الشيخ أبو العباس الصنهاجي :
« الخوف فهو من منازل العوام لأنه انخلاع عن السرور وملازمة الأسف والتيقظ له بالوعيد والحذر من سطوة العقاب .
وهو من منازل العوام وليس في منازل الخواص خوف لأنه لا يليق للعبد أن يعبد مولاه على وحشة من نظره ونفرة من الأنس به عند ذكره ، قال الله تعالى ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم .
وأما أهل الاختصاص فإنهم جعلوا الوعيد منه وعداً والعذاب فيه عذباً لأنهم شاهدوا المبلى في البلاء والمعذب في العذاب فعدموا ما وجدوا في جنب ما شاهدوا وفي ذلك أنشدوا
سقمي في الحب عافيتي
ووجودي في الهوى عدمي
وعذاب ترتضون به
في فمي أحلى من النعم
ما لضر في محبتكم
عندنا والله من الم
ومنهم من تحكم عليه سلطان الوجد حتى جاوز في الاقتراح الحد فطلب النعيم في العذاب حين طلب الأمان منه أكثر الأحباب .
فقال وقيل أنها النعيم في العذاب حين طلب الأمان منه أكثر الأحباب .
فقال وقيل إنها لأبي يزيد:
أريدك لا أريدك للثواب
ولكن أريدك للعقاب
وكل مأربي قد نلت منها
سوى ملذوذ وجدي بالعذاب
ومن كان مستغرقاً في المشاهدة حال في بساط الأنس فلا يبقى للخوف بساحته إلمام لأن المشاهدة توجب الأنس والخوف يوجب القبض .
وقيل أن الشبلي رأى قوماً مجتمعين وشاباً قد بسط وضرب مائة سوط فلم يتألم لذلك ولا استغاث ولا نطق وكان ضئيل الخلقة ناحل الجسم ثم بعد ذلك ضرب سوطاً واحداً فاستغاث وصاح وتألم منه فأطلق سبيله فعجب الشبلي من حاله فتبعه خطوات ثم قال له يا هذا لقد عجبت من قوة صبرك مع ضعف جسمك فقال له يا شيخ الهمم تحمل البلايا لا الأجسام فقال له الشيخ رأيتك صبرت على المائة وعجزت عن الواحد الأخير وقلقت فقال نعم يا أخي العين التي كنت أعاقب لأجلها كانت في المائة ناظرة إلي فكنت ألتذ بما يجري عليّ لاستغراقي في مشاهدتها وفي السوط الأخير بقيت مع نفسي فوجدت الألم .
وقيل في قوله تعالى والكافرون لهم عذاب شديد دليل خطابه تعالى أن المؤمنين لهم عذاب ولكن ليس بشديد وإنما كان عذاب الكافرين شديد لأنهم لا يشاهدون المعذب في العذاب والعذاب على شهود المعذب عذب والثواب على الغفلة عن المعطي صعب وما لجرح إذا أرضاكم ألم فالخوف من منازل العوام وللخواص الهيبة وهي أقصى درجة يشار إليها في غاية الخوف لأن الخوف يزول بالعفو وبالأمن ومنتهاه خوف الشخص على نفسه من العقاب فإذا أمن من العقاب زال الخوف والهيبة لا تزول أبداً لأنها مستحقة للرب تعالى بوصف التعظيم والإجلال وذلك الوصف مستحق له على الدوام وهذه الهيبة تعارض المكاشف في أوقات المنجاة وتصون المشاهد أحيان المسامرة وتقصم المعاين بصدمة العزة وفيه قال قائلهم:
أشتاقه فإذا بدا
أطرقت من إجلاله
لا خيفة بل هيبة
وصيانة لجماله
وأصد عنه تجلداً
وأروم طيف خياله .
___________
الهوامش :ـ
الشيخ أبو العباس الصنهاجي – محاسن المجالس – ص 83 – 85 .