَدِينَةَ فَلَمَّا كُنَّا قَرِيبًا مِنْ عَزْوَرَا نَزَلَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا اللَّهَ سَاعَةً ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا فَمَكَثَ طَوِيلًا ثُمَّ قَامَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا اللَّهَ سَاعَةً ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا فَمَكَثَ طَوِيلًا ثُمَّ قَامَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ سَاعَةً ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ ثَلَاثًا قَالَ إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي وَشَفَعْتُ لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي فَخَرَرْتُ سَاجِدًا شُكْرًا لِرَبِّي ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي فَسَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي فَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِرَبِّي شُكْرًا ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي فَسَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي الثُّلُثَ الْآخِرَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِرَبِّي”. رواه الإمام أبو داود –رحمه الله- في سننه كتاب الجهاد باب في سجود الشكر.
وقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أبو دواد والطبراني في الكبير والحاكم رحمهم الله عن أبي موسى رضي الله عنه:”أمتي أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة إنما عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل والبلايا”.
الرحمة التي أكرمت بها هذه الأمة لم يسبق لها مثيل، وهذا تكريما للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث جعل أمته مرحومة وخير الأمم، كيف لا يكرمها وهي أمة حبيبه وأحب خلقه إليه.
وقال صلى الله عليه وآله سلم في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن سيدنا أبي موسى رضي الله عنه :”إن الله تعالى إذا أراد رحمة أمة من عباده قبض نبيها قبلها، فجعله لها فرطا وسلفا بين يديها، وإذا الله هلكة أمة عذبها ونبيها حي فأهلكها وهو ينظر فأقر عينه بهلكتها حين كذبوه وعصوه أمره”.
وهذا من رحمة الله تعالى بهذه الأمة،رفعا لمكانتها وقدرها.
وقال صلى الله عليه وآله سلم في الحديث الذي رواه الإمام ابن ماجه والبيهقي رحمهما الله عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وصححه الألباني –رحمه الله- في صحيح الجامع:”إن الله تعالى قد تجاوز لأمتي عما توسوس به صدورهم ما لم تعمل أو تتكلم به وما استكرهوا عليه”.
وقال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم:”إن الله تعالى قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة” رواه ابن أبي عاصم رحمه الله عن سيدنا أنس رضي الله عنه. وحسنه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع.
عن سيدنا حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:”فُضّلنا على الناس بثلاث:جُعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجُعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجُعلت لنا تربتها طهورا،إذا لم نجد الماء، وأعطيتُ هذه الآية من آخر سورة البقرة كنز تحت العرش لم يُعطها نبي قبلي”.أخرجه الإمام مسلم واحمد والنسائي رحمهم الله.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم:”وعدني ربي أن يدخل من أمتي سبعين ألفا بلا حساب عليهم ولا عذاب مع كل ألف سبعون ألف سبعون ألفا وثلاث حثيات من حثيات ربي” رواه الإمام أحمد والترمذي وابن حبان رحمهم الله هم أبي أمامة رضي الله عنه.
وروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه رحمهم الله عن سيدنا أبي بريدة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم:”أهل الجنة عشرون ومائة صف، ثمانون من هذه الأمة وأربعون من سائر الأمم” صححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع.
فأين أمتنا اليوم من هذه الفضائل؟!… ولله القائل :
حدنا عن السنة الغراء إلى الشبه
منهاج خير البرايا نوره ألــق
ما زلّ عبد مشاه في تقربـــــه
محجة المصطفى الهادي الرؤوف بنا
أكرم بأصحابه أكرم بموكبــــه.
أعظم نعمة أكرمت بها الأمة المحمدية هي نعمة المحبة والصحبة
يقول الشيخ الأكبر الإمام ابن عربي رضي الله عنه:”لولا المحبة ما صح طلب شيء ولا وجود شيء”.
ويقول الإمام سيدي أبي مدين الغوث رضي الله عنه :
-إذا أردت أن تسمو أخلاقك وتصفو أذواقك وتهيج أشواقك فعليك بذكر الله،وصحبة الصالحين المحبين والتأدب معهم”.
-إذا وجدت من عمر بنور الله قلبه وأينعت بمحبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جنانه،سقاك من سائغ المحبة ما أنار قلبك ونشط جوارحك لأفعال الخير وملازمة التقوى والاجتهاد في مقامات اليقين.
– الذاكر إذا تجوهرت بأنواره ذكر الله ،هاجت في قلبه لواعج المحبة، فلا يقر له قرار ولا يمسه نصب ولا يعتريه ملل،ولا يقهره عطش، ولا يصده نوم، ولا يعبأ بقيل وقال،ولا تفطرّ همته الدنيا ولا مال…ولا راحة له ولا ما قيل إلا في رحاب حضرة حبيبه الجليل،ومن استدام على الحضور مع الله، استدام من انوار العظمة الإلهية ما يقيم في نفسه وازع الحياء ويوقظ في قلبه أشواق البهاء ،فيجد حلاوة الدب مع الحق،ويتذوق طعم حسن الخلق مع الخلق.
– الصحبة أساس كل فلاح وصلاح والمحبة وقودها وإدامها…
– المحبة تقتضي المؤانسة ،والمؤانسة تقتضي المجالسة،والمجالسة بداية الصحبة،والصحبة سنة عند العموم ،فريضة عند الخصوص.
-المحبة كالحليب،أي شيء يسقط فيه يظهر فيه،فيفسد منظره،ويغير لونه،وإذا تغير لونه لم يعد حليبا،وإذا سقط فيه نجاس من وسوسة الشيطان أو حديث نفس فلا مجال من تطهيره،فلابد ان يلقى جانبا.اهـ.
ويقول الحبيب سيدي بومدين خوار رضي الله عنه:”المحبة أعلى مقامات الولاية”.
ويقول سيدي عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه في تنبيه المغترين:”قد أوحى الله تعالى إلى موسى عليه الصلاة والسلام:هل عملت لي عملا؟فقال:نعم يا رب!صليت وصمت وتصدقت،وذكر أشياء،فقال الله تعالى:هذا لك،ولكن هل واليت لأجلي وليا أو عاديت لأجلي عدوا؟فعلم عند ذلك موسى أن الحب في الله والبغض في الله من أفضل الأعمال”.
-ويقول الشيخ سيدي سعيد رمضان البوطي –حفظه الله- في أحد خطبه:” إن المشكلات التي تعصف بالعالم العربي والإسلامي اليوم كثيرة وخطيرة، وهي معروفة ولا داعي إلى إطالة الحديث فيها، ولا عاصم اليوم من هذه المشكلات إلا شيء واحد، هو أن يتآلف المسلمون وتمتد فيما بينهم جسور المحبة والود، ومن ثم يلتقوا على كلمة سواء، هذا هو العاصم الوحيد لهم من مغبة هذه المشكلات، ولا يمكن لجسور الألفة والحب أن تمتد فيما بين قلوبهم إلا بشرط واحد لابدَّ منه، هو أن تفيض قلوبهم قبل ذلك بمحبة الله سبحانه وتعالى، ومن ثم بمحبة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمحبة الله ومحبة رسوله إذا أينعت في القلب كانت في كيان الإنسان كجذع الشجرة، لابدَّ أن تتفرع من هذا الجذع أغصان لا نهاية لها، تتمثل في حب المسلم لأخيه المسلم، تتمثل في شبكة الوداد التي تتنامى بين أفراد المسلمين جميعهم (…)
فالحب حالة قلبية، بل وقود يشتعل في طوايا القلب، فيدفع صاحبه إلى الإتباع، يدفع صاحبه إلى البذل، يدفع صاحبه إلى التعالي فوق الذات، فوق حظوظ النفس، فوق العصبية، الحب كما قال العلماء: هو ذاك الشعور القدسي الغريب العجيب، الذي إذا هيمن على القلب قرب البعيد، ولين الحديد، وجعل من العسير يسيراً”.اهـ.
ولن تتحقق لنا محبة الله تعالى ومحبة نبيه صلى الله عليه وسلم حتى تتحقق لنا محبة ورَّاث الحبيب صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى :”وأتوا البيوت من أبوابها ” فالباب هم الكُمَّلُ من أولياء الله تعالى هم من يعلمون لنا محبة الله تعالى ومحبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله سلم، فالطريق خطرة ومليئة بالعقبات تحتاج إلى مرشد في الطريق وصاحب في السفر…
بهذه المحبة يرفع العبد إلى أعلى درجات المحبوبية والقرب من الله جل وعلا،وتدفعك إلى علو الهمة وصدق العزيمة،وتطرد عنك غبار الفتور والعجز والخمول،وتستنهضك لتبذل قصارى جهدك في سبيلها لتعود للأمة عزتها ومكانتها ومجدها وكرامتها.
أطب من المحبة لولي مصلح
وأي سلوك كامل دون محــبة
وأي اهتداء شامل دون مفتح
فالمحبة هي قرة العيون،وسرور القلوب،وغذاء الأرواح،ونعيم النفوس المطمئنة،فاللذة والسعادة التي يشعر بها من أحبه لا ينالها الوصف إذ كيف يقدر البشر أن يصفها وهي من خالق البشر!!.. ولا يدرك هذه السعادة من ليس له نصيب منها،وكلما كانت قدم المحب راسخة في هذه المحبة كلما كانت سعادته وفرحه وسروره أعظم”ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب”(الحج32).
وعلى ذلك فإنك إذا آويت إلى هذه المحبة فقد آويت إلى ركن شديد،هنالك تحصل لك الآخرة ،إذ هي الحبل المتين والطاقة التي لا تغلب التي تسلكنا جميعا في سلك الذين أنعم الله عليهم فأعطاهم منابر النور والمقام المغبوط عليه يوم القيامة، فمحبته صلى الله عليه وآله وسلم، ومحبة الكمل من أوليائه تجمع من شتات،وهي دواء لما في القلب من درن وكدر…فمن أراد السعادة الأبدية فليزم عتبة هذه المحبة.فإن المحبة مفتاح لكل خير مغلاق لكل شر،هي سبيل النجاة وراحة الأرواح،وسبب الأفراح والانشراح،من حرم خيرها فقد حرم كل خير وبركة وفضل،ومن أوتيها فقد أوتي خير الدنيا والآخرة،هي عماد السلوك وأساسه وذروة سنمه،هي السلاح الأقوى من فقده أصبح كالماضي إلى ساحة الحرب بغير سلاح.
فطوبى لمن أقبل على هذه المحبة بكليته، وأغرق فيها بلحمه ودمه وروحه، فإن من غرق فيها استنارت حياة روحه، وأشرقت ساحة قلبه،وتنورت ظلمات فؤاده وحسن وجهه … يا لها من سعادة عظمى ومنة كبرى، ونعمة إلهية وحياة أبدية، وفرحة خالدة…محبة صافية سائغة للشاربين.
فالقلوب عليها أقفالها،لا تفتح هذه الأقفال إلا بهذه المحبة العارجة إلى مقامات الإحسان، فمن تحققت له انحلت عقد قلبه لأنه ظفر بالكنز الذي لا ينفذ…
فبها نرى فضل الله علينا، وبه نصل إلى ربنا،وبها ترفع درجاتنا،به كل شيء وبدونها لا شيء…
لأسعد وأحظى بقربكمو
فما لي من صبر ولا لي حيلة
ولكن شوق طويل إليكمو
خلاصة المرام في تحقيق المقام أو مسك الختام
إن كل الأحاديث التي ذكرتها تبين لنا بعض فضائله صلى الله عليه وسلم وثمرة محبته فهي ذرة من مجرة من فضائله الشريفة، فلا نستطيع أن نحصي فضائله وخصائصه النبوة، فهو أول شافع ومشفع وحامل لواء الحمد وأكرم السابقين واللاحقين وإمام الغر المحجلين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، سيد ولد آدم ولا فخر، أول من تنشق عنه الأرض، صاحب الحوض المورود واللواء المعقود والمقام المحمود.
هو الذي تهتز لاسمه مقاليد السماوات والأرض، ومنعت أبواب الجنان أن تفتح حتى تسمع اسمه.
فمن فضائله النبوة والرسالة، والخلة والمحبة، والاصطفاء والإسراء والقرب والدنو والوحي والشفاعة والوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة والمعراج، وبعث إلى العرب والعجم والأبيض والأسود، وصلى بالأنبياء جميعا إماما، المرسل إلى الناس جميعا، أعطي ما يرضيه”ولسوف يعطيك ربك فترضى”، والسؤل والكوثر وسماع القول وإتمام النعمة والعفو عما تقدم وتأخر، وشرح الصدر ووضع الإصر، ورفع الذكر، ونزول السكينة والتأييد بالملائكة ، وصلاة الله عليه دوما”إن الله وملائكته يصلون على النبي” يصلون: بالفعل المضارع الذي يفيد الاستمرار. والنصر بالرعب، وتكليم الجمادات، وتسبيح الحصى بيده، و…
إلى ما لا يعد ولا يحصى من الفضائل والخصائص والدلائل التي لا يحيط بعلمها إلا الله جل وعلا الذي فضله على الخلق أجمعين ورفع قدره في عليين، وجعله شفيعا في يوم الدين فالله صل عليه في الأولين والآخرين.
وكل ما أعطي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله سلم بالنسبة إلى ما أعده الله له في الآخرة لشيء قليل.
كيف لا وقد أخذ ربنا تبارك وتعالى الميثاق من الأنبياء لنصرة حبيبه واتباعه، قال الله تعالى:(وإذ أخذ الله ميثاق النبيـين لما آتينـكم من كـتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه) آل عمران:81.
قال السُّبكي رحمه الله في هذه الآية:”أنه صلى الله عليه وسلم على تقدير مجيئهم في زمانه يكون مرسلا إليهم فتكون نبوءته ورسالته عامة لجميع الخلق من زمن آدم إلى يوم القيامة وتكون الأنبياء وأممهم كلهم من أمته ويكون قوله صلى الله عليه وسلم وبعثت إلى الناس كافة.لا يختص به الناس في زمانه إلى يوم القيامة بل يتناول من قبلهم أيضا إنما أخذ المواثيق على الأنبياء ليعلموا أنه المقدم عليهم وأنه نبيهم ورسولهم فالنبي محمد صلى الله عليه وسلم نبي الأنبياء ولهذا أظهر ذلك في الآخرة جميع الأنبياء تحت لوائه وفي الدنيا كذلك ليلة الإسراء صلى بهم…”الأنوار المحمدية من المواهب اللدنية للشيخ النبهاني رحمه الله ص234.
فقد جاءنا بالحق فالحق أبلج
جمال بدا بين الحطيم وزمزم
فظلت له الآفاق بالنور تبهج
جرى أوَّلا في وجه آدم نوره
فأضحى به يوم السجود يتوج
جليل عليه تاج عز من العلا
وثوب وقار بالمهابة ينسج
جميل عظيم الخُلق بالعفو آخذ
حي بهي طيب مُتَأَرِجُ
جمالا وأنوارا كسا الله وجهه
فأضحى الضحى من وجهه يتبلج
جميع الورى والرسل تحت لوائه
ومن ذا له عن جاه أحمد مخرج.
فيا معرضا عن حياته الدائمة ونعيمه الخالد، ويا بائعا سعادته الكبرى بالعذاب الشديد، ويا مسخطا من حياته وراحته… السعادة العظمى في هذه المحبة، والفوز الأكبر في القرب منها، والنعيم الخالد في لزوم بابها…فالكيس الفطن من يخاف أن يغلق الباب دونه قبل أن يكون من الغارقين فيها… فيا أخي اقصد بابا واحدا تفتح لك جميع الأبواب، واخضع لرقبة واحدة تخضع لك جميع الرقاب…محبة تستلزم توحيد المحبوب فيها وإفراده بالحب وعدم التشريك بينه وبين غيره.
فإذا خفت الطريق، وقل الرفيق، وابتعد الصديق، فلا تقف ،فإن المحبة لأغلى مما يعيق.
إذاً فلا تضق ذرعا –أخي الحبيب- بما تسمعه هنا وهناك، من الذين لم يشموا رائحة الحقيقة المحمدية فراحوا يبدعون الناس ويكفرونهم، ويسيئون الأدب مع الجناب الشريف صلى الله عليه وسلم، فلا تحزن أخي الحبيب: فلابد في كل عصر من أبي بكر الصديق الأكبر رضي الله عنه يناصر الحق ويفديه بمهجته، ويبذل الغالي والنفيس في سبيل المحبة.
ولابد في كل عصر من أبي جهل يعادي الحق والمحبة ويشن حربا ضروسا عليها وعلى أهلها…ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا…فالفلاح والنجاة والفوز العظيم لمن صبر على الابتلاء وعلى الأذى وبذل من نفسه ووقته في سبيل هذه المحبة…فلا شك أنه يعيش السعادة الأبدية في الدنيا والآخرة.
فنحمد الله جل وعلا الذي أكرمنا بالرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير، والحمد لله الذي أكرمنا بوراثه من بعده الذين يبعثهم على رأس كل مائة سنة ليجددوا الإيمان في القلوب..
اللهم ارزقنا حبك وحب نبيك وحب أوليائك وحب من ينفعنا حبه عندك يا رب العالمين.
اللهم صل على سيدنا محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات