د.محمد رضا بشير القهوجي
الرؤيا :
قال الله تعالى : ( لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ) [يونس:64]
قيل : هي الرؤيا الحسنة يراها المؤمن ، وورد مرفوعاً عن أبي الدرداء قال : سألت النبي (( صلى الله تعالى عليه وسلم)) عن هذه الآية ( لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ) قال : (( ما سألني عنها أحد قبلك ، هي الرؤيا الحسنة ، يراها المرء أو ترى له )) رواه الترمذي برقم 2274.
وقالت عائشة رضي الله عنها : أول مابدئ به رسول الله (( صلى الله تعالى عليه وسلم)) من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح .
وقال تعالى : ( وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ) [يوسف :6] أي علم الرؤيا .
والرؤيا ثلاثة :
أ- رؤيا بشرى من الله تعالى ، وهي الرؤيا الصالحة ( وهي جزء من ست وأربعين من النبوة )
ب- ورؤيا من الشيطان ، كالتي توجب الغسل .
ت- ورؤيا مما يحدث به المرء نفسه كالهواجس .
ث- والرؤيا الحق : خمسة أقسام :
1 – الظاهرة وهي جزء من النبوة ( لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ )[ الفتح : 2]
وذلك حينما سار إلى الحديبية ، (( رأى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم)) في منامه أنه وأصحابه دخلوا المسجد الحرام آمنين ، غير خائفين ، يطوفون بالبيت ، ويحلقون رؤوسهم .. ومثل : رؤيا إبراهيم عليه السلام (يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) [ الصافات 102] .
2 – ومن الرؤيا بشارة من الله تعالى ، أو زجرة عن شيء .
3 – ومنها ما يريه ملك الرؤيا – على حسب علمه تعالى – مما في علم الكتاب . كمن يرى أن فلانا يريد قتله ، أو يسمه ، أو يأخذ ماله . فيحذر حينئذ من ذلك، فإذا الأمر كما كان في الرؤيا .
4 – الرؤيا التي شاهدها : [فهذه تؤول] .
كمن يرى نفسه داخل الحمام : لا تدخله الملائكة . وهو مكان كشف العورات .. والرقص فحش وبذاءة ، والمسجد محفوظ ، لا تدخله الشياطين فيؤول كل ذلك ، وهو ما يسمى بالتعبير .
والرؤيا لا تخص المؤمن ، بل الكافر ، والطاهر ، والحائض ، والجنب .. والكبير والصغير فمثلا ً :
1- يوسف عليه السلام رأى رؤيا وهو ابن سبع سنين : ( إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ4 قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ5 وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ ) [ يوسف:4-6] وقد يرى الإنسان الرؤيا لنفسه ، وقد يراه وهو لغيره من الأقارب أو غيرهم : فقد رأت أم الفضل : بضعة من جسد النبي ( صلى الله تعالى عليه وسلم) قد قطعت ووضعت في حجرها . فقال لها رسول الله متيمِّنا ً : ستلد فاطمة رض الله عنها غلاما ً ، وتأخذيه في حجرك . فكان ذلك حيث ولدت الحسن رضي الله عنه .
والرؤيا على رجل طائر ما لم يحدِّث بها ، فإذا حدّث وقعت ، ولذا يجب عدم عرضها على من لا علم له :
ففرعون مصر حينما قص رؤياه على معبري بلده : قالوا أضغاث أحلام . وحينما قصها على يوسف عليه السلام ، فهم منها فهماً عجيبا ً ، وتدارك الأمر ، فكان خيراً للبلد والأمة أجمعين والذي يرى في منامه ما يكرهه : فليكتم ذلك ، ويتفل عن يساره ، وليقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، اللهم إني أعوذ بك من شره ، وأدرأ بك في نحره / ثلاثاً فلا تضره . أو يقول : اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ، فاصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت . ومن الشر أن يرى نفسه ما لا يرى : كالذي ادعى أنه وضع الخبز على رأسه فأكلت منه الطير ، قال ذلك ساخراً للذي رأى انه يسقى الملك … وكانا في السجن مع يوسف عليه السلام .. فجرى تعبير رؤياه وبالا ً وكيداً عليه ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ )[يوسف:41] فالرؤيا نوع من الكرامات ..ولقد رأت – صفية – عمة رسول الله (صلى الهُ تعالى عليه وسلم) قبيل معركة بدر رؤيا ، وفيها أن صارخا ً على جبل أبي قبيس ، صرخ ثلاث مرات ، ثم أرسل صخرة عظيمة ، فتفتت ، ودخلت هذه الأجزاء بيوتات قريش .
وقال (صلى الله تعالى عليه سلم) ((الرؤيا من الله والحلم من الشيطان )) ومن (( رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ))
ولقد رأى يوسف عليه السلام وهو فتى ، رؤيا ، أن أحد عشر كوكباً رآهم قد سجدوا له مع الشمس والقمر ..
ورأى ملك مصر رؤيا لم يعبرها له إلا (يوسف عليه السلام ) . وقد تحقق كل ذلك وجاء مطابقاً للتعبير .
وتحقيق الرؤيا : خواطر ترد على القلب ، وأحوال تتصور في الخيال ، إذا لم يستغرق النوم جميع الاستشعار . فيتوهم الإنسان عند اليقظة أنه كان رؤية في الحقيقة ، وإنما كان ذلك تصورا ً وخيالات تقررت في قلوبهم ، وحين زال عنهم الإحساس الظاهر ، تجردت تلك الأوهام عن المعلومات بالحس والضرورة ، فقويت تلك الحالة عند صاحبها . فإذا استيقظ ضعفت تلك الأحوال التي تصورها ، بالإضافة إلى حال إحساسه بالمشاهدات ، وحصول العلوم الضرورية .
ومثاله : كالذي يكون في ضوء السراج عند اشتداد الظلمة ، فإذا طلعت الشمس عليه غلبت أشعة الشمس ضوء السراج ، فمثال حال النوم كمن هو في ضوء السراج..
ثم إن هذه الخواطر : قد تكون شيطانية أو هواجس نفسية ، أو خواطر ملك أو تعريفا ً من الله عز وجل بخلق تلك الأحوال في قلبه ابتداء . قال تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام : ( يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ) [ الصافات : 102] ب – الكشف :
هو نور ينكشف معه الحجاب المادي والحسي ، وتتولى القلوب والأفئدة هذا الكشف ، وتنعكس الأبصار في البصائر ، فتمحى الأزمنة والأمكنة ، والمسافات ولا يكون هذا الكشف إلا للمتقين..الذين غضوا أبصارهم عن المحرمات ، وكفوا أنفسهم عن الشهوات ، وعمروا باطنهم بمراقبة الله ، وأكلوا الحلال ، فزكت نفوسهم وكما قال الغزالي في الإحياء : إن جلاء القلب وإبصاره يحصل بالذكر ، ولا يتمكن منه إلا الذين اتقوا . فالتقوى : باب الذكر ، والذكر باب الكشف ، والكشف باب الفوز بلقاء الله .
وأصل الكشف ثابت بالقرآن الكريم وفي السنة ، وعند الصحابة . الكشف في القرآن : 1 – في قصة موسى والرجل الصالح : انكشف للرجل الصالح ما لم ينكشف لأصحاب السفينة ، فسيعمد ملك ظالم إلى غصبها بدون مقابل . وأفضل طريقة لخلاصها لهم أن يعيبها . وكذلك الغلام .. فقتله رحمة بأبويه المؤمنين استجابة لإرادة الله عز وجل ، وكذا الجدار الذي تحته كنز مخبأ لغلامين يتيمين .
2 – وقال تعالى ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) [ الأنعام : 75 ]. لاشك (نُرِي) بمعنى الكشف . 3 – نهى الله المؤمن عن النظر إلى المرأة . وعن المعاصي حتى لا تنطفئ نور بصيرتهم فقال : ( وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ ) [ التوبة : 87 ] و ( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ) [ المطففين: 14 ] . وأما في السنة :
آ – في الصحيح عن أنس رضي الله عنه ..من حديث مطول (( لولا مخافة أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب هؤلاء في قبورهم مثل الذي أسمع )) .
ب – عن أنس رضي الله عنه قال : أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول لله ( صلى الله عليه وسلم) بوجهه فقال : ((أقيموا صفوفكم ، وتراصوا ، فإني أراكم من وراء ظهري )) .
وأثناء معركة مؤتة في بلاد الشام والنبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) في المدينة ، نعاهم رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) إلى الناس قبل أن يأتيهم الخبر ، فقال : (( أخذ الراية زيد فأصيب ، ثم أخذها جعفر فأصيب ، ثم أخذها عبد الله ابن رواحه فأصيب ، ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح عليه ))
ج. وقال (صلى الله تعالى عليه وسلم) ((اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ))
جـ – وأما عند الصحابة :
1- عن عائشة رضي الله عنها أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان نحلها جداد عشرين وسقاً من ماله بالغابة . فلما حضرته الوفاة قال : والله يا بنية ، ما من الناس أحب إلي غنى بعدي منك ، ولا أعز علي فقراً بعدي منك ، وإني كنت قد نحلتك جداد عشرين وسقاً فلو كنت حزتيه ، كان لك ، وإنما هو اليوم مال وارث ، وإنما هو أخواك وأختاك ، فاقتسموه على كتاب الله . قالت عائشة : يا أبتي والله لو كان كذا ، وكذا ، لتركته . إنما هي أسماء فمن الأخرى ؟ ليس لي أخت غير أسماء ، فأين الأخت الأخرى ؟ فأجابها أبو بكر رضي الله عنه : ذو بطن أراها جارية ، فكان كذلك ، قال التاج السبكي رحمه الله : فيه كرامتان لأبي بكر رضي الله عنه :
– إخباره أنه يموت في مرضه ذاك من قوله ((إنما هو اليوم مال وارث ))
– إخباره بمولود يولد له : وهو جارية .
2 – وفي عهد عمر رضي الله عنه ، كان سارية بن زنيم الخلجي أميراً على جيش المسلمين في بلاد فارس قرب نهاوند ، وعمد الفرس إلى محاصرتهم ولو لم يحموا أنفسهم بجبل قريب لهلكوا ..
صعد أمير المؤمنين المنبر في المدينة ، وهتف (( يا سارية الجبل الجبل)) فكشف الله له الحجاب عن وضع المسلمين وعن النجاة ، وأوصل الله تعالى الصوت للجيش كرامة لعمر رضي الله عنه .
3 – دخل رجل على عثمان رضي الله عنه فقال له عثمان : (( يدخل أحدكم وفي عينيه أثر الزنا ؟ فقال الرجل أوَحْيٌ بعد رسول الله ؟ قال : لا ولكنها فراسة المؤمن . وكان الرجل قد لقي امرأة في الطريق فتأملها ..))
د – وقال ابن خلدون في مقدمته : المجاهدة ، والخلوة ، والذكر ، يتبعها غالباً : كشف حجاب الحس ، والاطلاع على عوالم من أمر الله ، ليس لصاحب الحس إدراك شيء منها ، والروح من تلك العوالم .
وسبب هذا الكشف : أن الروح إذا رجعت عن الحس الظاهر إلى الباطن ، ضعفت أحوال الحس، وقويت أحوال الروح، وغلب سلطانة ، وأعان علية الذكر فإنه كالغذاء لتنمية الروح ، ولا يزال في نمو وتزايد ، إلى أن يصير شهودا ً، ويكشف حجاب الحس ويتم صفاء النفس – وهو عين الإدراك
3 – الإلهام :
هو ما يلقى في الروع بطريق الفيض . وقيل : هو ما وقع في القلب من علم . والإلهام : يدعوا إلى العمل من غير دليل ، ولا نظر في حجة .
والإلهام : إما أن يكون من قبل الله تعالى مباشرة ، أو من قبل الملائكة ويفهم منه أمر أو نهي .
مثاله : ما أخبرنا الله به عن موسى عليه السلام ، حينما خافت عليه من بطش فرعون وجنوده ، فألهمها الله بأن تجعل وليدها في صندوق وتلقي بالصندوق في بحر النيل ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي )[القصص: 7] ، فالوحي هنا بمعنى الإلهام ،ونظيرة (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ) [المائدة: 111] والإلهام بواسطة الملائكة فكثير ..فهناك الكثير ممن كلمتهم الملائكة فممّا ورد في القرآن (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)[آل عمران:42] والحديث ((أن رجلا ً زار أخا ً له في قرية أخرى فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكا ً، فلما أتى عليه ، قال : أي تريد ؟ قال : أريد أخا ً لي في هذه القرية ، قال هل لك عليه من نعمة تردها عليه ؟ قال : لا غير أني أحببته في الله تعالى . قال : فإني رسول الله إليك ، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه)) وقال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (( 30 )) نحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ )[ فصلت:30-31]
ويختلف الإلهام الذي هو من الله ، عن (الهاجس) الذي هو من حديث النفس وعن الوسواس الذي هو من الشيطان .
وإذا كان الخطاب من الله تعالى ، فمكانه ((القلب)) وهو ما يدعى ((بالخاطر)) وإن كان بواسطة الملك ، فيُعلم صدقة بموافقة الشرع . وإن كان بواسطة الملك . فيُعلم صدقه بموافقة الشرع .
الطريق المؤدية للإلهام :
أفضل الطرق المؤدية للإلهام : التزام الشرع في الأمر والنهي ، والبعد عن الشهوات ، والتقرب إلى الله بمزيد الطاعات والعبادات والمجاهدات . قال عز وجل : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين )[العنكبوت69]
( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )[البقرة:282]
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً )[الانفال: 29]
( وَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا )[الكهف:65]
والمراد من العلم اللدني : هو ما حصل عن طريق الإلهام بدون تكلف أو طلب ، وهو ما منَّ الله به على قلوب أوليائه من المعارف التي يتحقق بها الإصلاح للخلق . ويرى الغزالي رحمه الله أن مجاهدة النفس طريق الإلهام .
ويستدل على ذلك بشواهد الشرع والتجارب والحكايات بقوله تعالى : ( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ) [الزمر : 22] فالمراد بـ(يشرح صدره) التوسعة الصدرية ، والانشراح للنور المقذوف به في القلب من رب العالمين .
وجاء في الحديث : (( إن من أمتي محدَّثين ، ومُعَلَّمين ، وُمكَلَّمين ، وأن عمر منهم )) والمحدث : الملهم الذي ينكشف له باطن قلبه ، لا من جهة المحسوسات. ( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) [الزمر:22] .
ويقول : والتقوى : مفتاح الهداية والكشف ، وذلك علم من غير تعلم كما ظهر على الصحابة والتابعين .
والخلاصة : إن الخاطر والإلهام والكشف والرؤيا.. لابد أن تكون موافقة للشرع ، وأن لا تخالف حكما ً شرعيا ً، ولا منشئة له ، وهذه من الفيوضات الإلهية يهبها من يشاء من عباده ، لذا : لابد قبل كل شيء : التفقه بالدين ، وتحصيل العلوم الشرعية ، ثم التجمل والتخلق بأخلاق الشرع ، والابتعاد عن الشبهات .
_______
المصدر : نظرات في التصوف الإسلامي