قال رجل لسهل بن عبد الله التستري: من أصحب من طوائف الناس؟
فقال: “عليك بالصوفية, فإنهم لا يستكثرون, ولا يستنكرون شيئا, ولكل فعل عندهم تأويل, فهم يعذرونك على كل حال”.
وهذا السلوك الرحيم استمده الصوفية من تصورهم الديني المبني على اليسر و التسامح, كما استمدوه من الاسمين الإلهيين: الرحمن و الرحيم. ولما كانت أسماء الله حقائق متجلية في الخلق, فإن الصوفية سعوا على تمثل هذه الأسماء و التحقق بها في سلوكهم ومعاملاتهم. ورأوا في هذا التحقق مسؤولية ملقاة عليهم حتى لا تتعطل هذه الأسماء.
ومن ثم فإن للرحمة عند الصوفية معنيين, إلهي و إنسي, لأنها, تقترن بالله و بالإنسان, شأنها في ذلك شأن كل الأسماء الإلهية.
1: الرحمة الإلهية، وقد سماها ابن عربي بحضرة الرحموت وصفا لاتساع الرحمة الإلهية وشموليتها, كما جاء في قوله تعالى وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ. فرحمته لا متناهية. ويحتل اسم الرحمن أهمية قصوى فهو مرادف لاسم الله, كما جاء في الآية قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى . والمشترك بين الاسمين :الرحمن والله هو كونهما جامعين للأسماء الحسنى . وفي هذا الجمع سر كبير. فمآل كل شيء إلى الرحمة وإن تخلل الأمر آلام وعذاب وعلل وأمراض, فذلك لأن الرحمن يجمع الأسماء الأخرى و من أسماء الله الضار و المذل و المميت. وهي لا تتناقص مع الرحمن, ففي طيها رحمة, لأن بها تعرف رحمة الله, لان بالأضداد تعرف الأشياء و تذاق.
وقد سمى الصوفية النفس الأول الذي عنه صدر الوجود, بالنفس الرحماني , على نحو يكشف أن الوجود ذاته رحمة إلهية, فالكائنات رحمة والحواس رحمة والآلام رحمة و اللذائذ رحمة, لكن حجاب العادة يمنع العامة من إدراك سريان الرحمة الإلهية في الوجود.
إن الأصل في الأشياء الرحمة. أما الغضب فعرضي. وعبارة افتتاح السور القرآنية تنص على الرحمة بتكرارها في صيغتين. فكل سور القرآن, باستثناء سورة التوبة, ابتدأت بقوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم. ولم تكن سورة التوبة استثناء في حقيقة الأمر لأنها تضمنت العبارة بداخلها.
2: الرحمة الإنسانية, تتجسد في تصور الصوفية للعلاقة مع الآخر. ذلك أنهم دافعوا عن المحبة و الود , ودعوا على التعايش التسامح ونبذ التطرف. فلم يذكر أن كفر الصوفية أحدا أو عنفوه. بل على العكس من ذلك آمنوا بالاختلاف و حرصوا على تمجيده. وذهبوا إلى أن الأخطاء جزء من حياتنا, واستيعاب هذه الأخطاء هو شرط التعايش. ولم يتحقق مفهومهم للرحمة في السلوك الاجتماعي فحسب, وإنما في دفاعهم عن التأويل. والتأويل هو أساسا رحمة بالنص وإدراك للاختلاف الذي ينطوي عليه.
______
المصدر : عشاق الله
http://www.ushaaqallah.com/category/186