يقول الإمام جعفر الصادق : « إذا أردت الحج : فجرد قلبك لله تعالى من قبل عزمك من كل شيء شاغل وحجب كل حاجب ، وفوض أمورك كلها إلى خالقك ، وتوكل عليه في جميع ما يظهر من حركاتك وسكونك ، وسلم لقضائه وحكمه وقدره ، وودع الدنيا والراحة والخلق ، واخرج من حقوق تلزمك من جهة المخلوقين ، ولا تعتمد على زادك وراحلتك وأصحابك وقوتك وشبابك ومالك ، مخافة أن تصير لك أعداءً ووبالاً . ليعلم أنه ليس له قوة ولا حيلة ، ولا لأحد إلا بعصمة الله تعالى وتوفيقه .
واستعد استعداد من لا يرجو الرجوع ، وأحسن الصحبة ، وراع أوقات فرائض الله تعالى وسنن نبيه ، وما يجب عليك من الأدب ، والاحتمال والصبر والشكر والشفقة والسخاء وإيثار الزاد على دوام الأوقات . ثم اغتسل بماء التوبة الخالصة من الذنوب ، والبس كسوة الصدق والصفاء والخضوع والخشوع ، واحرم عن كل شيء يمنعك عن ذكر الله تعالى ويحجبك عن طاعته .
ولَبِّ بمعنى : إجابة صافية خالصة زاكية لله تعالى في دعوتك لتمسكك بالعروة الوثقى . وطف بقلبك مع الملائكة حول العرش ، كطوافك مع المسلمين بنفسك حول البيت . وهرول هرولة ، فراً من هواك ، وتبرؤاً من جميع حولك وقوتك . واخرج من غفلتك وزلاتك ببدنك بخروجك إلى منى ، ولا تتمن ما لا يحل لك ولا تستحقه .
واعترف بالخطأ بالعرفان ، وجدد عهدك عند الله تعالى بوحدانيته .
وتقرب إليه ، واتقه بمزدلفة .
واصعد بروحك إلى الملأ الأعلى ، بصعودك إلى الجبل .
واذبح الهوى والطمع عند الذبيحة .
وارم الشهوات والخساسة والدناءة وأفعال الذميمة عند رمي الجمرات .
واحلق العيوب الظاهرة والباطنة بحلق شعرك .
وادخل في أمان الله تعالى وكنفه وستره وكلائه من متابعة مرادك بدخول الحرم .
وزر البيت متحققاً لتعظيم صاحبه ومعرفته وجلاله وسلطانه .
واستلم الحجر رضا بقسمته ، وخضوعاً لعظمته .
وودع ما سواه بطواف الوداع .
وصف روحك وسرك للقاء الله تعالى يوم تلقاه بوقوفك على الصفا .
وكن ذا مروّة من الله بغناء أوصافك عند المروة .
واستقم على شروط حجتك ووفاء عهدك الذي عاهدت ربك وأوجبته له يوم القيامة . واعلم بأن الله لم يفترض الحج ، ولم يخصه من جميع الطاعات بالإضافة إلى نفسه بقوله تعالى : وَلِلَّهِ عَلى النّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبيلاً (1) ، ولا شرع نبيه في خلال المناسك على ترتيب ما شرعه ، إلا للاستعداد إلى الموت والقبر والبعث والقيامة وفضل بيان السبق من دخول الجنة أهلها ودخول النار أهلها بمشاهدة مناسك الحج من أولها إلى آخرها ، لأولي الألباب وأولي النهى »(2) .
ويقول الإمام القشيري : « إن سبيل من حج البيت أن يقوم بآداب الحج .
فإذا عقد بقلبه الإحرام ، يجب أن يفسخ كل عقد يصده عن هذا الطريق ، وينقض كل عزم يرده عن هذا التحقيق .
وإذا طهر ، تطهر عن كل دنس من آثار الأغيار بماء الخجل ، ثم بماء الحياء ، ثم بماء الوفاء ، ثم بماء الصفاء .
فإذا تجرد عن ثيابه ، تجرد عن كل ملبوس له من الأخلاق الذميمة .
وإذا لبى بلسانه ، وجب ألا تبقى شعرة من بدنه إلا وقد استجابت لله .
فإذا بلغ الموقف ، وقف بقلبه وسره حيث وقفه الحق بلا اختيار مقام ، ولا تعرض تخصيص .
فإذا وقف بعرفات ، عرف الحق سبحانه ، وعرف له تعالى حقه على نفسه ويتعرف إلى الله تعالى بتبريه عن منته وحوله . والحق I يتعرف إليه بمنته وحوله .
فإذا بلغ المشعر الحرام ، يذكر مولاه بنسيان نفسه ، ولا يصح ذكره لربه مع ذكره
لنفسه .
فإذا بلغ منى ، نفى عن قلبه كل طلب ومنى ، وكل شهوة وهوى .
وإذا رمى الجمار ، رمى عن قلبه ، وقذف عن سره كل علاقة في الدنيا والعقبى .
وإذا ذبح ، ذبح هواه بالكلية ، وتقرب به إلى الحق تعالى .
فإذا دخل الحرم ، عزم على التباعد عن كل محرم على لسان الشريعة وإشارة الحقيقة . وإذا وقع طرفه على البيت ، شهد بقلبه رب البيت .
فإذا طاف بالبيت ، أخذ سره بالجولان في الملكوت .
فإذا سعى بين الصفا والمروة ، صفى عنه كل كدورة بشرية ، وكل آفة إنسانية .
فإذا حلق ، قطع كل علاقة بقيت له .
وإذا تحلل من إحرام نفسه وقصده إلى بيت ربه ، استأنف إحراماً جديداً بقلبه ، فكما خرج من بيت نفسه إلى بيت ربه يخرج من بيت ربه إلى ربه تعالى »(3) .
____________________
الهوامش :
[1] – آل عمران : 97 .
[2]- عادل خير الدين – العالم الفكري للإمام جعفر الصادق – ص 173 – 174 .
[3] – الإمام القشيري – تفسير لطائف الإشارات – ج 1 ص 276 .
المصدر : السيد الشيخ محمد الكسنزان الحسين – موسوعة الكسنزان فيما اصطلح عليها اله التصوف والعرفان – ج5 – مادة ( ح ج ج ) .