الشيخ أبو عبد الله الجزولي
يقول : « الداعي صلى الله تعالى عليه وسلم : من الدعاء ، بمعنى أنه كثير الدعاء والتضرع والابتهال إلى الله تعالى في جميع أموره ، أو من الدعوة لمعنى أنه داع للخلق ليقبلوا على الله تعالى وعلى توحيده وعبادته . وقد دعا صلى الله تعالى عليه وسلم الخليقة في عالم الأرواح والذر ، فدعت روحه الشريفة جميع الأرواح ودلتها على الله تعالى وعلى توحيده ، وعرفتها بربها ، ودعت ذرته الشريفة جميع الذرات وأرشدتها وعرفتها بربها ، ودعا الخليقة أيضاً في عالم الأجساد بعد أن ظهر جسداً إنسانياً آدمياً ، فدعا الأنس والجن وعرفهم بربهم ، فقد أنذر الخليقة جميعاً ، وآمن الكل به في الأولية والآخرية »(1) .
وقد تكلم الشيخ تقي الدين السبكي على هذا المعنى ثم قال : وبهذا بان لنا معنى حديثين كانا خفيا عنا :
أحدهما قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : { بعثت إلى الناس كافة }(2) ، كنا نظن أنهم من زمانه إلى يوم القيامة ، فبان أنهم جميع الناس من أولهم إلى آخرهم .
والثاني : قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : { كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد }(3) ، كنا نظن أنه بالعلم ، فبان أنه زائد على ذلك ، وأنه نبي في عالم الأرواح والذر وأرسل إليها بالفعل ودعاها ودلها ، ثم نبئ وأرسل ثانياً في عالم الأجساد بعد بلوغه أربعين سنة من عمره ، فامتاز عن الأنبياء والرسل بأنه نبي مرتين :
الأولى : في عالم الأرواح للأرواح ، والثانية : في عالم الأجساد للأجساد ، فقد دعا صلى الله تعالى عليه وسلم ودل على الله في كل من الحالتين كما تقدم ، والإشارة إلى ذلك بقوله تعالى : { وَما أَرْسَلْناكَ إِلّا كافَّةً لِلنّاسِ }(4) ، والأنبياء والرسل وجميع أممهم وجميع المتقدمين والمتأخرين داخلون في كافة الناس .
وكان هو داعياً بالأصالة ، وجميع الأنبياء والرسل يدعون الخلق إلى الحق عن تبعيته صلى الله تعالى عليه وسلم ، وكانوا خلفاءَه ونوابه في الدعوة ، وفي بردة المديح :
وكل آي أتى الرسل الكرام بها فإنما اتصلت من نـوره بهـم
فإنه شمس فضل هم كواكبهـا يظهرن أنوارها للناس في الظلم( 5) .
______
الهوامش :-
(1) – الشيخ يوسف النبهان – جواهر البحار في فضائل النبي المختار صلى الله تعالى عليه وسلم – ج2 ص 372 – 373 .
(2) – تفسير ابن كثير ج : 2 ص : 256 .
(3) – المستدرك على الصحيحين ج : 2 ص : 665 .
(4) – سبأ : 28 .
(5) – الشيخ يوسف النبهان – جواهر البحار في فضائل النبي المختار صلى الله تعالى عليه وسلم – ج2 ص373 .