تمهيد حول أهمية الحجر الأسود وقداسته
جعل الله تعالى البيت الحرام بركة وهدى للعالمين ، وقد جعل سبحانه تعظيم شعائره من تقوى القلوب ، وأودع فيه آيات بينات باقيات ، ومنها ذلك الحجر المعظم المقدس الذي من عظم شأنه أن حضرة الرسول الأعظم صلى الله تعالى عليه وسلم مسحه وقبله ، ليزيد ذلك الحجر بتقبيل الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم له عظمة فوق عظمته ، وشرفا على شرف ، وبركة على بركة .
ولكثرة خيراته وبركاته تغشاه الملائكة الكرام على الدوام ، فتزدحم على لمسه تقبيله واستلامه ، أما أفئدة المؤمنين فقد هوت إليه بلهفة شديدة ، فلا تخلوا لحظة من آناء الليل وأطراف النهار إلا وهناك معظم له بالاستلام والتقبيل ، ولتحط عنه الخطايا والسيئات ، وليكون شاهداً وشفيعاً له عند الله تعالى .
فيا سعد ويا شرف من حضي بالالتثام ، ويا فخره بما نال على الأنام .
عنده تسكب العبرات كما قال حضرة الرسول الأعظم صلى الله تعالى عليه وسلم ، وتجاب الدعوات ، وتذهب الحسرات .
وفيه سرّ إلهي عظيم ، فلم يعبد من دون الله تعالى ، لا في الجاهلية ولا في الإسلام ، مع كثرة تعظيمه وتقبيله ، فسبحان الملك العلام .
وفيما يلي نبذة تاريخية تعريفية عن الحجر الأسود وأهم خصائصه العلمية وخواصه الروحية كما تلقيناها من أهل العلم .
الحجر الأسود
حجر لونه أسود مائل للحمرة ، موجود في الركن الجنوبي ، يسار باب الكعبة المشرفة ، يرتفع عن أرض المطاف بـ1.10 متر ، وهو مغروس داخل جدار الكعبة المشرفة .
لون الحجر
لونه الأصلي أبيض عدا ما يظهر منه فإنه أسود .
وروي أن الحجر الأسود نزل من الجنة أبيضاً ثم سودته ذنوب أهل الشرك .
وروى الإمام أحمد وغيره : الحجر الأسود من الجنة وكان أشد بياضاً من الثلج حتى سودته خطايا أهل الشرك .
وورد في ذلك أكثر من حديث نبوي شريف كما سيأتي .
نزول الحجر الأسود من الجنة
روى الترمذي وأحمد الحاكم وابن حبان أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم قال : { إن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله تعالى نورهما ولو لم يطمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب } .
وروى الإمام أحمد عن أنس بن مالك والنسائي عن ابن عباس عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم قال :{ الحجر الأسود من الجنة } .
عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : ” نزل الحجر الأسود من الجنة ، وهو أشد بياضاً من اللبن ، فسوَّدته خطايا بني آدم ” رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، قال : نزل الركن الأسود من السماء فوضع على أبي قبيس ( جبل ) كأنه مهاة بيضاء -أي بلورة- فمكث أربعين سنة ثم وضع على قواعد إبراهيم . رواه الطبراني موقوفاً على عبد الله بن عمرو بإسناد صحيح ، أي ليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
فضل الحجر الأسود
وروى الحاكم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم قبَّل الحجر الأسود وبكى طويلا ، ورآه عمر فبكى لما بكى ، وقال : { يا عمر هنا تُسكب العبرات } . رواه البخاري ومسلم .
وقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم : { إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطاً }، رواه أحمد في مسنده عن ابن عمر .
تاريخ الحجر الأسود
وروى أن الحجر الأسود يرجع عهده إلى إبراهيم عليه السلام ، فعندما كان يبني وابنه إسماعيل يناوله الحجارة وصل إلى موضع الحجر الأسود ، فقال إبراهيم عليه السلام لأبنه إسماعيل : أبغني حجراً أضعه هاهنا يكون للناس علماً ، يبتدئون منه الطواف .
فذهب إسماعيل يطلب له حجراً ورجع وقد جاءه جبريل بالحجر الأسود ، فقال إسماعيل : يا أبتي من أين لك هذا ؟
قال : جاءني به من لم يكلني إلى حجرك جاء به جبريل ، وهو حينئذٍ يتلألأ من شدة البياض فأضاء نوره شرقاً وغرباً .
أحداث تاريخية حول الحجر الأسود
أولا : بقيت الكعبة على هيئتها من عمارة إبراهيم عليه السلام حتى أتى عليها سيل عظيم انحدر من الجبال ، فصدع جدرانها بعد توهينها ثم بدأت تنهدم ، فاجتمع كبراء قريش ، وقرّروا إعادة بنائها.. وراحت قريش تنفذ ما قررته حتى ارتفع البناء إلى قامة الرجل ، وآن لها أن تضع الحجر الأسود في مكانه من الركن ، اختلفت حول مَن منها يضع الحجر في مكانه ، وأخذت كلّ قبيلة تطالب بأن تكون هي التي لها ذلك الحقّ دون غيرها ، وتحالف بنو عبد الدار وبنو عدي أن يحولوا بين أية قبيلة وهذا الشرف العظيم ، وأقسموا على ذلك جهد أيمانهم ، حتى قرّب بنو عبد الدار جفنة مملوءة دماً ، وأدخلوا أيديهم فيها توكيداً لأيمانهم ؛ ولذلك سُمُّوا ( لَعَقَة الدم ) . وعظُمَ النزاع حتى كادت الحرب أن تنشب بينهم لولا أن تدخل أبو أمية بن المغيرة المخزومي بعد أن رأى ما صار إليه أمر القوم ، وهو أسنُّهم ، وكان فيهم شريفاً مطاعاً ، فقال لهم : يا قوم ، إنما أردنا البرَّ ، ولم نرد الشرَّ ؛ فلا تحاسدوا ، ولا تنافسوا ؛ فإنكم إذا اختلفتم تشتت أُموركم ، وطمع فيكم غيركم ، ولكن حكِّموا بينكم أول مَن يطلع عليكم من هذا الفج [ أو اجعلوا الحكم بينكم أول مَن يدخل من باب الصَّفا ] قالوا : رضينا وسلمنا ، فلما قبلوا هذا الرأي أخذوا ينظرون إلى باب الصفا منتظرين صاحب الحظّ العظيم ، والشرف الرفيع الذي سيكون على يديه حقن دمائهم ، وحفظ أنفسهم.. فإذا بالطلعة البهية ، والنور الساطع ، انظروا.. إنه محمد بن عبد الله.. إنه الصادق الأمين.. وبصوت واحد : هذا الأمين قبلناه حكماً بيننا.. هذا الصادق رضينا بحكمه.. ثمّ تقدم نحوه كبراؤهم وزعماؤهم : يا محمد ، احكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون ! نظر إليهم رسولُ الله صلّى الله تعالى عليه وآله وسلم ، فرأى العداوة تبدو في عيونهم.. والغضب يعلو وجوههم.. والبغضاء تملأُ صدورهم.. أيُّ قبيلة سيكون لها هذا الشرف العظيم ، والفخر الكبير ، إن حكم لقبيلة دون أُخرى ؟
وهل سيرضون بحكم كهذا ، وقد ملئت قلوبهم بغضاً ، ونفوسهم حقداً ، ووضعوا أيديهم على مقابض سيوفهم ، وعلت الرماح فوق رؤوسهم ؟ في هذا الجو المرعب المخيف والمحاط بالشرّ ، كلّ الشرّ ، يقف الصادق الأمين ليعلن حكماً ينال رضاهم جميعاً ، ويعيد السيوف إلى أغمادها.. الجميع سكوت ينتظر ما يقوله فتى قريش وأمينُها ، وهو في هذا العمر (35 سنة) أمام شيوخ قريش وساداتها.. قال رسول الله صلّى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم : هَلُمّ (هلمّوا) إليّ بثوب ، الكلُّ ينظر إليه ، ماذا يُريد بهذا محمدٌ ؟ فيقول آخرون : انتظروا لنرى .
أُتي بالثوب ، نشره بيديه المباركتين ، رفع الحجر ووضعه وسط الثوب ، ثمّ نظر إليهم وقال : ليأخذ كبيرُ كلِّ قبيلة بناحية من الثوب . فتقدّم كبراؤهم وأخذ كلّ واحد منهم بطرف من أطراف الثوب ، ثم أمرهم جميعاً بحمله إلى ما يحاذي موضع الحجر من بناء الكعبة حيث محمد بانتظارهم عند الركن.. تناول الحجر من الثوب ووضعه في موضعه ؛ فانحسم الخلاف ، وانفضَّ النزاع بفضل حكمة الصادق الأمين ، التي منعت الفتن أن تقع ، وحفظتِ النفوس أن تزهق ، والدماءَ أن تُراق . ثانياً : أزال القرامطة الحجر الأسود عام 317هـ ، واقتلعوه من مكانه ، وقتلوا حجاج بيت الله ، ودفنوا الناس أحياء في بئر زمزم الطاهرة ، وذهبوا بالحجر إلى البحرين ؛ فبقي إلى عام 339هـ ، حيث أعاده الخليفة العبَّاسي المطيع لله إلى مكانه وصنع له طوقين من فضة ، فطوقوا الحجر بها وأحكموا بناءه .
وفي هذا الشأن جاء في البداية والنهاية لابن كثير ج11 ص159 ( فلما قضى القرمطى لعنه الله أمره وفعل ما فعل بالحجيج … أمر أن تدفن القتلى في بئر زمزم , ودفن كثير منهم في أماكن من الحرم وفي المسجد الحرام ….وهدم قبة زمزم وأمر بقلع باب الكعبة ونزع كسوتها عنها , وشققها بين أصحابه …. ثم أمر بأن يقلع الحجر الأسود , فجاءه رجل فضربه بمثقال في يده وقال : أين الطير الأبابيل ؟ أين الحجارة من سجيل ؟ ثم قلع الحجر الأسود وأخذوه حين راحوا معهم إلى بلادهم , فمكث عندهم اثنين وعشرين سنة ) .
وتذكر المصادر التاريخية أن طول الحجر رآه يوم قلعه القرامطة في القرن الرابع الهجري محمد بن نافع الخزاعي , فرأى السواد في رأسه فقط وسائره أبيض وطوله قدر ذراع .
ثالثاً : في عام 363هـ دخل الحرم وقت القيلولة رجل رومي متنكِّراً ؛ فحاول قلع الحجر ؛ فابتدره رجل يمني ، وطعنه بخنجره فألقاه ميتًا .
رابعاً : في عام 414هـ تقدم بعض الباطنية فطعن الحجر بدبوس ؛ فقتلوه في الحال . وفي أواخر القرن العاشر جاء رجل أعجمي بدبوس في يده ؛ فضرب به الحجر الأسود ، وكان الأمير( ناصر جاوس) حاضراً فوجأ (فضرب) ذلك الأعجمي بالخنجر فقتله .
خامساً : في آخر شهر محرم عام 1351 هـ جاء أفغاني ؛ فسرق قطعة من الحجر الأسود ، وسرق أيضاً قطعة من أستار الكعبة ، وقطعتي فضة من المدرج الفضي ؛ فأُعدِم عقوبة له وردعاً لأمثاله ، ثم أُعيدت القطعة المسروقة يوم 28 ربيع الثاني من العام المذكور إلى مكانها .
سادساً : في عهد السلطان عبد المجيد الثاني أرسل طوقاً من ذهب وزنه عشر أوقيات رُكِّب على الحجر الأسود بعد أن أُزيلت الفضة ، وكان ذلك عام 1268هـ ، ولم يُعلَم أن الحجر الأسود طُوِّقَ الذهب غير هذه المرة ، ويقول الحضراوي : إن ذهب هذا الطوق من كنز وُجِدَ في شعب أجياد بمكة المكرمة .
سابعاً : في سنة 1281هـ أرسل السلطان عبد العزيز العثماني طوقًا من فضة ؛ فوُضِعَ مكان الطوق الذي أرسله السلطان عبد المجيد الثاني .
ثامناً : في عام 1331هـ غُيِّرت الفضة المُحاطَة بالحجر الأسود ، وذلك في خلافة السلطان محمد رشاد العثماني .
تاسعاً : في عام 1290هـ عُمِلَ له غطاء من الفضة في وسطه ، فتحته مستديرة ، قطرها 27 سم يرى منها الحجر ، ويُستلم .
تكسير الحجر الأسود
إن الحجر الأسود قد تكسر على مر الحوادث التي مرت به ، حيث كان قطر الحجر الأسود حوالي 30 سم ، أما الآن فلم يتبقى منه سوى ثمان قطع صغيرة جداً في حجم التمرات ويحيط بها إطار من الفضة وليس كل ما داخل الطوق الفضي من الحجر الأسود ، وإنما هناك ( 8 ) قطع صغار في وسط المعجون ( وهو خليط من الشمع والمسك والعنبر ) موضوع على رأس الحجر ، وهذه القطع هي المقصودة في التقبيل والاستلام .
ومن الحجر الأسود يبدأ الطواف وينتهي ، ولذا يقال له الركن باعتبار وجوده في الركن الأهم من البيت الحرام ، وهو الركن الذي يبتدئ الطواف منه ، وهو الركن الشرقي .
خصائص الحجر الأسود وفضائله
إن لهذا الحجر خصائص ومزايا عظيمة صحيحة ثابتة من طرق صحيحة عن سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم نبي هذه الأمة الصادق المصدوق ، فمنها :
أولا : أنه يشرع تقبيله واستلامه . ومما زاده شرفاً وفخراً فوق ذلك كله تقبيل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم له وذلك حين طاف بالبيت العتيق مستلماً له ، وإن في تقبيل المسلمين واستلامهم للحجر الأسود نقطة دقيقة ، وهي أن تقع أفواههم موضع فم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى وسلم وفم الأنبياء الذين قبله عليهم الصلاة والسلام ، وأن تلمس أيديهم ما لمسته أيديهم الشريفة من هذا الحجر المكرّم .
ثانياً : أنه في أشرف مكان في بيت الله المعظم ( الركن الشرقي ) وهو المكان الذي يقع على نفس القواعد الأولى الأصلية التي رفعها سيدنا إبراهيم عليه السلام .
ثالثاً : أنه في المكان الذي يشرع ابتداء الطواف بالبيت منه ، وكذلك يختم عنده .
رابعاً : أن من استلمه كان كمن فاوض يد الرحمن ، وكمن بايع الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم .
خامساً : أنه كان له نور عظيم مضيء ، ولكن الله تعالى قد طمس هذا النور حيث اقتضت الحكمة الإلهية أن يراعى فيه حكم نشأة الأرض فطمس نوره .
سادساً : أنه يشهد يوم القيامة لمن استلمه بحق ، مؤمناً صادقاً .
سابعاً : أنه شافع ومشفع يوم القيامة ، كما جاء في الحديث الصحيح .
ثامناً : ومن فضائله أنه تسكب عنده الدموع ، وتحطّ الخطايا ، ويستجاب الدعاء .
تاسعاً : ومنها ما جاء أنه كان يسلم على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم قبل بعثته .
عاشراً : أنه في الأرض بمنزلة يمين الله كما ثبت في الحديث .
خصائص عجيبة
تذكر بعض المصادر أن للحجر الأسود خصائص خارقة منها :
أولا : عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم : { إنّ الركن والمقام من ياقوت الجنة ، لولا ما مسّهما من خطايا بني آدم لأضاءا ما بين المشرق والمغرب ، وما مسّهما من ذي عاهة ولا سقيم إلا شفي } .
وأيضاً عن ابن عباس رضي الله عنه ، قال : { الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة وإليها يصيران ولولا ما مسّ هذا الركن من الأنجاس لأبرأ الأكمه والأبرص } .
ثانياً : قيل : لولا أن الله طمس نوره ما استطاع أحد أن ينظر إليه ، وفي رواية الأزرقي قال : أشهد أن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة ، لولا أن الله تعالى أطفأ نورهما لأضاء نورهما ما بين السماء والأرض .
وعن وهب بن منبه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أخبره أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم قال لعائشة وهي تطوف معه بالكعبة حين استلم الركن : { لولا ما طبع على هذا الحجر يا عائشة من أرجاس الجاهلية وأنجاسها إذاً لاستشفي به من كل عاهة ، وإذاً لألفي اليوم كهيئته يوم أنزله الله عز وجل ، وليعيدنه إلى ما خلقه أول مرة وإنه لياقوتة بيضاء من يواقيت الجنة ، ولكن الله سبحانه وتعالى غيّره بمعصية العاصين وستر زينته عن الظلمة والأثمة ؛ لأنه لا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء كان بدؤه من الجنة } .
وفي رواية أخرى : لما وضع جبريل الحجر في مكانه ، وبنى عليه إبراهيم ، وهو حينئذ يتلألأ من شدة بياضه ، فأضاء نوره شرقاً وغرباً ويميناً وشمالا ، قال : فكان نوره يضيء إلى منتهى أنصاب الحرم ، من كل ناحية من نواحي الحرم ، قال : وإنما شدة سواده لأنه أصابه الحريق مرة بعد مرة في الجاهلية والإسلام .
فهذه الروايات تشير إلى النور الذي كان يضيء من الحجر عند نزوله ، وبعضها يعزو اختفاء هذا النور إلى خطايا بني آدم ، وبعضها بسبب الحريق ، ولا ندري كم هي المدة التي بقي فيها مضيئاً ، والله أعلم .
ثالثاً : أن الله تعالى حفظه من الضياع منذ أن هبط إلى آدم وإلى ما شاء الله ، مع أنه وقع له أمور تقتضي ذهابه كالطوفان وغيره .
وذكر أن للحجر الأسود ثلاث خواص عجيبة :
نقلتها إحدى القنوات الفضائية :
الأولى : أنه لا يتأثر بأي نوع من أنواع الحرارة مهما كانت درجة الحرارة .
والثانية : أنه لا ينقل الأمراض نهائياً بالرغم من أعداد المقبّلين له .
ناسب هذا الإشارة إلى معلومة رابعة تفضل بها حضرة السيد الشيخ السلطان الخليفة محمد المحمد الكسنزان ) قدس الله سره إذ قال : { إن تجارب أجريت عليه ووجد أنه لا يحجب الضوء ، أي أن الضوء يمر من خلاله وكأنه غير موجود ولا يتأثر بجزيئاته } .
الأثر الخالد
الحجر الأسود ربما يكون هو الأثر الوحيد في بناء الكعبة المشرفة الباقي منذ عهد إبراهيم عليه السلام إن لم يكن من قبله وقبل آدم عليه السلام ، ومن هنا جاء التبرك به وتقديسه واستلامه حفاظاً على عهدنا مع بيت الله الحرام ، وأبي الملة الحنيفية السمحاء ، جد الأنبياء والمرسلين خليل الرحمن عليه السلام ، الذي ختم الله من ذريته بسيد الرسل الكرام جميع الرسالات وأحسن الختام ببقاء الركن الأسود على عهده القديم دون تغيير أو تبديل ليكون مع البيت مثابةً للناس وأمْناً .
الحجر الأسود يوم القيامة
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( إن الركن يمين الله عز وجل في الأرض ، يصافح بها خلقه ، والذي نفس ابن عباس بيده ، ما من امرئ مسلم يسأل الله عز وجل شيئاً عنده ، إلا أعطاه إياه ) .
وورد أنه يبعث يوم القيامة مثل جبل أحد ، يشهد لمن استلمه وقبّله .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم :{ ليبعثنّ الله الحجر يوم القيامة له عينان ، يبصر بهما ، ولسان ينطق به ، يشهد على من استلمه بحق } .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم قال : { يأتي الركن يوم القيامة ، أعظم من أبي قبيس ، له لسان وشفتان يتكلم عمن استلمه بالنية ، وهو يمين الله التي يصافح بها خلقه } .
عن أبي سعيد الخدري قال : حج عمر بن الخطاب في إمرته , فلما افـتـتح الطواف حاذى الحجر الأسود , ومر فاستلمه وقبله , وقال : أقبلك وإني لأعلم أنك حجر لا تـضـر ولا تنفع , ولكن كان رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وعلى اله وسلم بك حفياً, ولولا أني رأيته يقبلك ما قبلتك . قـال : وكـان في الحجيج علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فقال : بلى واللّه إنه ليضر وينفع قال : فبم قـلـت ذلك يا أبا الحسن ؟ قال : بكتاب اللّه تعالى ، قال عمر : أشهد أنك لذو علم بكتاب اللّه تعالى ، فأين ذلـك من الكتاب ؟ قال عليه السلام : قوله تعالى : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألـسـت بربكم قالوا بلى شهدنا } أخبرك أن اللّه تعالى لما خلق آدم مسح ظـهـره فاستخرج ذريته من صلبه في هيئة الذر وألزمهم العقل , وقررهم أنه الرب وأنهم العبيد , فأقروا له بالربوبية , وشهدوا على أنفسهم بالعبودية , واللّه عز وجل يعلم أنهم في ذلك في منازل مـخـتلفة , فكتب أسماء عبيده في رق وكان لهذا الحجر يومئذ عينان وشفتان ولسان , فقال : افتح فاك , فـفـتـح فـاه فألقمه ذلـك الرق ثم قال له : اشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة , فلما هبط آدم عليه السلام هبط والحجر معه , فجعل في موضعه الذي ترى من هذا الركن , وكانت الملائكة تحج هـذا الـبـيـت مـن قـبل أن يخلق اللّه تعالى آدم عليه السلام , ثم حجه آدم , ثم نوح من بعده , ثم هـدم البيت ودرست قواعده , فاستودع الحجر من أبي قبيس , فلما أعاد إبراهيم وإسماعيل بناء البيت وبـناء قواعده واستخرجا الحجر من أبي قبيس بوحي من اللّه عز وجل , فجعلاه بحيث هو اليوم مـن هـذا الـركـن , وهو من حجارة الجنة , وكان لما أنزل في مثل لون الدر وبياضه , وصفاء الياقوت وضـيائه فسودته أيدي الكفار ومن كان يلمسه من أهل الشرك بعتائرهم ، فقال عمر : لا عشت في أمة لست فيها يا أبا الحسن .
قال الشوكاني في نيل الأوطار : وإنما اقتصر صلى الله تعالى عليه على اله وسلم على استلام اليمانيين لما ثبت في الصحيحين من قول ابن عمر رضي الله عنهما ، أنهما على قواعد إبراهيم دون الشاميين ، فعلى هذا يكون للركن الأول من الأركان الأربعة فضيلتان ، كونه الحجر الأسود وكونه على قواعد إبراهيم – وللثاني الثانية فقط ، وليس للآخرين أعني الشاميين شيء منها ، فلذلك يقبل الأول ويستلم الثاني فقط ، ولا يقبل الآخران ولا يستلمان ، على رأي الجمهور .
وجاء في الحاوي : روى محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم : { الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح بها عباده } .
وروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم : { الحجر يمين الله في الأرض فمن مسحه فقد بايع الله } .
وعن عكرمة قال : إن الحجر الأسود يمين الله في الأرض ، فمن لم يدرك بيعة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم ، فمسح الحجر فقد بايع الله ورسوله ” .
قال الإمام الغزالي رحمه الله في الإحياء : وأما الاستلام فاعتقد عنده أنك مبايع لله عز وجل على طاعته ، فصمم عزيمتك على الوفاء ببيعتك ، فمن غدر في المبايعة استحق المقت .
الحجر الأسود من أحجار السماء بشهادة العلماء
في مسعى لعلماء الجمعية البريطانية التابعة لجامعة كمبردج ، تم إرسال شخص في القرن التاسع عشر للحصول على قطعة من الحجر الأسود لغرض دراستها والتأكد منها ، هل هي طبيعية أم لا .
وفعلا نجح ذلك الشخص ودخل الكعبة وفى غفلة الحراسة ولم تكن شديدة مثل هذه الأيام ، وكسر قطعة من الحجر الأسود ، وذهب بها إلى جدة واحتفل به سفير بريطانيا في السعودية احتفال الأبطال ، ووصلت القطعة إلى بريطانيا ، وأودع قطعة الحجر الأسود في متحف التاريخ الطبيعي بلندن ليقوم بتحليله وأثبتوا أنه ( نيزك ) من نوع فريد ، فتأثر ذلك الرجل وكتب كتاباً من أجمل الكتب وسماه ( رحلة إلى مكة ) من جزأين وصف في الجزء الأول عداءه للإسلام وإصراره على هزيمة المسلمين وفي الجزء الثاني وصف خضوعه لله سبحانه وتعالى بسبب أن الحجر الأسود من أحجار السماء .