يقول الدكتور حسن الشرقاوي :
« لم يقل أحد الصوفية أنه والله شيء واحد ، بل أنهم يفرقون بين مقام العبودية ومقام الربوبية … وإذا قال الصوفي : ( أنا أنت وأنت أنا ) فمعنى ذلك : أنه فنى عن أوصافه المذمومة وبقيت أوصافه المحمودة …
ومعنى ذلك أنه إذا قال الصوفي في حالة شطح أو وجد أو سكر ( أنا أنت وأنت أنا ) فلا يقصد بذلك حلولاً ولا اتحادا وإنما يقصد أنه لا يرى في هذا الوجود إلا الله سبحانه وتعالى ، وكما يقول أحد أئمة الصوفية وهو ذو النون المصري مناجياً ربه قائلاً له :
« الهي … ما أصغيت إلى صوت حيوان ، ولا إلى حفيف شجر ولا خرير ماء ، ولا ترنم طائر ، ولا تنعم ظل ، ولا دوي ريح ، ولا قعقعة رعد ، إلا وجدتها شاهدة بوحدانيتك دالة على أنه ليس كمثلك شيء » .
ويهتف صوفي آخر قائلاً :
من أنـت ؟ يـا ربـي أجبـني
فإني رأيتك بين الحسن والزهر والماء
فلا يقصد الصوفي القول بالحلول أو الاتحاد أو الاندماج والوحدة بين الخالق
والمخلوق ، أو بين العبد وبين الرب ، وإنما المقصود هو شهود قدرة الله وآثاره وعظمته في العالم بأسره ، وهذا ما نجده في قول بعضهم :
وفي كل شيء لـه آيـة
تدل على أنـه واحـد
فالصوفية يفرقون بين الله والعالم ، بين الإنسان كعبد وبين الخالق كرب ، ولكنهم في نفس الوقت يرون أن العالم الظاهر لا وجود له على الحقيقة ، وأن الموجود الحق هو الله لا إله إلا هو ، هذا هو منطقهم ودليلهم في العمل …
فالذي يقول : ( أنا أنت وأنت أنا ) إنما هو … في لحظة سكر ووله وشطح ، لا يستطيع أن يعبر بلفظة العقل عن المعنى القوي في قلبه ، والإشراق الإلهي الذي احتوى
نفسه ، فسقطت عنه الإشارة والعبارة ».
________
الدكتور حسن الشرقاوي – معجم ألفاظ الصوفية – ص 56 – 60 .